كشف مصدر حكومي شارك في اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، أن الوفد القطري خرج بانطباع في اعقاب اللقاء الأول مع الرئيس محمود عباس بأن عدداً من مستشاريه يسعون لإفشال مهمة الوساطة التي يقوم بها الوزير القطري. وقال المصدر ل"الحياة"إن الشيخ حمد بن جاسم والوفد المرافق له خرجوا بانطباع أن عددا من المقربين من الرئيس عباس الذين شاركوا في اللقاءين اللذين عقدا بين الطرفين"يسعى إلى إفشال مهمة آل ثاني"الهادفة إلى رأب الصدع الخطير في العلاقة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة ومن ورائها حركتا"فتح"و"حماس". من جانب آخر، قال المصدر إن مشادة كلامية وقعت بين المستشار القانوني لوزير الخارجية القطري وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه الذي شارك في اللقاء الذي جمع الرئيس عباس بالشيخ حمد بن جاسم. وأضاف أن المشادة وقعت على خلفية الصيغ والتعديلات المطروحة لما بات يعرف ب"المبادرة القطرية"الهادفة إلى نزع فتيل الأزمة الفلسطينية الداخلية، وجسر الهوة بين موقفي الرئاسة فتح من جهة والحكومة حماس من جهة أخرى، من مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وأشارت إلى أن الوزير القطري تدخل لصالح مستشاره القانوني محاولاً فض المشادة بينه وبين عبد ربه. وكان وزير الخارجية القطري وصل إلى غزة مساء أول من امس عبر معبر رفح البري، بعد ما حطت طائرته الآتية من العاصمة السورية، في مطار العريش المصري في صحراء سيناء. وحمل الوزير القطري معه اتفاقاً توصل إليه مع حركة"حماس"ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، أثناء لقاءين عقد الأول في ساعة متقدمة من ليل الأحد - الاثنين، فيما عقد الثاني صباح الاثنين قبل أن ينتقل إلى غزة لاجراء محادثات ماراثونية دامت خمس ساعات مع عباس وهنية. وكشف المصدر ان الوزير القطري كان متفائلاً جداً بعدما توصل إلى الاتفاق مع مشعل، وجاء ليعرضه على الرئيس عباس وهنية قبل أن يتم توقيعه، وهو ما يفسر وجود عدد من الوزراء والمستشار القانوني للوزير القطري ضمن الوفد. ولفت المصدر إلى أن الحكومة أعدت وفداً كبيراً للقاء الوزير القطري يضم وزيري الخارجية والإعلام، والمستشارين السياسي والقانوني لرئيس الوزراء. وأكد المصدر ل"الحياة"أن المبادرة العربية لم تطرح على بساط البحث أثناء لقاء هنية مع الوزير القطري، كاشفاً ان النقاش دار حول كلمتين فقط اضيفتا أثناء اللقاء مع الرئيس عباس ومستشاريه على الاتفاق الذي حمله الوزير من دمشق. وقال إن الخلاف والنقاش في مجمل اللقاء الذي دام نحو ساعتين تركزا على كلمتي"الارهاب"و"الدولتين". وأوضح أن آل ثاني سعى أثناء اللقاء مع هنية إلى إضافة كلمتي"نبذ الارهاب"في المبادرة المتوافق عليها مع حركة"حماس". وكمخرج مقبول لديها، اقترحت الحكومة أن تضاف إلى جانب كلمة"الارهاب"عبارة"مع التفريق بين الارهاب والمقاومة"، الأمر الذي رفضه آل ثاني، الذي أجرى والرئيس عباس أثناء اللقاء بينهما سلسلة اتصالات مع جهات دولية أميركية وأوروبية. أما في خصوص كلمة"الدولتين"، فقال المصدر إن النص المتوافق عليه مع"حماس"ينص على اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967، وأراد الوزير القطري بعد لقائه عباس اضافة عبارة"وصولاً إلى حل الدولتين"، كما ورد في خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الأمر الذي رفضه هنية. وأكد المصدر أن هاتين النقطتين هما اللتان لم توافق الحكومة عليهما، خصوصاً أنها ترفض إدانة النضال والمقاومة الفلسطينية، ووصمهما بالإرهاب من جانب الولاياتالمتحدة وغيرها، وكما ترفض قطعاً الاعتراف بالدولة العبرية، وهو الامر الذي أبلغته إلى آل ثاني بكل وضوح. وأشار إلى أنه لم يتم طرح محددات برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي