سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بري ضد الفراغ ... ولا يرفض التغيير الحكومي إذا سبقه اتفاق ناجز . تخوف من تراجع الاهتمام الدولي الاستثنائي بلبنان نتيجة تفاقم الاحتقان السياسي وأخطار اللجوء الى الشارع
تساءلت أوساط مراقبة ما إذا كان الاهتمامان العربي والدولي الاستثنائيان بلبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي واللذان تجليا في الضغط على تل أبيب للانسحاب من الجنوب وفي تقديم مساعدات مادية لإعادة إعمار ما تهدم سيبقى قائماً في حال حصول فراغ سياسي بسبب تعذر التفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية يطالب بها"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون. وأبدت الأوساط نفسها تخوفها من أن يتراجع هذان الاهتمامان الاستثنائيان في حال تطورت الأوضاع فيه في اتجاه تهديد الاستقرار السياسي الذي ظل سائداً طوال فترة العدوان الإسرائيلي ليتغير جراء تصاعد الاشتباك السياسي بين قوى 14 آذار ومن خلالها الحكومة وقيادتي"حزب الله"و"التيار الوطني الحر". ولفتت الى أن كان في مقدور كل القوى السياسية الفاعلة التريث قبل أن تنخرط في سجال يخشى أن يتطور الى صدام في الشارع، وقالت إن بعض الفرقاء سارعوا الى فتح المعركة بدلاً من المبادرة الى تمديد الهدنة السياسية بما يتيح للحكومة الإفادة من الفرصة الممنوحة لها للإعداد لاستضافة مؤتمر بيروت - 1 للدول والمؤسسات الدولية التي أبدت استعدادها لدعم لبنان في خطة النهوض الاقتصادي والاعماري. وحذرت أيضاً من أن يوفر السجال الذي بدأ يتجاوز كل الحدود السياسية ذريعة للمجتمع الدولي لتبرير التخلص من تعهده مساعدة لبنان. لافتة الى أن المخاوف من احتمال تحلل المجتمع الدولي من التزاماته حيال لبنان بدأت تكبر وسيزداد الاحتمال اذا ما شعر هذا المجتمع بأن التزام الحكومة تطبيق القرار الدولي 1701 أخذ يهتز وبأن التركيبة السياسية باتت غير مؤهلة لاستيعاب آثار العدوان. كما أن هذه المخاوف تتجاوز الالتزام الدولي خطة الإنماء والإعمار والنهوض الاقتصادي الى تهديد الحماية الدولية للبنان عبر القرار 1701، تحت عنوان أن العالم لا يستطيع تقديم المساعدة السياسية والاقتصادية لبلد لا يريد مساعدة نفسه، ولا يكترث للجهود الدولية التي نجحت في توفير العناية الفائقة له من ناحية، وفي عزله عن الوضع المتأزم في المنطقة من ناحية ثانية بغية توجيه رسالة واضحة بأن تحويل لبنان الى عراق ثانٍ أو إغراقه بالتجربة الأفغانية من شأنه أن يتمدد بتداعياته في اتجاه معظم دول الشرق الأوسط. لكن الأوساط إياها تسأل:"أين تصرف كل هذه المحاذير وهل الظروف الحالية مؤاتية لاستبدال حكومة وحدة وطنية بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟ وهل أن انتقال الصراع السياسي الى الشارع الذي يسيطر عليه الاحتقان المذهبي والطائفي يضمن عدم خروجه عن السيطرة أم يمهد الطريق لقيام شكل من أشكال الفراغ الدستوري والفوضى السياسية؟ في الإجابة هناك من يعتقد داخل قوى 14 آذار وخلافاً لرأي قيادة"حزب الله"بأن الحكومة نجحت في اجتياز اختبار العدوان الإسرائيلي وبالتالي أحسنت ادارة المفاوضات عبر التعاون القائم بين رئيسها ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. كما أن هناك من يتعامل مع مطالبة الثنائي"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"بحكومة وحدة وطنية بربطها بالتأزم الإقليمي والدولي المحيط بلبنان على رغم أنه يرى أن الظروف مؤاتية للعبور الى بر الأمان من خلال المجيء بحكومة جديدة. ف"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"يصران على مطالبتهما بحكومة وحدة وطنية، فيما تنظر قوى 14 آذار الى هذا المطلب باعتباره محاولة للالتفاف على القرار 1701 على خلفية استحالة تحقيق توافق يؤمن قيام مثل هذه الحكومة، وأن البديل سيكون"تشريع"الفوضى وصولاً الى الفراغ، ناهيك بأن الحزب وبلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بيوم النصر كان حدد الشهر المقبل، أي بعد انتهاء رمضان، موعداً لمعركة تغيير الحكومة لمصلحة حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها حليفه العماد عون. إلا أن نصر الله يعارض اقحام الشارع في الخلاف