إنهم جيش مصر المنسي دائماً. موجودون لكنهم قيد"الانتظار"لحين انتقالهم إلى فئة عمرية أخرى أكثر وضوحاً في المعالم وأكثر سهولة في التعامل. إذا أخطأوا أنَّبْناهم من منطلق أنهم كبروا ولا يصح أن يخطئوا أخطاء الصغار، وإذا طالبوا بحقوق الكبار عنَّفناهم لأنهم بعد صغار ولم يحن أوانهم. تطورهم الطبيعي يدفعهم دفعاً إلى استكشاف عوالم جديدة والدخول في علاقات خاصة والبحث عن معلومات حساسة، فإذا اكتشفنا أنهم يرضون تطلعاتهم ويروون عطشهم بعيداً من منظومة الأهل نقيم الدنيا ولا نقعدها، لكننا في الوقت نفسه نبذل كل ما لدينا من جهد وحنكة لنتهرب من أسئلتهم ونتجنب استفساراتهم لأننا ببساطة وبصراحة نجهل كيف نجيب عليها. من جهة أخرى، هناك اتجاه أصولي يعمل بأسلوب منظم من أجل جذب تلك الفئة سواء من خلال شاشات التلفزيون أم مواقع الإنترنت أم شرائط الكاسيت وأغلبها يعمل على بث أفكار واتجاهات تصب عكس التيار المرجو. فمثلاً هناك ترويج للزواج المبكر باعتباره"حصناً للشباب"، وحرب شعواء ضد كسر"تابو"الحديث عن الصحة الجنسية، وتشجيع ختان الإناث باعتباره سنة وعفة للفتيات، وغيرها من محاولات العودة بمصر سنوات طويلة إلى الوراء- 17 مليون مراهق من الجنسين هم تعداد الفتيات والفتيان المصريين اليافعين، أي خمس تعداد مصر تقريباً. أولئك على رغم علامات الاستفهام التي تدور حولهم نظراً الى اختلاف مراحلهم العمرية وبيئاتهم الاجتماعية والاقتصادية ومن ثم احتياجاتهم بدأوا يظهرون على الساحة الإعلامية والسياسية بشكل يعكس تنامي الاهتمام بهم على المستوى الرسمي وغير الرسمي وهو اهتمام أقل ما يمكن أن يوصف به أنه جاء"في وقته". فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية خصص المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر جانباً كبيراً من اهتماماته ومن ثم موازنته من أجل المراهقين في شتى أنحاء مصر، بما في ذلك محافظات الصعيد وسيناء المنسية دائماً. ولأن الجانب الأكبر من مشاكل المراهقين والمراهقات ذو طابع نفسي، ولأن الصحة النفسية ما زالت من الأمور الثانوية في نظر المجتمع المصري بوجه عام، فقد توجه خبراء الصحة النفسية الى المراهق في عقر داره، وذلك من خلال عيادة متنقلة تابعة لكلية طب قصر العيني بدأت فعلاً في التوجه إلى أماكن تجمعهم لتقديم خدمات وقائية ومشورة صديقة وعلاجات للحالات التي تعاني من مشاكل نفسية وعصبية تتعلق بالتغيرات التي تصاحب المراهقة. بالإضافة إلى وجود أطباء اختصاصيين لعلاج الأمراض العضوية الأخرى. ومن خلال هذه الجولات يعد المعالجون تقارير تتضمن الاحتياجات والمعلومات التي شعروا من خلال تعاملهم مع المراهقين أنهم يحتاجونها بهدف تضمينها في المناهج الدراسية الإعدادية والثانوية. وتؤكد إحدى الدراسات التي شارك فيها مكتب شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية أن عشرة في المئة من الطلاب مصابون بالاكتئاب وأن معدل القلق بين طلاب السنة النهائية في المرحلة الثانوية بلغ 17 في المئة- وهي نتائج تعني أن الحاجة إلى التدخل العلاجي والوقائي كانت لازمة. وعلى القدر نفسه من الأهمية والأولوية بدأت جهود رسمية وأهلية عدة تصب في هذا المجال طالما عانى المراهقون والمراهقات منه بسبب حساسيته وهالة الحرج والعيب والجهل التي تغلفه فقد أشارت المعلومات الواردة من الخط الساخن للإيدز إلى أن فئة الشباب بحاجة إلى معلومات إضافية عن الصحة الجنسية والإنجابية. وكان40 في المئة من المتصلين من غير المتزوجين، وأكثر من 37 في المئة طلبوا معلومات مفصلة حول بعض الممارسات الجنسية، وأكثر من 63 في المئة سألوا عن سبل انتقال عدوى الإيدز كما أوضح مسح قومي أجري على المراهقين في مصر أن غالبيتهم فى حاجة إلى التثقيف والمعلومات وخصوصًا في ما يتعلق بالصحة الإنجابية، فنحو 72.5 في المئة من المراهقين و98.2 في المئة