معاقبة بيونغيانغ تحتّم عقوبات على طهران، لتظهر الدول الكبرى التي تحتكر السلاح النووي، انها تحتكم الى معيار واحد هو التصدي لما"يهدد السلم العالمي"اسرائيل استثناء بالطبع… والخروج على معاهدة حظر الانتشار النووي. دور إيران الإسلامية بعد كوريا الشمالية الشيوعية، آتٍ سريعاً، بعدما سئم الغرب"المناورات"اللفظية، وآتٍ خصوصاً لأن اسرائيل قلقة من"المراوغة"في طهران، وتخشى ان"تنساق"اميركا وأوروبا الى مجرد وعود"تبيّض"نيات المرشد علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد، ليصبح اليورانيوم المخصّب مشروع قنبلة ذرية، جاهزة للتفجير، بعد شهور، أو سنوات. وإسرائيل التي تنتحل دور"الضحية"للطموحات الإيرانية، مطمئنة بالطبع الى ان أحداً في الغرب وفي الأممالمتحدة لن يجرؤ على فتح ملفات ترسانتها النووية… أو مساءلة الرئيس جورج بوش حول وحدة المعايير السياسية والأخلاقية، أو مساءلة الأمين العام للمنظمة الدولية حول صدقيتها، حين ترى بعين واحدة. ايران حتماً ستواجه سلاح العقوبات بعد كوريا الشمالية، وبمقدار الفارق بين تخصيب اليورانيوم وتجربة تفجير نووي، لا بد ان الكبار في النادي النووي"الشرعي"سيأخذون في الاعتبار سقفاً أدنى من التدابير التي ستطبق بحق طهران، وربما بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، كما في حال بيونغيانغ. وبمنطق التدرّج، كما استُبعِد الخيار العسكري تلقائياً مع كوريا الشمالية التي تمردت على احتكار الكبار السلاح الذري، لا تبدو القوة السيناريو الوشيك مع عناد خامنئي - نجاد في تشبثهما بالتخصيب… إلا إذا اندفعت اسرائيل في تحريض البنتاغون للتعويض مثلاً عن إخفاقاته في العراق، وتعثره في افغانستان. لم يكن خياراً يسيراً لواشنطن ان تصمت إزاء التحدي الكوري الذي جاء من الشمال، فيما كانت إدارة بوش تعدّ لقصاص يلجم الاندفاع الإيراني الى إحراجها بحقائق ما أُنجز في برنامج التخصيب. كانت الإدارة تعوّل على عصا مجلس الأمن ايضاً، لتشكل العقوبات ضمناً، إنذاراً للجمهورية الإسلامية بوقف مشاكستها الخطط الأميركية في العراق، ودعمها المالي لفصائل فلسطينية معارضة لسلطة محمود عباس، ومؤازرتها"حزب الله"في لبنان بالمال والعتاد. وبديهي ان الرسائل السياسية التي سيتضمنها القرار الدولي المرتقب بفرض عقوبات على ايران، لن تتبدل بعد المفاجأة الكورية. كل ما في الأمر ترتيب أولويات: حظر تسلح على بيونغيانغ يستتبع حتماً الرد على البرنامج النووي لطهران بقرار لمجلس الأمن، يُرجح ايضاً ان يستقطب الإجماع بقوة الدفع التي حظي بها القرار"الكوري". لكن مأزق اميركا ان تجد نفسها في عين العاصفة: * كوريا الشمالية لن ترضخ بكل بساطة للعقوبات لمجرد انها تحت مظلة مجلس الأمن. ولآلية فرض حظر السلاح تعقيدات لا تلغي احتمالات الاحتكاك أو الصدام العسكري. فماذا يفعل بوش، اذا كبا حظه، شرقاً أيضاً؟… خليج الخنازير سيكون نموذجاً مصغراً. * ايران - خامنئي التي استعادت كل تعابير خصومتها مع"الشيطان الأكبر"، تبدو كمن يستأسد بالحليف الأصفر غير المعلن، المنبوذ مثلها لدى نادي الكبار النووي. وكما تملك بيونغيانغ قدرة على توريط واشنطن لدى اي احتكاك، غير مكترثة بالثمن، التلويح بالتوريط هو تحديداً ما عناه خامنئي، حين تجاهل ازمة الملف النووي ليهدد بعودة من أوسع الأبواب الى تحريك الساحتين اللبنانية والفلسطينية بما لا تشتهي الولاياتالمتحدة. والتحريك لا يعني في لبنان، حيث رأى مرشد الجمهورية الإسلامية"بعض الأطراف المأجورين الأذلاء المرتبطين بالأميركيين"، سوى إعلان حرب عليهم. وتحذيره من خوض القوات الدولية هناك"مواجهة"مع"حزب الله"، إنما هو بلغتهم تحريض على قتال هذه القوات! إذاً، مشاريع حروب؟… بعضها بالواسطة وأخرى قد يكون سلاحها نووياً، إلا اذا اهتدى بوش الى حوار، وتعلّم من العراق وأفغانستان، أن القوة لا تصنع دائماً السلام، بل قلما عبّدت له الطريق. والأكيد ان خامنئي ليس صدام حسين، وترسانة ايران ليست من نوع اسلحة الدمار الشامل الوهمية، وأن كوريا الشمالية ليست ليبيا.