إذا ألقينا نظرة على الاستطلاعات والمعطيات التي تفتقت عن الأبحاث والدراسات لوجدنا أن السرطان ما زال يسرح ويمرح على هواه، فالنصر عليه ما زال بعيد المنال، والعقار السحري الذي يقضي عليه بالضربة القاتلة لا تزال البشرية تنتظره. يحتوي جسم الانسان على أكثر من 100 بليون خلية تتعرض للانقسام يومياً كي تعطي خلايا اخرى طبيعية تحل مكان الخلايا التالفة، إلا ان خلية أو زمرة من الخلايا، لسبب أو لآخر، قد تصبح شاذة فتنمو وتتكاثر من دون ضابط وتخرج عن الخط المرسوم لها، إذ بدلاً من أن تهلك وتموت فإنها تثابر على نموها وتكاثرها مشكّلة ما يسمى بالسرطان، وخلايا هذا الأخير تختلف عن الخلايا المجاورة له، إذ انها تتكاثر في شكل فوضوي وجنوني من دون رادع، كما انها تملك القدرة على غزو الأنسجة الطبيعية الأخرى والنمو في عقر دارها. يعتبر السرطان العدو الأكبر للانسان، لذلك فهو الشغل الشاغل للباحثين والعلماء إذ انه يمثل الموضوع الأول على لائحة اهتماماتهم وبحوثهم. صحيح ان هناك قفزات نوعية أمكن انجازها على صعيد تشخيص هذا المرض وعلاجه إلا ان الكلمة الفصل ما زالت في يد الورم اللعين. شيء جيد ان يتم التركيز على وسائل تشخيص الورم وعلاجلاته، لكن الشيء الأجود هو قطع الطريق على حدوث الورم، فهناك الكثير من العوامل التي من شأنها ان تحول الخلية الطبيعية الى خلية سرطانية، وهذه العوامل منها ما هو معروف ومنها ما هو مشتبه به ومنها لا يزال يغط في بحر المجهول. وحبذا لو تم توجيه الأنظار الى العوامل المعروفة المثيرة للسرطان والتي يطلق عليها اسم المسرطنات، فلماذا نترك هذه الأخيرة تصول وتجول لتفعل فعلها، أي اللعب في مقدرات الخلية لتوجهها وجهة غير سليمة؟! ان جسم الانسان معرض اليوم للكثير من المسرطنات التي تؤثر في الجسم، مفردة أو مجتمعة وفي ما يأتي على أهمها: التبغ: يحتوي على عشرات المواد المسرطنة التي لا يقتصر تأثيرها على الرئتين وحسب، بل إنها تطلق العنان لسرطانات أخرى، مثل سرطان الثدي، وسرطان المعدة، وسرطان المثانة، وغيرها. ان التدخين مسؤول عن 30 في المئة من الوفيات المرتبطة بالسرطان، وهو السبب الرئيس لحوالى 80 الى 90 في المئة من سرطانات الرئة. ان التدخين ضار، سواء كان سلبياً أو إيجابياً. الملوثات الجوية: وهذه تنتج عن المصانع وعوادم السيارات والحافلات والقوارب التي تطلق في الجو مركبات مشبوهة مثل البنزين وحامض السلفوريك مثيرة للسرطان. المواد الحافظة للأطعمة: مثل نيترات الصوديوم أو نيترات البوتاسيوم، التي تتواجد في اللحوم المعلبة والنقانق والمقددات والهامبرغر، ان مثل هذه المركبات نشطة جداً إذ تتحول الى مشتقات نيتروسامين المسرطنة. المشروبات الكحولية: أشارت الدراسات الى وجود علاقة بين الكحول والاصابة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان الفم والمعدة والكبد والحلق والمريء والثدي والمستقيم والبانكرياس، ان الخطر يكون أكبر إذا ترافق وجود الكحول مع التدخين أو مع أكل المزيد من الأدهان المشبعة. قطران الفحم والمشتقات البتروكيماوية: وهذه نراها بكثرة في أحمر الشفاه ومساحيق التجميل ومزيلات الروائح ومضادات التعرق والعطور وزيوت الشعر. الأدهان المشبعة: هناك أبحاث كثيرة دلت على وجود