كيف تمت المفاوضات او المساومات داخل أسرة آل الصباح للخروج من أزمة توارث الامارة؟ الاجابة عن هذا السؤال لم تعد مهمة، فعبور الأزمة غيّب كل ماقيل او سيقال عن عزل الشيخ سعد، ثم تنازله عن منصب الامير. فتجاوز الأزمة على النحو الذي تم لم يدع مجالاً للحديث عن تفاصيل الحوارات المغلقة التي جرت في اروقة القصور الاميرية، فانشغل الكويتيون واهل الخليج بالدلالات السياسية المهمة التي نتجت عن الشكل الذي انتهت إليه الأزمة، وبدا واضحاً للجميع أن العائلة الحاكمة أرادت حتى اللحظات الأخيرة تفاهماً أسرياً للمشكلة عبر التنازل وليس حلاً دستورياً بالعزل حفاظاً على مكانة الشيخ سعد وتاريخه، وحرصاً على دخول المرحلة الجديدة بكلمة مجتمعة ورأي موحد. وكانت محاولات إتمام التنازل تهدف الى الانعتاق من"الوصاية"الدستورية، ان صح التعبير، وعوضاً عن اللجوء الى مجلس الامة لحسم الموقف، سعى بعض أقطاب الأسرة الى حل اسري للمحافظة على مكانتهم السياسية، والتأكيد على ان وحدتهم ضمانة لاستقرار البلد بحجم الضمانات التي يوفرها الدستور. فشيوخ الاسرة الحاكمة يدركون ان حل الأزمة عبر تدخل مجلس الامة، ربما كان له تأثيرات معنوية غير مرغوبة، وقد يسجل انتقال الحكم عبر وصاية مجلس الامة سابقة دستورية تؤثر معنوياً مع الوقت على موقع الأسرة الحاكمة في وجدان المواطن، الذي كان ولايزال ينظر اليها كأساس للشرعية والاستقرار السياسي الذي تنعم به دولة الكويت منذ تأسيسها. لكن تمسك اسرة ال الصباح بالدستور سيزيل سريعاً ماجرى خلال الايام الماضية. لا شك في أن ألأزمة الكويتية كانت مفيدة للكويت ولمحيطها الخليجي. داخلياً أكدت شرعية أسرة آل الصباح، وحرصها على التمسك بالدستور واحترام مؤسساته، وحرص الشعب الكويتي على التمسك بالاسرة الحاكمة والدفاع عن وحدتها وتماسكها، ومثلما جددت أزمة احتلال الكويت شرعية حكم آل الصباح، فإن هذه الأزمة كانت بمثابة مبايعة جديدة لحكم هذه الاسرة، كما أكدت ان الكويت تجاوزت المشكلة التي يعاني منها غير بلد عربي. فوجود برلمان منتخب، ودستور لايحتمل تأويلات، جعل المواطن الكويتي يشعر ان الأزمة التي مرت بالبلاد بعد رحيل الشيخ جابر الصباح كانت مشكلة اسرة وليست أزمة بلد، ما يعني ان اسرة آل الصباح استطاعت بناء دولة مؤسسات تستعصي على الارتباك او الفوضى والانهيار امام أي هزة سياسية عابرة، ومن تابع الأزمة الكويتية لا بد انه لمس ان الحوار بين الكويتيين كان يتم عبر أُطر دستورية وشفافة، وهو تعامل غير مسبوق على مستوى العالم العربي. بل ان الاعلام الكويتي كان يتعاطى مع ما يجري بحرية غابت عن وسائل الاعلام العربية والخليجية. ولهذا فإن فرح الكويتيين بانتهاء المشكلة كان تعبيراً عن فرحهم بصلابة نظامهم السياسي، وقدرة الكويت على مواجهة الازمات السياسية التي جرى ويجري حلها في بلاد اخرى بأقتتال داخلي وتصفيات جسدية وانعدام للامن. بل ان مشاكل من هذا النوع أعادت رسم خرائط دول، وتغيير اسمها، اما في الكويت فما جرى كان مهرجاناً سياسياً ودستورياً رائعاً. ولهذا فإن حل الأزمة بالطريقة والنتيجة التي انتهت اليها سينعكس ايجاباً على الاقتصاد الكويتي، ونمو الاستثمارات الاجنبية على أرضه. المؤكد ان ما جرى في الكويت خلال الايام الماضية انعكس ايجابياً على دول الخليج ايضاً. فالأزمة كشفت مدى تلاحم هذه الدول رغم كل ما يقال عن خلافات في بعض توجهاتها السياسية، وظهر هذا واضحاً في تعاطي اعلام دول الخليج مع الأزمة الكويتية. فهو اكتفى بالمراقبة عن بعد، والتزم بالبيانات الرسمية، وتعامل بحذر شديد مع الحدث حتى زالت الأزمة، والامر الاهم ان أزمة اسرة آل الصباح مع موضوع توارث الامارة اكدت مجدداً تنامي شرعية الاسر الحاكمة في منطقة الخليج، وحرص الشعوب على التمسك بها والتفافها حولها في الازمات، فما حدث من تضامن في الكويت بين الشعب والاسرة الحاكمة ذكّرنا بما جرى في الإمارات والسعودية في العام الماضي. فهذا الانتقال السلسل في السلطة، وعدم اتاحة الفرصة للخلافات في وجهات النظر للاضرار بالمصالح العليا للدول، كرس شرعية هذه الاسر الحاكمة، واصبحت المحافظة على وحدتها مطلباً وطنياً، لأنها لا تمارس الحكم بالانقلابات والخطف والصرعات، وانما بتقاليد عريقة اكدت الايام انها تصنع الاستقرار الذي تفتقده دول كثيرة في العالم العربي.