تشهد حياة المؤمنين في روسيا تغيّراً مستمراً، فممارسة الشعائر الدينية على اختلافها لم تعد تخضع لأي رقابة أو عقاب كما كانت الحال في السابق. ويعتبر شهر رمضان، من المناسبات الأبرز التي يتحضّر لها المسلمون هناك. والتحضير لاستقبال الشهر المبارك، يبدأ قبل نحو شهر من حلوله، ويتعامل المسلمون الروس معه كپ"عيد"يستمر ثلاثين يوماً. ويقول حيدر حجي 39 عاماً:"يتكون لدينا إحساس بالحفاوة والفرح في هذا الشهر، ونسعى إلى إسعاد أنفسنا وأطفالنا بشراء الحاجات والهدايا، ونرتدي الثياب الأنيقة التي تتناسب وأجواء الزيارات العائلية التي تنشط هذا الشهر. ونحرص على أن تحفل مائدة الإفطار بأشهى المأكولات والحلويات". وحجي من التتار، متزوج وأبو طفلين وهو يعزو التحضير المبكّر لشهر رمضان إلى عدم تعديل مواعيد فتح المحال التجارية في هذا الشهر، وبالتالي فإن كل المحال تكون مغلقة ليلاً ما يحتّم تحضير الحاجات الرئيسة قبل موعدها. وعدم التغيير في مواعيد ساعات العمل، ويجعل من الصيام صعباً، لا سيما مع تعارض بعض المواعيد مع موعد الإفطار. ويشير حجي الذي يصوم منذ 11 سنة الى معاناة محدودة، إذ أن عمله حرّ:"لست ملتزماً ساعات العمل الممتدّة من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً، وبالتالي أستطيع النوم ساعات أكثر ما يريحني خلال النهار". تغرب الشمس في موسكو قرابة السابعة مساء، وبالتالي يتمكن معظم الناس من الالتحاق بأسرهم على موعد الإفطار. ويبقى ازدحام السير في شوارع موسكو عاملاً سلبياً في يوم الصائم، ويقول حجي:"اضطر أحياناً إلى الاكتفاء بشرب الماء على الطريق، أو تناول بعض الفواكه المجففة، إذا تعذّر عليّ الوصول في الساعة المحددة". ويضيف:"إلاّ أن وجود جميع أفراد العائلة حول المائدة في أيام العطل أمر محتّم". وتعتبر الزيارات العائلية المتنفّس الوحيد للمسلمين خلال شهر رمضان، لكنّها تبقى محصورة بأيام العطل، لا سيما إذا كانت ربة المنزل عاملة أيضاً. من جهة ثانية، يرى راديك، صديق حجي، أن الأمر الأساسي في هذا الشهر يكمن في"التهذيب الروحي"، ويؤكد أنه يحاول"عدم تفويت صلاة المغرب والتراويح في المسجد". افطار روسي تجمع مائدة الإفطار عند مسلمي روسيا بين المطبخين التتاري والروسي. وتعتبر الفطائر الساخنة من الأطباق الأساسية على الموائد الرمضانية، ويطلق عليها اسم"تشاك تشاك"أو"كرات العسل"، وتصنع من اللحوم والبطاطا، أو من الفواكه المختلفة فتتحول حلويات تُقدّم بعد الطعام. وأبرز أنواع الفطائر التي تزيّن الموائد هي فطيرة السمك ولحم البقر والبطاطا، إضافة إلى"بيلياشي"فطائر محشوة باللحم تُقدم مقلية. ومن المأكولات التتارية التي لا تفارق الموائد الرمضانية"الغودابيا"، وتشبه في شكلها قالب الحلوى المكون من طبقات عدة. وتتكون الطبقة الأولى من الكورتا نوع من الجبنة المجففة يحتاج تحضيره إلى ساعات قبل إضافته إلى الوجبة، وتحتوي الطبقة الثانية على الرز والزبيب أو الخوخ الأسود، وثالثة فيها شرائح بيض مسلوق، أما الطبقة الأساسية فتتكون من لحم البقر المفروم مع البصل. ويحرص مسلمو روسيا من التتار على تنويع المأكولات على مائدتهم. وإلى جانب الفطائر المتنوعة، توجد شرائح اللحم المطبوخ، ووجبة"توكماش"من أنواع المعكرونة، إضافة إلى أنواع من الشوربات ويُحضر أشهرها بالسمك أو الدجاج. وتزيّن ربة المنزل مائدتها بأنواع سلطات تغلب عليها ثمار البحر، إضافة إلى الخضار الطازجة وخصوصاً البندورة الطماطم والبقدونس التي تقدم من دون تقطيع عادة. وإلى جانب الشاي الأخضر، على أنواعه، والذي يعتبر جزءاً من تقاليد الضيافة عند المسلمين الروس، يُقدّم التمر الهندي والسوس وعصير الفواكه الطازج.