علاقة ما بين الأحماض الدهنية المشبعة وزيادة خطر التعرض لبعض أنواع السرطانات، كسرطان الثدي وسرطان الأمعاء وسرطان الرحم وسرطان الرئة وسرطان البروستاتة. طبعاً يجب ألا يغيب عن البال الأدهان المهدرجة ترانس، فقد نوهت بعض الأبحاث الى أنها تزيد من خطر التعرض لسرطان الثدي وسرطان القولون، غير ان أبحاثاً أخرى لم تتوصل الى ايجاد رابط بين الاثنين. الأطعمة المحروقة: ان حرق اللحم على الفحم أو غيره يشجع على تشكل مركبات سامة هي هيدرات الكربون، والبينزوبايرين، وأمينات الهيتروسيكليك، ان الأولى تتكون على الغلاف الخارجي أي الطبقة التي على تماس مباشر مع النار، أما الثانية فتتشكل عندما يتساقط الدهن فوق شظايا الفحم الملتهبة فينبعث منها دخان يلوث اللحم، أما الثالثة فهي مواد تنتج عند"تحمير"اللحم. المحليات الصناعية: دلت التجارب التي أجريت في المختبر على الجرذان الى أن اعطاءها جرعات عالية من السكارين والسيكلامات أدى الى حدوث السرطان عندها، وهناك من يقول إن الشيء نفسه يمكن أن يقع عند الانسان. العفن: وهذا يمكن أن يتشكل على بعض أنواع الأطعمة كالجبن والجوز والمربيات والخبز والحبوب واللبن وغيرها. ان هذا العفن خطر للغاية إذ تنطلق منه مادة سامة اسمها افلاتوكسين المحرضة لنشوء سرطان الكبد. اللحوم والاسماك المدخنة المبخَّرة: ان هذه الأطعمة مسرطنة للغاية بسبب احتوائها على مواد ضارة جداً هي مركبات البنزوبايرين المتقوقعة على سطوح هذه الأغذية المدخنة. الأوعية البلاستيك: لقد شاعت في السنوات الأخيرة استعمال هذه الأوعية لحفظ الطعام، والمعضلة الكبرى ان المصنعين لا يذكرون طبيعة المركبات المستخدمة في انتاجها، لكن المعروف ان المواد البلاستيك تحتوي على مركبات مثل كلوريد الفينيل أو البوليستيرين، ومثل هذه المركبات ليست بريئة اطلاقاً. الزيوت المسخنة لدرجات حرارة عالية: ان كل زيت يتحمل درجة حرارة معينة، وتسخينه فوق هذه الدرجة يؤدي الى تكوّن مركبات ضارة مسرطنة، إن القلي بالزيت مرات ومرات يؤدي الى تشكل هذه المواد المشبوهة. المبيدات العشبية والحشرية: إن مخلفات هذه المواد قد تجد طريقها الى طعام الانسان وشرابه. لقد سجلت السنوات العشرون الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في بعض أنواع السرطانات مثل سرطان الدماغ والمثانة والورم اللمفاوي اللاهودجكيني، وربط العلماء هذا الارتفاع بالتعرض للمبيدات. الأشعة الشمسية: ان العلاقة بين الأشعة الشمسية فوق البنفسجية وسرطان الجلد أصبحت واضحة وضوح الشمس، وكلما زاد التعرض لهذه الأشعة زاد خطر وقوعه. الأشعة النووية التي تلوث الغذاء والماء والهواء. الأشعة الكهرومغناطيسية الصادرة عن أجهزة التلفزيون والراديو والهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر. المعالجات الهرمونية البديلة: كتلك التي تستعمل لعلاج سن اليأس عند النساء. الأشعة السينية أشعة إكس. هذه هي أهم المسرطنات المتعارف عليها، ونحن البشر واقعون تحت تأثيرها سواء بعلمنا أو من دون علمنا، وبما أننا لا نعرف في شكل دقيق كم يلزمها من الوقت لتحقق ضربتها فإن الحس السليم والمنطقي يقضي باتباع نظام حياتي وغذائي يقينا شر هذه المسرطنات، أو على الأقل الحد من وقعها على أجسامنا.