بعد اجتياح العراق، وظهور بطلان أسباب هذه الحرب وتسويغاتها، تمسك أنصار إطاحة صدام حسين بإحلال العدالة في السياسة العراقية. وما لبثت هذه العدالة، وهي قد تسوغ الحرب على العراق، أن تبددت. واكتشفنا سذاجة تصديقنا البنتاغون ومساعيه الى إعادة بناء العراق. فالادارة الاميركية لم تفقه شيئاً من المسألة. وأخطأنا مجدداً حين أملنا في تعاون العراقيين على بناء غد أفضل. فإذا بهم يتناحرون في حرب أهلية دموية. وعليه، يجب إلغاء محاكمة صدام، أو نقلها إلى بلد آخر. فظروف المحاكمة الحالية تشوه صورة العدالة، وتظهرها بمظهر المهزلة والمأساة. والحق أن القضاة الستة الذين تولوا النظر في قضيتي الانفال ومحاولة اغتيال صدام، عجزوا عن السيطرة على هذيان الديكتاتور السابق الملتحي. واللافت أن دستور العراق يبيح تدخل السياسيين في القضاء، ويخولهم طرد القضاة، على ما حصل مع القاضي السابق. وإلى يومنا هذا، لاقى سبعة أشخاص معنيين بمحاكمة صدام، حتفهم، وبينهم ثلاثة من محامي صدام. واختطف رجال زعموا أنهم من وزارة الداخلية محامي الدفاع الرئيسي، خميس العبيدي، وعذّبوه وقتلوه. ومن أين للعراقيين الثقة بحيادية المحاكمة في حين يُلاحق الشهود والمحامون والقضاة، ويقتلون؟ ولعل المذهل في الامر إنفاق بريطانيا مليوني جنيه استرليني، وأميركا 37 مليون دولار، على تدريب المحامين والقضاة العراقيين. فكانت ثمرة هذا التدريب مهزلة المحاكمة الجارية. ولا شك في وجوب محاكمة صدام. ولكن هذه المحاكمة تتزامن مع حرب أهلية يتزعمها صدام حسين. وهذا ينافي المنطق. ولعل سرّ نجاح محاكمة نورنبرغ محاكمة ألمانيا النازية في خريف 1946، هو مباشرة جلسات الاستماع الى المتهمين بعد انتصار الحلفاء على النازيين، وقناعة الغرب بجدوى خوض هذه الحرب. وعلى خلاف الحرب على النازية، باتت أوساط الاستخبارات الأميركية مقتنعة بأن الحرب على العراق كانت كارثة. ويمثُل صدام أمام القضاء حين يشن رجاله حرباً على العراقيين ويحدق القضاة المسؤولون عن محاكمته به بإعجاب أو يسرّون له، مهذبين، أنه"لم يكن ديكتاتوراً". فعندما تستل السيوف، تصمت العدالة، على ما يقول شيشرون السياسي والخطيب اللاتيني. وعلى قوات الائتلاف الاقرار بعجز العراقيين عن محاكمة صدام حسين، ونقل صدام من بغداد الى لاهاي. عن بوريس جونسون ، "دايلي تلغراف" البريطانية، 28 /9/ 2006