عندما كنت أستمع إلى الكلمات التي ألقاها محمود العالم ومحمد برادة، في الاحتفال بمرور مئة عام على مولد جان بول سارتر، وقد أقامه المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، لم أستطع مقاومة خاطرتين ظلتا تطوفان في ذاكرتي عن سارتر الذي نحتفي به. الأولى مبعثها أنه عندما مات سنة 1980 صدرت إحدى الصحف الفرنسية، وفي صدارتها عنوان رئيسي هو"مات ضمير فرنسا". والواقع أن سارتر لم يكن ضمير فرنسا فحسب وإنما كان واحداً من القلائل الذين يمكن أن نطلق عليهم ضمير الإنسانية. وليست هذه الصفة بغريبة على سارتر الذي عاش حياته ليؤكد - سلوكاً وكتابة - أن الإنسان موقف وأن الحرية مسؤولية، وكان ذلك يعني التزامه الفعلي بالمبدأ الذي رفعه كارل ماركس عندما هاجم الفلسفة لأنها اكتفت بتفسير العالم، مؤكداً أن الوقت قد جاء لتنتقل الفلسفة من تفسير العالم إلى تغييره. وكان ذلك يعني ضرورة نزول الفلسفة إلى طرقات العالم الموحشة، كي تتصدى لشروط الضرورة التي تحول بين العالم والدخول إلى أفق الحرية التي لا حدود لإمكاناتها أو وعودها. وكان ذلك هو الترجمة العملية للمبدأ الذي رفعه ماركس وحدد به مهمة الفلسفة من حيث هي إعادة صياغة جذرية للحياة وصنعها من جديد على أعين الذين يحلمون بتغيير العالم وتثويره، متطلعين إلى العدل الذي يصنع اليوتوبيا على الأرض لا فوقها أو تحتها. وقد مارس سارتر هذا المبدأ على مستويات عدة، وفي مجالات متباينة، فكان ضمير فرنسا، وواحداً من أبرز مفكري العصر الذين لم يتخلوا عن دورهم الجذري في تغيير العالم. ولم يكن من الغريب - والأمر كذلك - أن ينخرط في صفوف المقاومة السرية التي ظلت تدافع عن حرية وطنها ضد الاحتلال النازي الذي اجتاح العالم كالوباء. واستطاع بحيلة ضعف بصره أن يتخلص من قضبان أحد معسكرات الاعتقال في ألمانيا، عندما وقع أسيراً في أيدي قوات الاحتلال النازية، وعاد إلى باريس، ليواصل دوره مع فرسان المقاومة السرية التي ضمت الكثير من أحرار مثقفي فرنسا ومبدعيها الذين مارسوا معني الالتزام من قبل أن يكتب عنه سارتر تنظيراته المعروفة التي نقلها عنه عدد هائل من مثقفي العالم الثالث الذين كان عليهم أن يسهموا في تحرير أوطانهم من شروط الضرورة السياسية والاجتماعية. وظل سارتر نموذجاً يحتذى في مقاومة أشكال الشرور التي لا بد من مقاومتها، وفي عدم الصمت إزاء ما يحدث في العالم من ظلم وقهر، والتصدي لذلك بكل وسيلة ممكنة، ابتداء من التنظير لفلسفة تؤسس لمعنىي الفعل في العالم والحضور فيه، مروراً بالإبداع الذي وجد فيه سارتر موازياً لتجسيد أفكاره وإشاعتها بين المثقفين، فكتب المسرح والرواية واللوحات الأدبية والسيرة الذاتية، وذلك جنباً إلى جنب الانخراط في حركات الاحتجاج والمقاومة العلنية لأشكال القهر والتسلط في العالم. وكان من توابع ذلك أن انتبهت قوات الاحتلال النازي لباريس إلى المغزى التمرّدي التحريضي الذي انطوت عليه مسرحيته"الذباب"التي هي تمجيد لممارسة