تكثفت الاتصالات السياسية عشية الجلسة التشريعية الأولى للبرلمان اللبناني منذ تشكيل حكومة الائتلاف الوطني المقررة اليوم، لتحييد البند الخاص بتعديل المادة 21 من الدستور الرامي الى خفض سن الاقتراع من 21 عاماً الى 18 عن طابع التحدي المترتب على الاختلاف الذي بدأ بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحليف حليفه «حزب الله» رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وسرعان ما تطور ليشمل جميع الكتل النيابية. وركزت الاتصالات على ضرورة الحفاظ على التوافق العام وعدم جر البلد الى انقسام يتسم بطابع طائفي ومذهبي بين المسيحيين وفريق من المسلمين من شأنه ان يعيد الأجواء الى ما قبل تشكيل الحكومة. وفي معلومات خاصة ب «الحياة» ان الجهود استمرت طوال امس في محاولة جادة لتجنيب البرلمان، ومن خلاله البلد، شر الانقسام الطائفي من دون ان تتوصل الى تفاهم نهائي في شأن «السيناريو» المقترح لتمرير الجلسة النيابية التشريعية بسلام، لكن اقتراب موعد عقدها في العاشرة صباح اليوم سيدفع الى رفع مستوى الاتصالات مع عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من زيارته الخاصة للعاصمة السعودية الرياض. وبحسب المعلومات أيضاً فإن منسوب التفاؤل بالوصول الى مخرج يضع حداً لعدم الدخول في انقسام مذهبي حاد أخذ يرتفع تدريجاً على قاعدة الاحتكام الى ما سيقرره البرلمان باعتباره سيد نفسه انطلاقاً من وجود رغبة في ضرورة التئام الهيئة العامة لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وللتصديق على مجموعة من الاتفاقات المعقودة بين لبنان ودول عربية وأجنبية على ان يترك البند الخلافي الخاص بتعديل المادة 21 من الدستور لخفض سن الاقتراع لتسوية توافقية يجرى الإعداد لها وسترى النور قبل انتقال البرلمان الى مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة في هذا الشأن. وفي هذا السياق قالت مصادر نيابية وأخرى وزارية ل «الحياة» إن الخطوط الرئيسة للسيناريو المقترح للوصول بالجلسة النيابية الى بر الأمان من دون ان تترك ارتدادات سلبية تؤثر في المناخ الوفاقي العام في البلد لم يتطرق إليها المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب في حركة «امل» علي حسن خليل في اتصالاته مع أمين سر «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان نظراً الى انها بقيت في حدود العمل من اجل التهدئة على جبهة بري - عون ولم تصل الى مرحلة تبادل الأفكار بصرف النظر عن لجوء البعض الى إضفاء طابع من التضخيم الإعلامي عليها لا مكان له في التسوية السياسية المقترحة. ولفتت المصادر الى ان السيناريو المقترح تجاوز الخلاف القائم بين بري وعون في ضوء المواقف المعلنة تباعاً من الكتل النيابية بخصوص خفض سن الاقتراع، وأكدت ان تدخلات رؤساء عدد من الكتل النيابية التي لم يكن بري والحريري بعيدين عنها، لا بل في صلبها، توصلت الى قناعة بوقف تسييس مسألة خفض سن الاقتراع كأساس لوضع حد للتجاذبات السياسية شرط استبعاد إقحام البرلمان في منافسة حادة يغلب عليها التحدي وهذا يستدعي عدم تطيير النصاب القانوني المؤدي الى تعطيل الجلسة أو اللجوء الى التصويت طالما ان نتيجته محسومة سلفاً لمصلحة التريث في التصديق على التعديل الدستوري. وكشفت المصادر عينها ان لدى رؤساء الكتل النيابية توجهاً لاعتماد خيار من اثنين: رفع الجلسة الى موعد لاحق فور انتهاء الهيئة العامة من التصديق على البنود الواردة في جدول أعمالها العادي وقبل الدخول في صلب مناقشة بند التعديل الدستوري لقطع الطريق على اندلاع اشتباك سياسي لا يريده أي طرف، أو فتح الباب امام مناقشة هذا التعديل شرط عدم البت فيه، على ان يربط إقراره بإقرار كل الإجراءات التي تسمح للبنانيين المغتربين أو المقيمين في الخارج بالاشتراك في الانتخابات النيابية من ضمن آلية يتم التوافق عليها بين وزارتي الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين. وأكدت المصادر نفسها ان أحداً لا يريد ان تنتهي الجلسة النيابية الى غالب