تجدد الحديث بقوة بعد الانتخابات التشريعية عن اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، فبعد اعلان ممثل"حماس"في بيروت اسامة حمدان ان هذه المسألة تشكل احدى اولويات الحركة، واقتراح"الجبهة الشعبية"نقل ملف المفاوضات الى المنظمة بدلا من السلطة، أتى الرئيس محمود عباس على ذكر منظمة التحرير مرتين في خطاب مقتضب مساء اول من امس، مؤكدا انه سيعمل على تفعيل دورها وتطويره في الداخل والخارج بصفتها المسؤولة عن جميع الاتفاقات التي التزمتها السلطة. لماذا تريد"حماس"اعادة بناء المنظمة وهي التي اكتسحت مقاعد المجلس التشريعي وتستطيع تشكيل الحكومة المقبلة؟ ولماذا يتحدث الرئيس الفلسطيني عن تفعيل دور المنظمة التي همشتها السلطة، وذلك مباشرة بعد تعهده تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي يقوم على نهج المفاوضات والحل السلمي مع اسرائيل والتمسك بالثوابت الوطنية؟ ولماذا تقترح"الشعبية"نقل ملف المفاوضات الى المنظمة؟ من تصريحات الرئيس الفلسطيني، يبدو واضحا انه يريد التأكيد على ان منظمة التحرير هي مرجعية السلطة والحكومة، خصوصا في قضية التفاوض مع اسرائيل. في الوقت نفسه، يبدو ان حركة"فتح"التي كانت تهيمن على السلطة بكل مؤسساتها الرئاسة والحكومة والبرلمان، قررت بعد الهزيمة القاسية التي منيت بها في الانتخابات التشريعية، الهرب باتجاه منظمة التحرير حفاظاً على دورها السياسي والشراكة السياسية، من دون الاضطرار الى الدخول في ائتلاف مع"حماس"، خصوصا انها تريد ان تضع الحركة الاسلامية بمفردها امام امتحان ادارة السلطة وتنفيذ استحقاقاتها الداخلية والخارجية. كما انه من خلال تفعيل منظمة التحرير المسؤولة عن عملية السلام، تحتفظ"فتح"بملف المفاوضات مع اسرائيل الذي يُعتبر احد الاستحقاقات الاساسية لاتفاقات السلام بدءا من اوسلو الى قمة بيروت العربية وصولا الى"خريطة الطريق". وحسب نائب رئيس الوزراء نبيل شعث، فإن"فتح شريكة في السلطة من خلال دورها في منظمة التحرير وعن طريق الرئاسة. اما في الحكومة فممكن ان تكون في المعارضة وان تشكل معارضة امينة وحريصة وطنيا. وقد تتغير حماس، علينا ان نعطيها الفرصة للتغيير". وتوقع المستشار السياسي للسلطة ممدوح نوفل ان يلجأ الجميع الى احياء دور المنظمة، خصوصا"فتح"، مضيفا ان الحركة"اخطأت"لانها همشت منظمة التحرير ولانها"لم تستخدم ورقة المنظمة ولم تستثمر تاريخها، بل كانت الغائب الاكبر". وسألته"الحياة"ان كان يتوقع اعادة احياء المنظمة كي تقوم بدور التفاوض مع اسرائيل بدلا من السلطة التي تشارك فيها"حماس"، فقال انه يشك بذلك خصوصا في اطار رفض"فتح"المشاركة في حكومة ائتلاف وطني، معتبرا ان مثل هذه الحكومة هي مخرج يفيد المصلحة الوطنية. من جانبها، تريد"الشعبية"من الدعوة الى نقل ملف المفاوضات الى منظمة التحرير ضمان الحفاظ على حق العودة على اعتبار ان المنظمة هي البيت المعنوي لجميع الفلسطينيين في الشتات والداخل بخلاف السلطة التي تتعامل مع فلسطينيي الداخل فقط. اما"حماس"، فتقف امام مأزق بعد فوزها واحتمال تسلمها الحكومة. فالمجلس التشريعي والسلطة لهما مرجعية واحدة هي منظمة التحرير، في حين ان"حماس"لم تكن يوما داخل اطر المنظمة ولها اشتراطات للدخول فيها، فماذا ستكون مرجعيتها في حال شكلت الحكومة؟. في الوقت نفسه، فان السلطة هي احد افرازات اوسلو وعملية السلام التي تهاجمها"حماس"، فماذا ستفعل الحركة في موضوع التفاوض مع اسرائيل؟ بهذا المعنى فان افضل مخرج ل"حماس"هو ما كانت دائما تدعو اليه من اعادة بناء المنظمة واعادة صوغ البرنامج السياسي للمنظمة الذي سيشكل مرجعية للشعب الفلسطيني ومؤسساته، وهي تقر ان هذه مسألة تحتاج الى نقاش طويل. ويقول اسامة حمدان ان"حماس"تدعو الى اعادة بناء منظمة التحرير"لاننا نريد اطارا سياسيا يشكل مرجعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج". وقال ان هذه الدعوة تأتي بناء على اتفاق بين"حماس"والقوى الفلسطينية تم في اجتماع القاهرة في آذار الماضي. وسألته"الحياة"عن مرجعية حكومة تشكلها"حماس"، فقال انها المجلس التشريعي. وعن مدى تقبل"حماس"لنقل الملف التفاوضي الى منظمة التحرير، قال ان"القضية الاساسية هي البرنامج السياسي الذي نعمل كي يكون مرجعية للشعب الفلسطيني، وهذا يحتاج الى النقاش وأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة من اجل حفظ الحقوق الوطنية". واضاف:"بغير ذلك سيكون نقل ملف المفاوضات الى المنظمة خطوة مجتزأة". وسألته"الحياة"ان كانت"حماس"في المجلس التشريعي تعتبر نفسها جزءا من المجلس الوطني الفلسطيني احدى مؤسسات المنظمة على اعتبار ان كل من يمثَل في التشريعي هو تلقائيا عضو في المجلس الوطني، فقال"ان هذا الامر ليس قياسا دقيقا، يجب ان نعرف اللوائح في المنظمة وفاعليتها، لذلك يجب الشروع في بناء منظمة التحرير وصوغ العلاقة التي تربط المؤسسات الفلسطينية ببعضها بعضاً". ومما يزيد من التوقعات بنقل الملف التفاوضي الى المنظمة، اصرار اسرائيل على عدم التفاوض مع حكومة تضم"منظمة ارهابية مسلحة تدعو الى القضاء عليها". يذكر ان التوجه العام لدى"حماس"هو ابقاء القضايا ذات الطابع السياسي والتفاوضي في يد"فتح"حتى تتجنب ان تكون لها علاقة مع اسرائيل، في حين تريد تحويل السلطة التنفيذية الى جهاز خدمات اداري، علما ان المفروض ان يكون موضوع عملية السلام محصورا في دائرة المفاوضات التي يرأسها الدكتور صائب عريقات، وهي اللجنة الوحيدة التابعة للمنظمة والمكلفة ادارة المفاوضات.