حرية التمرد ضد"الإيرنيات"التي تفرضها القوى المتحكمة في مصير الكائن وقدره، وذلك بما يضيف إلى قدرة تمرد الكائن على وضعه المحكوم بالضرورة تمرده على كل الأرباب التي تحول بينه وصنع عالمه الخلاّق بملء إرادته الحرة، مهما كانت النتائج. ولم يشفع لسارتر عند قوات الاحتلال الألمانية أنه كان - بمعنى من المعاني - أحد المحسوبين إلى ذلك الحين على الفلسفة الألمانية وأحد المتابعين المضيفين لتياراتها. ولم يمنع إيقاف المسرحية سارتر من كتابة الكثير غيرها، من طراز"سجناء الطونا"وغيرها من المسرحيات التي اهتم مثقفو العالم الثالث بترجمتها، ولم يتوقفوا عن الإعجاب بها طوال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، خصوصاً مع صعود حركات التحرر الوطني على امتداد العالم الثالث كله، حيث كانت مواقف سارتر تتردد أصداؤها بين أحرار العالم جميعاً، فالمفكر صاحب الموقف لم يتردد في إدانة السياسة الاستعمارية للولايات المتحدة التي رأى فيها نموذجاً للاستعمار الجديد. وبقدر محاولته فهم التجربة الجديدة في الاتحاد السوفياتي، وزيارته له، لم يتردد في إدانة التدخل السوفياتي في تشيكوسلوفاكيا وغيرها من الأقطار التي انقلب فيها الحضور العسكري السوفياتي إلى شرط آخر من شروط القمع بأقبح معانيه. وقبل ذلك كله، وفي أثنائه، كان سارتر يقاوم الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو الذي كتب عن العار الفرنسي في هذا البلد ودانه في قوة وشجاعة مؤثرة. ولا يزال المثقفون العرب يذكرون مقالة عن"نظام الاستعمار الفرنسي في الجزائر"الذي ترجمه سهيل إدريس ونشره في مجلته"الآداب"في عددها السادس من سنتها الرابعة الصادر في حزيران / يونيو 1956 ونبه إليه في صفحة الغلاف، واصفاً إياه بالمقال الخطير. وكان المقال خطيراً بالفعل، ونموذجاً لموقف سارتر الجذري المعادي لليمين الاستعماري في فرنسا. وهو الأمر الذي أهاج عليه هذا اليمين إلى درجة أن صنائعه فجَّروا قنبلة على عتبة دار سارتر، كان يمكن أن تودي بحياته، لكنه نجا من محاولة الاغتيال بأعجوبة. ولم تخفه المحاولة فمضى في إعلان موقفه الذي دفع إرهابيي اليمين الفرنسي إلى تفجير قنبلة ثانية، تسببت في انتقاله من المنزل الذي يسكن فيه إلى مكان آخر، ولكن هذا الإرهاب لم يوقفه، فظل على شجاعته في مواجهة الاحتلال الفرنسي لبلده في الجزائر ومواجهة التدخل الأجنبي في إرادة الشعوب. ولم يكن غريباً - والأمر كذلك - أن يقدِّم سهيل إدريس لما كتبه سارتر ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر بقوله:"نشرت مجلة الأزمنة الحديثة في عددها الأخير... نص الخطاب الذي ألقاه الأديب الفرنسي الكبير جان بول سارتر في الاحتفال الذي أقيم أخيراً في باريس برعاية لجنة المثقفين للعمل ضد متابعة الحرب في إفريقيا الشمالية. ونحن إذ نترجم هذا المقال الخطير الذي يفضح سياسة فرنسا الاستعمارية بتحليل كل الدوافع التي يقوم عليها النظام الاستعماري، نتوجه بتحية