ومغلوب او إلى كسر عظم يطيح بما تبقى من الآمال المعقودة على حكومة الائتلاف الوطني في توفير الأجواء المواتية للنهوض بالبلد. ورأت ان تدخل «حزب الله» وتحديداً أمينه العام السيد حسن نصرالله أسهم في تهدئة الأجواء بين حليفيه بري وعون على رغم ان «الكيمياء السياسية» بين الرجلين ما زالت مفقودة. وتلازم هذا التدخل مع تدخلات من نوع آخر لإنضاج الظروف أمام التفاهم على مخرج يقر بالتراضي ويقود حتماً الى تعليق البحث في خفض سن الاقتراع. وأوضحت هذه المصادر ان عون كان وافق من خلال وزرائه في الحكومة السابقة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة على مشروع قانون التعديل الدستوري لخفض سن الاقتراع لكنه عاد وعدل عن إقراره في الوقت الحاضر. وعزت السبب الى ان الأطراف المسيحيين في قوى 14 آذار أحرجوه عندما ربطوا إقراره بإنجاز الإجراءات المتعلقة بالسماح للمغتربين اللبنانيين بالاشتراك في الانتخابات النيابية ومن ثم أبدوا عدم موافقتهم على التوقيت الذي اختاره بري لطرحه لتشكيل الهيئة الوطنية للنظر في إلغاء الطائفية السياسية. واعتبرت المصادر الوزارية والنيابية ان عون تصرف برد فعل منافسيه في الشارع المسيحي من التصديق حالياً على خفض سن الاقتراع لتفادي اتهامه بأنه يريد التفريط بحقوق المسيحيين، إضافة الى ان لتريثه اسباباً مصدرها الأساسي ان منافسه قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع نجح في الآونة الأخيرة في استقطاب الفئات الشبابية من المسيحيين وهذا ما أظهرته انتخابات المجالس الطالبية في الجامعات ونقابات المهن الحرة. وأكدت ان بري في النهاية مع الاحتكام الى الإرادة المجلسية وأنه لن يرأس جلسة اليوم وهو يشهر سيفه في وجه النواب للضغط عليهم للسير في ما لا يريدونه على الأقل، بالنسبة الى التريث في إقرار خفض سن الاقتراع مع ان الجميع يؤيده في المبدأ ولم يسبق لأحد ان اعترض عليه. وأوضحت المصادر ان كتلة «لبنان اولاً» التي يتزعمها الحريري الى جانب كتلة «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط الذي غادر امس الى لندن في زيارة عائلية خاصة، شكلا بيضة القبان في التعاون مع الكتل الأخرى ورئيس المجلس لتظهير «السيناريو» لتفادي مأزق التعديل الدستوري في الوقت الحاضر. ومع ان الحريري لم يقل كلمته حتى الآن فإن مصادر في تكتل «لبنان أولاً» أوضحت ل «الحياة» ان رئيسه لم يكن يوماً إلا مع الإجماع الوطني والتوافق وبالتالي لن يبدل موقفه، خصوصاً ان التعديل الدستوري المقترح يعتبر بمثابة مادة ميثاقية تستدعي منه مراعاة الأسباب التي أملت على شركاء له في الوطن دعوتهم الى التريث في التصديق عليه. وأضافت ان الحريري مع خفض سن الاقتراع وأنه لن يساوم عليه لأن من غير الجائز استبعاد الفئات الشبابية المستفيدة من إقراره من المشاركة في الحياة السياسية اقتراعاً في الانتخابات النيابية والبلدية لكنه ضد تسييسه كسواه من القضايا المصيرية. وسألت هذه المصادر عن الحكمة في طرح البنود الخلافية دفعة واحدة وفي وجه حكومة الوفاق الوطني التي ما زالت طرية العود. وقالت ان توقيت إثارتها يستدعي التشاور والتنسيق لتقدير طبيعة الظروف والمناخات السياسية وألا نكون أسهمنا في التفريط بحكومة الوحدة الوطنية التي يجب ان نوفر لها فترة من السماح لتنصرف الى إيجاد الحلول للمشكلات الملحة التي يعاني منها المواطن. وفي هذا الشأن أيضاً، علمت «الحياة» ان جنبلاط أبلغ بري انه مع خفض سن الاقتراع لكنه يتمنى ان تدار الأمور انطلاقاً من مراعاة جميع الأطراف وألا نكون دفعنا بالبلد الى الانقسام الطائفي وبالتالي العودة به الى الوراء. وقالت مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي ان جنبلاط مع خفض سن الاقتراع شرط ان لا يؤدي الى مشكلة مع المسيحيين «نحن في غنى عنها في ضوء تعدد المصالحات السياسية على اكثر من جبهة»، مشيرة في الوقت نفسه، الى ان نواب الحزب سيصوتون الى جانب التعديل لكن الحرية متروكة للنواب غير الحزبيين «وإن كنا نفضل التوافق حفاظاً على الاستقرار العام».