السياسي ويرفض جر البلد الى فتنة أو استخدام سلاح المقاومة في المعركة الداخلية، وهو يلتقي في دعوته هذه مع أبرز القيادات في قوى 14 آذار في تأكيدها أن من حقه المطالبة بالتغيير من ضمن اتباع الأصول الدستورية. لكن يبقى السؤال:"من يستطيع ضبط الشارع وضمان عدم تحركه في ظل القطيعة السياسية بين"حزب الله"ورئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري، وفي ضوء تصاعد المأزق السياسي؟". وفي هذا السياق أكد رئيس حكومة سابق ل"الحياة"إنه مع التغيير الوزاري شرط التوافق محذراً من اللجوء الى الشارع لإسقاط الحكومة. ورأى أن الأزمة الراهنة، وإن كانت محصورة بالمشكلة الوزارية، فإنها في الحقيقة الوجه الآخر للأزمة المنتظرة حول رئاسة الجمهورية بعد أن بدأ استحقاقها يدهم الجميع. واستبعد لجوء"حزب الله"الى الشارع وقال ان قيادته ستبقى تطالب بالتغيير الوزاري ليتمثل العماد عون لمكافأته على مواقفه من العدوان الإسرائيلي. ورأى أن الحزب لن يذهب الى حد المغامرة بالاستقرار العام وإن كان يوحي بأنه يدفع الأمور باتجاه الوصول الى مأزق تصعب العودة عنه وعزا السبب الى رغبة الحزب بتوجيه رسالة الى حليفه عون بأنه قام بكل ما في وسعه من أجل تغيير الحكومة. وأضاف رئيس الحكومة السابق أن الحزب في ظل تسارع الأحداث والتطورات يفضل البقاء في دائرة الضوء بدلاً من الانتقال الى العتمة أي الخروج من الحكومة مراعاة لعون في حال وصلت المفاوضات من أجل الحكومة الجديدة الى طريق مسدود. وتابع أن الحزب لا يستغني عن حضوره في هذه الحكومة ليبقى شاهداً على ما يدور فيها وما تتخذه من قرارات، بدلاً من الخروج منها والاكتفاء بالسمع، إضافة الى أن الحزب لن يتفرد في الموقف من دون التوافق مع بري الذي يبدو غير متحمس، على الأقل في المدى المنظور، للدخول في السجال الدائر حول استبدال الحكومة. وفي المقابل فإن سعد الحريري لا يمانع في بحث التغيير الوزاري لكنه يشترط التوافق أولاً على دفع رئيس الجمهورية اميل لحود الى الاستقالة. كما يرى أن من حق الحزب المطالبة بالتغيير الوزاري ولكن على قاعدة اتباع الأصول الديموقراطية وعدم اللجوء الى الشارع بحسب ما يقول أمام زواره الذين ينقلون عنه سؤاله:"هل سيسمح الآخرون لأنفسهم بالنزول الى الشارع وهم الذين كانوا عارضوا استخدامه عندما كان البعض في قوى 14 آذار يلوح بالنزول اليه للضغط على لحود من أجل الاستقالة؟". ويضيف الحريري أن مؤتمر الحوار الوطني اعتبر أن هناك أزمة حكم اسمها رئاسة الجمهورية"وكنا حاولنا التوصل مع كتل نيابية أخرى في اشارة الى"حزب الله" الى مخرج لإجبار لحود على الاستقالة لكننا لم نوفق". وسأل الحريري أيضاً:"اذا كان العنوان الأساسي للتغيير الوزاري وجود اختلاف سياسي، فهل هناك امكان للتوافق عليه من دون الاتفاق مدعوماً بتفاهم سياسي يتناول المسائل التي هي موضع تباين؟". وعلى صعيد بري، فإنه يبدي قلقه إزاء ما آلت اليه الأوضاع في لبنان بسبب احتدام السجال السياسي الذي أعاق مبادرته الى اعادة تحريك الحوار الذي يرى كما ينقل النواب عنه - أن من الأفضل أن يبدأ ثنائياً نظراً الى تعذر العودة فوراً الى طاولة الحوار في ساحة النجمة. فرئيس المجلس يرفض منع أي طرف من افراغ جعبته من مواقف ومخاوف وإنما يعترض على الخروج عن المألوف الذي بدا واضحاً للعلن من خلال تبادل حملات التخوين والتشكيك. كما أنه يرى أن الحكومة حققت انجازات على صعيد توليها المفاوضات السياسية لوقف العدوان وإصدار القرار 1701 لكنه يأخذ عليها تباطؤها في اعمار ما تهدم مبدياً مخاوفه من أن تصاب بالشلل السياسي. وإذ يؤكد بري عدم علاقته بالسجال، رافضاً الانخراط في الحملات ومفضلاً العودة الى الهدوء فسحاً في المجال أمام التفاهم على آلية لإعادة الاعتبار للحوار، يؤكد أنه لا يتحمل مسؤولية ازاء الوصول بالبلد الى الفراغ وبالتالي يرفض التسرع بالدعوة الى استئناف الحوار خوفاً من أن يصطدم بحائط مسدود بسبب الأجواء السائدة حالياً وحرصاً على الورقة الحوارية وعدم التفريط فيها، معلناً:"أعطوني اتفاقاً وخذوا حكومة جديدة في خلال ساعات، أما أن تكون الفوضى هي البديل، فأنا أقول من الآن إن البلد لا يحتمل الفراغ وبالتالي من الأفضل التفاهم على أي خطوة قبل أن نقدم عليها".