حارة إلى سارتر وإلى جميع المفكرين الفرنسيين الأحرار الذين لا تخيفهم سياسة الضغط والإرهاب الفرنسية، والذين لا نزال - نحن العرب - نجد في آثارهم غذاء لعقولنا وقلوبنا يعيننا على مواصلة النضال في طريق الحرية". وكانت كلمات سهيل إدريس هذه تعبيراً صادقاً عن آراء تجمعات كثيرة من المثقفين الذين وجدوا في مواقف سارتر الوجودية، خصوصاً في تجلياتها السياسية، دعماً وعوناً على المضي في طريق التحرير الوطني والقومي، كما كانت هذه المجموعات تزداد احتراماً لسارتر وإقبالاً عليه كلما سمعت عن هجوم اليمين الفرنسي الاستعماري عليه، فضلاً عن محاولات اغتياله التي تحولت إلى وسام على صدره في عقول وقلوب هذه التجمعات التي وصلت بينها رغبة التحرر الوطني والقومي بمعناه الفردي والجمعي. ولكن لم تكن تلك هي الخاطرة الأولى التي دارت في ذهني، واستدعت ما استدعت من الذكريات، فهناك الخاطرة الثانية التي اقترنت بذكرى رؤية سارتر شخصياً، والاستماع إليه، في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، وكنت شاباً حديث التخرج في الجامعة، أخطو خطواتي الأولى في العمل الأكاديمي، وكنت قرأت سارتر الذي كان ملء الوعي في ذاك الزمان، وذلك بسبب ترجماته الكثيرة التي تبارت فيها بيروتوالقاهرة ودمشق. وبسبب هذه الترجمات قرأنا مسرحيات"المومس الفاضلة"، وپ"الذباب"...، التي ترجمها المرحوم محمد القصاص الذي كانت تربطه بسارتر صداقة وصحبة في المقاومة السرية، خلال سنوات الاحتلال النازي، وأضف إلى ذلك"سجناء الطونا". وكان المرحوم غنيمي هلال ترجم"ما الأدب"فضلاً عن الروايات المترجمة التي أذكر منها"الغثيان"وپ"دروب الحرية"وپ"سن الرشد". وقد ترجم جورج طرابيشي أجزاء"مواقف"إن لم تخني الذاكرة. وكان عبدالمنعم الحفني يشيع الفلسفة الوجودية على أرصفة القاهرة، كما كان سهيل إدريس يشيعها على مقاهي مثقفي بيروت التي كان بعضها يتشبه بمقهي"الفلور"أو"الديماجو"في شارع سان جرمان في باريس، حيث اعتاد سارتر والوجوديون على اللقاء والنقاش الفكري الخلاق، ولم يتردد سهيل إدريس في أن ينشر - من خلال دار الآداب - في آب أغسطس 1966 ترجمة عبدالرحمن بدوي لعمل سارتر الأساسي والضخم"الوجود والعدم". وقد عرفنا بفضل هذه الترجمة معنى"الوجود في ذاته"، أي وجود العالم وپ"الوجود لذاته"وهو الوعي منظوراً إليه في ذاته، كأنه حالة توحد لا تخلو من الشعور بنقص الوجود والشوق إليه في آن. وقس على ذلك"الآخر"وپ"الآخرين"الذين اقترنوا بالجحيم. ولم تكن هذه الترجمات وغيرها"صرعة"شهدتها الستينات فحسب، وإنما كانت استمراراً للصرعة التي بدأت حتى من قبل الخمسينات. وكان ذلك حين عرّف طه حسين بمجلة سارتر"الأزمنة الحديثة"وناقش آراءه في الالتزام التي وافق عليها بحماسة، ومضى في حماسته خطوة أبعد من سارتر نفسه، فرد الشعر إلى دائرة الالتزام التي أخرجه سارتر منها في ذلك الوقت. وعرض بقية أفكاره عن"الالتزام"وقدم نماذج لها من التراث الأدبي العربي، فأسهم