يقول مراقب سياسي لما آلت اليه العلاقة بين الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري ان امكان استئناف الحوار بينهما محكوم بوجهتي نظر داخل الحزب من جهة وداخل قوى 14 آذار من جهة ثانية، لكنه يعتقد بأن اللقاء حتمي حتى لو لم يتجاوز انهاء القطيعة بينهما. ويؤكد المراقب السياسي لپ"الحياة"أن اللقاء المرتقب سيتم عاجلاً أم آجلاً مهما اشتد عليه القصف السياسي من قوى إقليمية وعلى رأسها سورية وبعض الأطراف المحليين المتحالفين معها والذين ينظرون الى اللقاء على أنه يقطع الطريق، ولو لفترة زمنية محدودة، على الرهان على أن الانقلاب السياسي آت لا محالة. ويعتقد المراقب بأن مسألة اللقاء ما زالت موضع نقاش داخل الحزب بالتزامن مع بلوغ التعبئة السياسية بين صفوف محازبيه وكوادره أعلى درجات الهجوم على قوى 14 آذار، من دون أن يعني هذا الأمر أن الحوار بات مستحيلاً. ويضيف المراقب نفسه أن هناك وجهتي نظر داخل الحزب تنطلقان من رأيين: الأول يعتقد بأنه لا بد من اعطاء الحوار فرصة جديدة على رغم الاختلاف السياسي الذي طرأ أخيراً جراء التعاطي مع التداعيات السياسية للعدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، فيما يرى الثاني فيه تكراراً لمحاولات سابقة ثبت بالملموس عدم جدواها. وفي المقابل يرى المراقب وجهتي نظر أيضاً بين قوى 14 آذار من حوار نصرالله - الحريري، فهناك فريق داعم للحوار لكنه يشترط أن يتم الولوج اليه عبر بوابة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لديه القدرة على أن يديره باتجاه المزيد من التهدئة السياسية والاعلامية كأساس للبحث عن مخرج توافقي للحؤول دون الوصول بالبلد الى حال من التأزم يصعب على الجميع استيعابها. أما الفريق الثاني، كما يقول المراقب نفسه، فلا يعترض على الحوار في المطلق ويلتقي مع الفريق الأول حول دور فاعل لبري على هذا الصعيد، لكنه يبدي مجموعة من التحفظات التي تم تبديدها خلال الحوار المفتوح الذي جرى في الاجتماع الأخير لقادة قوى 14 آذار بدعوة من الحريري. يرى المراقب أن هناك مجموعة من القواسم المشتركة التي تشكل نقطة التقاء بين فريقي 14 آذار تنطلق من أن الحوار لا يعني بالضرورة تفويض الحريري الوصول الى صفقة ثنائية مع نصرالله، خصوصاً أن رئيس"تيار المستقبل"ليس في هذا الوارد وليست لديه نية إلغاء حلفائه، إضافة الى أنه يذهب الى الحوار، ليس من أجل التهدئة فحسب، وانما لاستبعاد فكرة اللجوء الى الشارع بصورة نهائية أو حسم الموقف من دعوة الحزب الى تشكيل حكومة وحدة وطنية. ويضيف أن رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط كان من أكثر المتحمسين للحوار بين نصرالله والحريري، مشدداً على دور لبري في هذا المجال، باعتبار أن لا مصلحة لأحد في الذهاب بعيداً في تصعيد الموقف لأنه سيكتشف أن الأفق السياسي مسدود أمام استحضار لغة العنف او التخوين. ويتفق الحريري مع حلفائه في"14 آذار"على أن الحوارات الثنائية يجب أن تبدأ من مكان ما وفي زمن ما لن يكون بعيداً، طالما أن الجميع في مأزق وأن لا حل إلا باعتماد التهدئة كمدخل لمعاودة الحوار في النقاط التي ما زالت عالقة. وفي هذا السياق يقول المراقب ان الحريري تصرف بمسؤولية عندما أطلق مبادرته باتجاه نصرالله لاعادة الاعتبار الى الحوار العالق منذ ما بعد بدء العدوان الاسرائيلي، وأنه تقدم من