كانت النقطة المتعلقة بالمبادرة العربية فيها محل خلاف بين مؤسستي الرئاسة والحكومة الفلسطينيتين أثناء النقاشات مع آل ثاني، على رغم أن الأخير قال أثناء حديثه للصحافيين في أعقاب إخفاق مهمته في تحقيق الهدف المنشود، إنه تم بحث المبادرة العربية أثناء اللقاءات. وكان آل ثاني عقد لقاءه الأول فور وصوله إلى غزة مع الرئيس عباس ودام نحو ساعة، قبل أن ينتقل إلى هنية، في لقاء دام ساعتين ثم للقاء عباس لنحو ساعتين أيضاً. وبدا واضحاً أن الوزير القطري أخفق في المفاوضات الماراثونية في تحقيق اختراق يمهد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تجنب الفلسطينيين اقتتالاً تلوح نذره في الافق ويفتح الطريق أمام رفع الحصار الغربي المفروض على الشعب الفلسطيني منذ نحو سبعة شهور بعدما شكلت حركة"حماس"الحكومة الحالية. وغادر آل ثاني غزة فجر أمس عائداً إلى الدوحة عبر معبر رفح البري الواقع على حدود القطاع مع مصر. وقال آل ثاني للصحافيين في اعقاب لقائه الثاني مع عباس قبيل مغادرته القطاع:"هناك نقطتان لم يتم التوصل إلى حل في شأنهما، ونأمل أن نتوصل في المستقبل القريب إلى حل لهما". وأضاف أن"النقطة الأساسية في الخلاف هي كيف يكون الاعتراف متبادلاً بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية وكيف نصل إلى صيغة تكون معها دولتان فلسطينية وإسرائيلية". وأشار الى أن"العقبة الآن ليست مع الفلسطينيين، انما مع الأطراف الدولية الأخرى التي يجب أن تعترف بالحكومة الفلسطينية". ولفت إلى أن النقطتين اللتين لم يتم التوصل إلى اتفاق في شأنهما هما، الاعتراف بإسرائيل ومبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002، وتتضمن اعترافاً ضمنياً بإسرائيل، الأمر الذي ترفضه الحكومة وحركة"حماس". لكن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية غازي حمد قال في مؤتمر صحافي إن"المبادرة العربية لم تطرح". وأضاف حمد في مؤتمر صحافي عقده في مقر وكالة"رامتان"الفلسطينية المستقلة للأنباء:"لسنا على استعداد لاعطاء إسرائيل شرعية مجانية"، في إشارة إلى أحد المطالب الدولية من الحكومة وحركة"حماس"الاعتراف بالدولة العبرية التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وترفض إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على الاراضي التي احتلتها عام 1967. وأشار حمد إلى أنه حول"نبذ الارهاب أكدنا للوزير القطري أننا ضد الارهاب الذي يتعارض مع القوانين الدولية ونهج المقاومة"المشروعة التي تمنحها القوانين والأعراف الدولية للشعوب المحتلة للكفاح من دولة الاحتلال. وحول الالتزام بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، قال حمد:"أوضحنا له الوزير القطري أن مسألة احترام الاتفاقات تعطي الرئيس عباس مساحة واسعة للتحرك السياسي"، مشدداً على أن الحكومة لن تشكل عقبة أمام ذلك. وشدد على أن الوزير القطري"كان معنياً بتسويق حكومة الوحدة"أمام المجتمع الدولي. وأشار إلى أنه تمت مناقشة"بعض المصطلحات التي يمكن أن تجعل الحكومة مقبولة دولياً، ونسعى لأن تكون مفتوحة أمام العالم، لكن ليس على حساب القرارات والشرعية الفلسطينية". وعلى رغم اخفاق الوزير القطري في التوصل إلى اتفاق أو تفاهم يمهد الطريق لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلا أنه نجح في إعادة الطرفين من جديد إلى مسار المشاورات والمفاوضات، إذ قال الرئيس عباس للصحافيين في اعقاب اللقاء الأول مع آل ثاني إن"الحوار بدأ على أساس الوساطة التي جاء بها الديبلوماسي وزير خارجية قطر". ونفى عباس أن تكون الوساطة فشلت، وقال:"لم يفشل شيء، ما زلنا نعمل في الطريق، وهناك نصوص تبحث وإن شاء الله ننتهي من النقاش". وأعرب عباس عن موافقته على استئناف الحوار مع هنية و"حماس"لتشكيل حكومة وحدة وطنية.