لم يعد بإمكان المواطن العربي تجاهل تأثير مجريات الأحداث السياسية، على مجمل تفكيره، بدءاً بلقمة الخبز، وصولاً إلى واجباته الأخرى، بما في ذلك الواجبات الدينية، إلى ان أصبحت الأحاديث السياسية تلاحقه أينما حل وارتحل، بما في ذلك الأماكن المقدسة التي جاء إليها طلباً للأجر والمثوبة. ويمكن رصد هذا المشهد في عيون وخطوات الحجاج الذين تقاطروا من كل صوب وعبر ابتهالاتهم التي لا تخلو من التضرع إلى خالقهم بفك الأزمات الخانقة، وعودة السلام إلى بلدانهم التي طحنت أهلها الحروب والكوارث، داعين ربهم ان يعم السلام هذا الكوكب. الأحداث التي حفلت بها الألفية الثالثة من حروب ومآزق عمقت من جراح البشر وعذاباتهم ووقف أكثر من مليوني شخص أمس على صعيد"عرفة"يحملون همومهم وهموم أوطانهم على أكتافهم المثقلة بهموم العيش. يلتقون على الصعيد الطاهر بأمل العودة أنقياء من الذنوب كما ولدتهم أمهاتهم، وتتسلل إلى هذا الأمل رغبة ملحة في تطويق الشأن السياسي في دولهم الإسلامية ودول العالم بسيادة العدل والحريات المدنية التي كفلها دينهم الإسلام، قبل أي بروتوكول وضعي أو اتفاق عابر. يبدأ هذا الحراك السياسي بالتقسيم الجغرافي للمخيمات في المشاعر، فعلى رغم أن المشاركين في الحجيج يلبسون الزي الأبيض ذاته وينشدون الهدف الأسمى ذاته، إلا أن تقسيم المخيمات وفقاً للدول، الذي وضع لتسهيل تنقلات الحجاج وتقاربهم، جعل من الممكن الانتباه والتعرف الى مشاكل الآخرين، فعندما يجتمع حجاج الدول العربية في منطقة واحدة وحجاج افريقيا في منطقة أخرى، بمن فيهم أبناء الدول العربية الأفريقية، وكذا حجاج آسيا وأوروبا وأوروبا الشرقية وأميركا، يدل هذا التقسيم على ان حجاج آسيا ينصب دعاؤهم على تجنيب بلدانهم الكوارث الطبيعية، بينما ينصب دعاء الحجاج العرب على وقف الحروب ومسلسلات الانهيارات السياسية، وكذا الدول الأخرى. وطرح حجاج سورية ولبنان، الخلافات السياسية لبلديهما جانباً، ليلتقوا سوية في عرفات، متبادلين الأحاديث الودية، ومقتسمين الطعام والشراب بعيداً عن أي نتائج أو انعكاسات تتمخض عنها الأحداث السياسية الأخيرة، مؤكدين أن السياسة يمكن لها أن تفرق بين الحكومات، أما الشعوب فلا. وإذ كانت السياسة تضرب كل بقعة من بقاع الأرض هذه الأيام، إلا أن الدعاء بالسلام ووحدة الأمة الإسلامية حل مكانه على صعيد عرفة وعلى قمة جبل وسط الدعاء والابتهال إلى الله بالمغفرة، وسؤاله الجنة. وفي مواقف إنسانية جمعت الخيمة الواحدة السوري واللبناني، متبادلين الحديث في موضوعات شتى، ومقتسمين"الخبز والملح"، كما حرص عدد كبير منهم على التقاط صور فوتوغرافية للذكرى تجمع بين الأشقاء.