لا تزال التفاعلات الواسعة في الساحة الحزبية في اسرائيل من مرض رئيس الحكومة ارييل شارون وتعذر أدائه مهماته تبتسم للقائم بأعماله ايهود اولمرت على نحو لم يحلم به، إذ أضحى من اعتبره معظم الاسرائيليين "سياسياً منفراً ومتعجرفاً" أكثر الشخصيات أهلية لخلافة شارون، وهو يواصل التحليق في الأوج في استطلاعات الرأي التي نشرت نتائجها أمس، وأضحى شخصية تعجب بسلوكها غالبية الاسرائيليين والأقرب بنظرهم الى شارون الذي رفعوه الى مرتبة الاسطورة. ووفقاً لاستطلاع "يديعوت احرونوت" وصف 71 في المئة من المستطلعين أداء أولمرت، في غياب شارون ب "الجيد" مقابل 11 في المئة قالوا انه "سيئ". وقال 21 في المئة ان نظرتهم الى اولمرت تغيرت للافضل. وفي "معاريف" جاء ان نحو 46 في المئة يرون في اولمرت الأنسب لمنصب رئيس الحكومة المقبل مقابل 26 في المئة اختاروا زعيم "ليكود" بنيامين نتانياهو و15 في المئة صوتوا لزعيم "العمل" عمير بيرتس. وفي الاستطلاعين يحصل حزب "كديما" بقيادة اولمرت على 42 - 43 مقعداً في الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر آذار مارس المقبل، لو جرت اليوم مقابل 17 ل "العمل" و13 - 16 ل "ليكود" و9 - 10 لحركة "شاس" الدينية الشرقية المتزمتة. وليس مستبعداً ان تتعزز شعبية "كديما" واولمرت بعد الانتخابات الداخلية التي شهدها حزبا "ليكود" و "شينوي" مساء أول من أمس صبت نتائجها، بحسب كل المعلقين، في مصلحة "كديما". إذ أفرزت نتائج الانتخابات في "ليكود" قائمة مرشحين يمينية غالبيتهم ممن عارضوا خطة فك الارتباط عن غزة وتمردوا على رئيس الحكومة شارون واضطروه الى مغادرة الحزب وانشاء "كديما". وأحدثت النتائج ضجة كبيرة داخل "ليكود" واتهم عدد من أركانه زعيم الحزب نتانياهو بالوقوف وراء دفعهم الى مواقع خلفية في قائمة المرشحين، مشيرين أيضاً الى أن تبوأ مغمورين مثل موشيه كحلون وجلعاد اردان المراتب الأولى في القائمة على حساب المخضرمين لن يشفع "ليكود" من الانهيار ولن يحول دون انتقال ناخبيه الى "كديما"، خصوصاً أولئك الذين طمحوا لانتخاب قائمة تمثل اليمين المعتدل. كما تلعب نتائج انتخاب قائمة مرشحي حزب الوسط "شينوي" بزعامة يوسف لبيد في مصلحة "كديما"، إذ فجّرت اطاحة أحد مؤسسي الحزب وحليف لبيد الوزير السابق ابراهام بوراز من الموقع الثاني في لائحة المرشحين لحساب شاب مغمور يدعى رون لفنطال خلافات حادة تهدد بانهيار تام للحزب الذي تتوقع الاستطلاعات أنه سيخسر 11 مقعداً من مقاعده البرلمانية الحالية لمصلحة "كديما" ويبقى مع أربعة مقاعد فقط قد يفقدها إذا لم يتجاوز خطر الانقسام. وازاء هذه التطورات تتعزز فرص "كديما" في تحقيق انتصار كبير في الانتخابات المقبلة في وقت غدا الإسرائيليون مقتنعين بقدرات أولمرت على إدارة شؤون دولتهم. ويلفت المراقبون الى "ذكاء" أولمرت في كسب ود الإسرائيليين المتعاطفين مع رئيس حكومتهم وقد ظهر أولمرت أمامهم حزيناً هو أيضاً على ما آل اليه وضع شارون الصحي وسرّب القريبون منه انه يشاطر الإسرائيليين "الصدمة الوطنية" التي يعيشونها منذ عشرة أيام وانه ليس متحمساً للجلوس على كرسي رئيس الحكومة في مثل هذه "الظروف التراجيدية". وساهمت الصور التي تبثها وسائل الاعلام لاولمرت جالساً الى جانب كرسي شارون الشاغر في مقر الحكومة في تحسين صورة اولمرت وتقدير الاسرائيليين لظهوره بقدر كبير من الرسمية بعيداً عن الحزبية، بعد ان اصبحت "الرسمية" سيد الموقف في الدولة العبرية التي نأى قادتها بأنفسهم عن الانشغال في المعركة الانتخابية "إجلالاً للحدث" مرض شارون. كما يشير المراقبون الى ان اولمرت نجح، بهدوء لم يميزه في السابق في تخطي أزمات هددت منصبه فتصالح مع زعيم "العمل" السابق شمعون بيريز ولبى طلبه ليكون الرجل الثاني في الحزب الجديد ووعد زميلته تسيبي ليفني بمنصب وزيرة الخارجية وتجاوب مع الطلب الاميركي تمكين فلسطينيي القدسالمحتلة من المشاركة في الانتخابات التشريعية الوشيكة، وفوق كل ذلك كف عن الظهور في وسائل الاعلام وهو من كان أكثر المحاورين في مختلف البرامج وعرف بسلاطة لسانه وعنجهيته واستفزازه خصومه. وكافأه البيت الابيض على هذا "السلوك الذي ينم عن التحلي بالمسؤولية" ووعده بدعوته الى واشنطن قبل الانتخابات البرلمانية لتقول الادارة الاميركية للاسرائيليين بصريح العبارة انها تفضل اولمرت رئيساً للحكومة المقبلة.