الحزب الى منتصف الطريق مبدياً رغبته في الاجتماع مع نصرالله الذي لم يعترض على طلبه لكنه ترك لنفسه اختيار التوقيت نظراً الى أن البعض في الحزب يعتبر أن الزيارة كانت طبيعية لو تمت بعد انتهاء الحرب. أما أن يأتي طلب الزيارة متأخراً، فيعود للحزب كما يقول المراقب، نقلاً عن جهات أساسية فيه، اختيار التوقيت المناسب لإتمام اللقاء. ويضيف المراقب أن هذه الجهات تعتبر أنها لم تقل"لا"للقاء نصرالله - الحريري، إنما دعت الى التمهل لبعض الوقت وكأنها تشير الى انها في حاجة الى مزيد من الوقت لدفع الكوادر والقواعد الحزبية الى التكيف مع ضرورة اللقاء بعدما كانت تعيش في أجواء أن الطلاق السياسي بينهما قد أنجز وأن العودة الى العلاقة كما كانت في السابق صعبة. ويؤكد المراقب ان ما قاله وزير الطاقة محمد فنيش قد يكون الأقرب الى الواقع، عندما أكد في تصريح له أن لدى الحزب مشكلة مع جنبلاط وأن لا مشكلة لديه مع الحريري، مشيراً الى أن التوقيت لا يزال العائق الوحيد أمام حصول اللقاء، وكأن هناك أسباباً معنوية تستدعي التريث قبل تحديد الموعد المناسب. ولم يستبعد المراقب أن يكون الحزب في حاجة الى التريث قبل حسم أمره في تحديد الموعد، ويعزو السبب الى أن قيادته لا تريد أن توحي، لمجرد الاستجابة الفورية لتحديد الموعد، بأن هناك امكاناً لتجديد الصفقة بين الحزب والحريري خوفاً من أن ينزعج العماد ميشال عون الذي وقف الى جانب الحزب ونجح في توفير غطاء سياسي له طوال فترة العدوان من دون أي مقابل أو ثمن مباشر. لكن الحزب وإن كان يحرص على علاقته بعون، فإنه على خط آخر يتعرض لضغط سوري مباشر متعدد الأوجه، ويجد فيه المراقب قراراً لإقفال الباب أمام استئناف الحوار وكأنه رد غير مباشر على الدور المنتظر لبري الذي لقي ترحيباً لبنانياً وعربياً ودولياً، وهذا ما أشار اليه عدد من القوى الحليفة لسورية في نظرته الى دوره على أنه مضيعة للوقت. ويعتقد المراقب أيضاً بأن التصعيد الأخير من مسؤولين في الحزب ما هو إلا شكل من أشكال التعبير عن الخلاف من دون أن يذهب منفرداً في اتخاذ قراره بالخروج من الحكومة قبل التشاور مع بري، خصوصاً أنه الحليف الوثيق للحزب خلافاً للآخرين. وإذ يرى أن كل طرف يعاني ضغوطاً مباشرة من جماعته يؤكد في المقابل أن الضغوط التي يتعرض لها الحزب أكبر بكثير من أي ضغوط تواجه الآخرين، والسؤال هو متى يقول الحزب"لا"لهذه الضغوط وأين يضطر الى أخذها في الاعتبار. على خط آخر، يعترف المراقب بحكمة موقف الحريري عندما قرر التعاطي بمرونة مع التسريبات الاعلامية إزاء طلب مقابلته نصرالله رافضاً الانفعال كما يعترف بصبر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، بامتناعه عن الرد على"الاستفزاز"الذي استهدفه والذي جاء هذه المرة على لسان رئيس"كتلة الوفاء للمقاومة"النائب محمد رعد بوصفه"كارزاي لبنان"في اشارة الى أنه رجل الولاياتالمتحدة الأميركية في لبنان وأحد رموز الوصاية الدولية عليه. ورداً على سؤال توقع المراقب أن يعقد اللقاء بين نصرالله والحريري في وقت قريب، مؤكداً أن صمت السنيورة وإحجامه عن الرد، واستيعاب الحريري كل ما قيل عن موعده مع نصرالله تأتي في اطار الحفاظ على التهدئة دعماً للمبادرة التي يمكن أن يطلقها بري الذي كان بشر اللبنانيين بعيدية لا يزال يعمل على بلورة ما سيتضمنه من مخارج للأزمة السياسية الخانقة.