من المراهقات سجلوا حاجاتهم لمعرفة معلومات أكثر عن التغيرات التي تحدث مع عمر البلوغ، بينما طلب نحو 80.2 في المئة من المراهقين غير المتزوجين و 67.8 في المئة من المراهقات معلومات أكثر عن محتوى عقود الزواج والحقوق بين الزوجين كما أن الغالبية العظمى أفصحت عن رغبة في أن يأخذ الآباء دوراً في مناقشة هذه الأمور معهم. هذه الحاجة الواضحة للمعلومات ذات الطابع الجنسي أو الإنجابي يصاحبها قدر غير قليل من الرفض الديني والمجتمعي المتزمت لمثل هذه المعلومات ولو كانت بشكل لائق ولا تخرج عن حدود اللياقة والأخلاق والتقاليد وتقول أمينة عام المجلس القومي للطفولة والأمومة السفيرة مشيرة خطاب:"تم طردنا من مدرسة ثانوية في محافظة الشرقية لأننا ذهبنا للتحدث مع الطلاب عن الصحة الإنجابية كان هذا قبل عامين كانت المقاومة المجتمعية شديدة حتى من الأهل والمعلمين أنفسهم، ولكننا اليوم تخطينا جانباً كبيراً من هذه المشكلة لأننا تفهمنا تماماً الحساسيات الثقافية السائدة وتمكنا من إقناع أولياء الأمور والمعلمين بأن هذا التثقيف في مصلحتهم ومصلحة أبنائهم وبناتهم"وتشير خطاب إلى أن الفئات الأخرى الأوفر تعليماً وثقافة كانت أسهل في الإقناع والاستيعاب سواء في ما يتعلق بالصحة الإنجابية أم ختان الإناث. وتعتمد برامج صحة المراهقين التي يتم تنفيذها حالياً على المستوى الوطني على التوجه الفعلي إلى المدارس الإعدادية والثانوية وليس على المفهوم النظري تقول خطاب:"في البداية قيل لنا إن الصحة الإنجابية يتم تدريسها من خلال مادة الأحياء لكن المعلم يقلب الصفحة ولا يدرسها، لذلك يعتمد منهجنا على التوجه إلى المدارس الأدهى من ذلك أننا اكتشفنا أن التعليم الأزهري يناقش هذه القضايا بقدر أكبر من الحرية كما لاحظنا أن عدداً من الفضائيات الدينية تتطرق إلى هذه القضايا والمستفيد في نهاية الأمر هو المراهق". وبعد سنوات من إغماض العين الرسمية عن ظاهرة الزواج العرفي واقتصار الاهتمام بها على ندوات ودراسات غالباً ما يكون جمهورها من الاختصاصيين والمسؤولين وليس أصحاب المشكلة، أصبحت برامج ومشاريع المراهقة والشباب تدمج مسألة الزواج العرفي في كل النشاطات المتعلقة بالمجلس سواء في التلفزيون أم الندوات أم ورش العمل الشبابية تقول خطاب:"لقد تم دمج قضية الزواج العرفي ضمناً في كل نشاطاتنا، من المهم إعطاء رسائل غير مباشرة لا سيما من خلال القادة الدينيين ومن واجب الأسرة عدم تعجيز العريس في طلبات الزواج والتي كثيراً ما تؤدي إلى الزواج العرفي الذي يؤدي إلى جيل ضائع من الأطفال وهذه مصيبة"ولما كان البعض من مرتدي عباءة الدين ممن يتمتعون بشعبية كبيرة بين المراهقين والشباب يروجون ويحللون هذه النوعية من الزواج فإن"الحاجة إلى تضافر جميع الجهود ماسة"على حد قول خطاب من أجل إنقاذ الشباب المصري. المراهق أيضاً في مصر واقع تحت خطر ما يعرف بأخطار الإتجار الجنسي بالأطفال والمراهقين عبر شبكة الإنترنت، وهي القضية التي تبنتها السيدة سوزان مبارك في آذار مارس الماضي أثناء انعقاد المؤتمر الإقليمي لمناهضة العنف ضد الأطفال ولأن كثيرين يعتبرون مجرد التطرق إلى قضية كهذه مؤامرة غربية، فإن خطاب تقول إن مسألة الاستغلال الجنسي يتم تداولها بأسلوب هادئ بعيداً عن الصخب الإعلامي- لكنها تشيد في الوقت نفسه بالقدر غير القليل من الحرية الإعلامية والديموقراطية المتاحة حالياً والتي تسمح بالحديث عن قضية مثل الازدواجية أو الفصام الديني الذي يعيشه كثيرون من المراهقين والشباب في مصر- فقد أظهرت دراسات المجلس مثلاً أن الحجاب أصبح الزي الرسمي للفتيات مع غياب الوازع الديني وعدم ارتباط الزي بالصلاة وأداء الفرائض والسلوكيات تقول:"لدينا كم هائل من المشاكل في العالم العربي والإسلامي جعلتنا نركز على المظهر بدلاً من الجوهر، ليس فقط في الحجاب ولكن في أمور حياتية كثيرة".