على نحو ما في إشاعة مصطلح"الالتزام"الذي صار مبدأ أساسياً في الوعي الثقافي العربي، إلى درجة إعداد أكثر من رسالة جامعية فيه، أذكر من بينها أطروحة الدكتوراه التي كتبها زميلنا المرحوم رجاء عيد عن"الالتزام في الأدب". ولا أزال أتصور أن صرعة موضة سارتر بوجه خاص والوجودية بوجه عام كانت حلاً فكرياً مغوياً لعقول الكثيرين من المثقفين القوميين الذين كانوا ينفرون من التحزب الشيوعي الماركسي، ويؤمنون بالعدل الاجتماعي، لكن بما لا يتناقض مع الحرية الفردية. وكان هؤلاء أشبه بالأب"ياناروس"في رواية كازنتزاكس"الإخوة الأعداء"من حيث رغبتهم في المصالحة بين النقائض التي تتلاقى عند مستوى فكري بعينه. ومن هنا بدأت غواية الوجودية في وعيهم الجمعي، واستمرت لعقدين على الأقل، فقد حافظت على الإيمان الذي لا تزال له جاذبيته عن الحرية الفردية بكل ما تنطوي عليه من وعود"الوجود لذاته"ووعود الإرادة الفردية التي تضفي بفعلها الخلاّق المعنى على عالم يخلو من المعنى، ففعلها هو الوجود الذي يتحدى العدم وينقضه بنقيضه الخلاق. والوجودية - من ناحية موازية - كانت تضع الحرية الفردية في إطار من الالتزام بحرية الآخرين وتحقيق العدل وإياهم بما ينقض شروط الضرورة، ويشاكس"سوء الطوية". وهو المصطلح الذي تجلَّى على نحو خاص في كتابات سارتر الناقد الأدبي، خصوصاً دراسته الشهيرة عن بودلير. ولذلك كانت كتابات سارتر بوجه خاص والوجودية بوجه عام نموذجاً فكرياً جاذباً لكل من يريد التوسط ما بين الليبرالية والشيوعية، فيبقى في جانب التحرر الوطني ومطلب العدل الاجتماعي، محافظاً على الحرية بمعناها الإنساني وليس بمعناها الذي كانت تتقنَّع به أقنعة الهيمنة الاستعمارية الحديثة. وكانت النتيجة ترجمة عدد استثنائي من مسرحيات سارتر أكثر من مرة، وترجمة رواياته التي ابتدأت بپ"الغثيان"التي فتننا حضور بطلها روكانتان، مثلما جذبتنا مجلدات رواية"دروب الحرية"ومجلد السيرة الذاتية"الكلمات"الذي ترجمه المرحوم خليل صابات. وأضف إلى ذلك ترجمة دراسات النقد الأدبي التي أصبحت مجالاً للتقليد والاتباع، وموضعاً ليقين ظل شائعاً لسنوات عدة. ولا أنسى الكتابات الفلسفية ابتداء من"الوجود والعدم"وليس انتهاء بالكتابة عن"الخيال"وپ"الانفعالات". ولم نكن قرأنا ما ترجم وكتب عن سارتر الفيلسوف والأديب والناقد فحسب، بل قرأنا حوارات مطولة معه. وكان أبرز هذه الحوارات ما قام به المرحوم لطفي الخولي الذي كان أحد العوامل الأساسية لتوجيه الدعوة لسارتر إلى زيارة القاهرة، والمحاضرة فيها، والتعرف على مثقفيها الذين كانوا يعرفونه حق المعرفة، ويعرفون قدره وقيمته. وقد جاء سارتر والتقى بعبدالناصر وتحاور معه، وذهب إلى جامعة القاهرة، والتقى بنا - نحن الشباب الذين رأينا فيه نجماً بالغ السطوع في سماوات عصرنا وآفاق معارفنا. ولم نهتم في ذلك الوقت بما كتبه بعض الشيوعيين المصريين الذين هاجموا الفلسفة الوجودية، تأكيداً للحضور الماركسي الدوغمائي، وإعلاناً جزئياً عن العداء للوجودية التي كان يصوغها عربياً - في ذلك الوقت -المرحوم عبدالرحمن بدوي في ما كتبه عن"الزمن الوجودي"وفي ما أشاعه من أفكار سارتر عن"الوجودية والإنسانية"أو الوجودية التي رأينا فيها نزعة إنسانية تضعنا على يسار الليبرالية، فاندفعنا إليها، نحن الشباب الذين لم نمض مع الماركسية إلى نهايتها الحزبية، تماماً كما اندفع إلى الوجودية كل القوميين والبعثيين والناصريين الذين وجدوا فيها وعداً وخلاصاً وسلاحاً للمقاومة. ولا أزال أذكر تحيتنا للطفي الخولي الذي كان واقفاً على درجة من الدرجات الصاعدة إلى مدخل قاعة الاحتفالات الكبرى في جامعة القاهرة. ودخلنا القاعة التي احتشدت بأمثال توفيق الحكيم، ومحمد القصاص، وعبدالرحمن بدوي، وعشرات غيرهم من المثقفين الأعلام الذين كانوا يمثلون الأطياف المختلفة لتيارات الثقافة العربية المعاصرة. وللأسف، فإن ما قاله سارتر في جامعة القاهرة لم يترجم أو يطبع في ما بعد، وقد سألت عنه بعض الحضور فاكتشفت أن انبهارهم بحضور سارتر في ذاته أنساهم تسجيل ما قال والحفاظ عليه. وبالطبع، لم تخل الزيارة التاريخية من بعض المفارقات التي تبعث على الابتسام، فقد زار سارتر ومعه سيمون دي بوفوار - صديقة عمره - الجامع الأزهر، فأخذ المرجفون يتحدثون عن دخول الرجل وعشيقته إلى الأزهر الشريف، ووضعوها في حساب سيئات عبدالناصر الذي كان يخيفهم حياً، ولا يزال يؤرقهم ميتاً. وكانت الزيارة - إن لم تخني الذاكرة - قبل أشهر قليلة من شهر الكارثة التي حدثت في حزيران يونيو 1967. وهي الكارثة التي أدخلت المثقفين إلى نفق مظلم، بدا بلا نهاية، ولم يخل من مرارة ذهاب سارتر إلى دولة إسرائيل، وحصوله على الدكتوراه الفخرية منها، ومن ثم عدم إعلان أي نوع من أنواع الإدانة للحضور الإسرائيلي الاستعماري. وهو الأمر الذي كنا نتوقعه من المدافع عن حرية الجزائر، والمهاجم للحضور السوفياتي القمعي في براغ. لكن ذلك كله لم يقلل من قيمة سارتر الفلسفية والإبداعية التي ظلت متوهجة إلى نهاية الستينات على رغم كارثة العام السابع والستين، وعلى رغم موقفه غير العادل وربما غير الحر من القضية الفلسطينية. ولكن جاءت السبعينات بمتغيرات جديدة، وبدأ المثقفون العرب يقعون تحت تأثير البنيوية وما بعدها، وأخذنا نسمع عن النقد الجذري الذي وجهه ميشيل فوكو إلى فلسفة سارتر، وننتقل من هجوم البنيوية على الإنسانية الوجودية، إلى هجوم الماركسيين الجدد الذين رأوا في الإنسانية الوجودية نوعاً مغايراً من التلفيقية، وبدأ نجم الوجودية في الأفول، وأخذت الشيخوخة نفسها تدرك سارتر الذي أخذت الأضواء تنسحب من حوله تدريجاً، لكن بما لم يفقده هالة التقدير التي ظلت ملازمة له: تاريخاً وموقفاً وقيمة إبداعية وفكرية. فكان من الطبيعي أن تهتز فرنسا لموته ويشعر مثقفو العالم بأن العالم لم يخسر ضمير فرنسا فحسب، وإنما خسر أحد القلائل الذين لا تزال كتاباتهم بمثابة الضمير اليقظ للإنسانية في الأزمنة الحديثة.