سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قصة "العبيدي" رفعته الى مرتبة الأسطورة واعتبرها السكان "صمام أمان" . "العام العراقي 2005" : اتفاق على "الإرهاب والاحتلال" وخلاف على الفيديرالية و "المقاومة" !
تصاعدت حدة العنف في العراق خلال العام الماضي وغير الموت اساليبه وطرقه وشعاراته لحصاد المواطنين والاجانب والمحتلين مثلما تصاعدت وتيرة الخيار السياسي. وشهدت السنة تحولات كبيرة لكن العراقيين، الذين اتفقوا على ان ازمة بلادهم ترتبط بمعادلتي"الارهاب والاحتلال"خاضوا طوال 12 شهراً جدلاً متواصلاً على مدار الساعة تناول كل ما واجههم من تحديات وخيارات من انتخابات بداية العام الى نتائج الانتخابات البرلمانية في نهايته واختلفوا في شأن المقاومة والارهاب والفيديرالية وكركوك وتوزيع الثروات واجتثاث البعث، وفوجئوا بفرق موت ترتدي ثياب رجال الشرطة وقوات امن تأتمر لقادة ميليشيات وارهاب يعلن حربه على الشيعة ونهر يبتلع مئات الزائرين وخراب يتخذ اسماء عمليات عسكرية واحزاب تتخلى عن تحفظها لتعلن هويتها الطائفية وهالهم ان قادة وسياسيين عالميين يجيئون ويغادرون ولا تعلم حتى الحكومة"ذات السيادة"بمواعيدهم! انتخابات وانتخابات فتح العراقيون ابواب العام 2005 بانتخابات مثيرة للجدل واغلقوها بانتخابات لا تقل جدلاً بمنطلقات ومبررات مختلفة. فمع مطلع السنة كانت الدعايات الانتخابية تحتل صدارة الاهتمام الشعبي في تزامن مع مقاطعة"سنية"معلنة للمشاركة في الانتخابات التي انتجت برلماناً يخلو منهم تقريباً تقدمت فيه كتلة الائتلاف الشيعية بدعم من المرجعية الدينية ليصبح تشكيل الحكومة من مهماتها المباشرة في تجربة هي الأولى في العراق منذ اكثر من نصف قرن يتخلى بموجبها رئيس وزراء اياد علاوي عن سلطته بقوة الصوت الانتخابي إلى رئيس وزراء آخر ابرهيم الجعفري لينتقل إلى صف المعارضة. وتخلى رئيس جمهورية غازي الياور عن كرسيه لاول رئيس جمهورية كردي جلال طالباني وقبل عن طيب خاطر ان يصبح نائباً للرئيس الجديد في محصلة دلالات عن نهاية حقبة الانقلابات العسكرية التي طبعت التاريخ العراقي الحديث. لكن الجدل في شأن الانتخابات وتشكيل الحكومة لم يتوقف بل زاد حدة متأسساً على الطعن بمشروعية انتخابات في ظل احتلال اجنبي واحقية البرلمان الجديد في تمثيل شعب بغياب نسبة مهمة منه مثل العرب السنة والقوميين وبعض العلمانيين والتيار الصدري. وتأخر تشكيل الحكومة العراقية حتى السادس من نيسان ابريل عندما اتفقت الكتلتان الفائزتان بالنسبة الاكبر من الاصوات الائتلاف الشيعي والتحالف الكردي على تشكيل حكومة يراعى فيها تمثيل للعرب السنّة عبر شخصيات من داخل البرلمان او خارجه واعطيت رئاسة البرلمان للسني حاجم الحسني ولم يغير هذا الاجراء من موقف المعترضين الذين وجدوا في الحكومة الجديدة"صبغة طائفية"واعلنوا رفضهم الحديث عن العرب السنة باعتبارهم طائفة في العراق مفضلين مصطلحات"المغيبين"و"الغائبين"و"المهمشين". وكما بدأت انتخابات بداية العام بالجدل الشعبي والسياسي انتهت انتخابات نهاية العام بالجدل ايضاً وان كانت هذه المرة تميزت بمشاركة من قاطعوا الانتخابات الأولى وهم انفسهم من عاد ليعترضوا على نتائج الانتخابات الاخيرة معتبرين ان نتائجها مزورة. ولعل الأبرز في ما يمكن ملاحظته في العمليتين الانتخابيتين، بالاضافة إلى اختلاف قوانين الانتخاب من القائمة الواحدة في الاولى إلى انتخابات المحافظات في الثانية، تخلي القوى السياسية عن تحفظاتها في شأن الخطاب او الاستقطاب الطائفي، فدخلت كتلة الائتلاف في الانتخابات بصبغة اسلامية طائفية خالصة بتخليها عن سياسة تمثيل كل الطوائف ولو بصيغة رمزية على غرار انتخابات بداية العام وتخلي السنة ايضاً عن تحفظهم الطائفي ليدخلوا الانتخابات بصبغة اسلامية طائفية ايضاً فيما احتفظ الاكراد باستقطابهم القومي. وربما كان الاستثناء الوحيد هو نجاح علاوي في تكوين كتلة علمانية كبيرة لم تتمكن بكل الاحوال في تغيير المعادلة الطائفية من جذورها لكنها احتلت حيزاً مهماً داخل البرلمان. عنف متصاعد لم يختلف العام 2005 عن سابقه في اعمال العنف وتصاعدها واتخذ العنف منحاً اكثر خطورة بمخرجات بدت جديدة ففي 28 شباط فبراير نفذت جماعة الاردني أبي مصعب الزرقاوي عملية استهداف كبرى لشيعة بسيارة مفخخة في سوق شعبية في الحلة 110 كلم جنوببغداد ذهب ضحيتها اكثر من 118 شخصاً وضعف هذا العدد من الجرحى ما فتح الباب لعمليات استهداف بسيارات مفخخة رافقتها عمليات قتل على الهوية الطائفية استهدفت سنة وشيعة على حد سواء واطلقت الخطاب الطائفي تحت شعارات"الدفاع عن النفس"التي تبادلها الطرفان المسلحان سنة وشيعة ولعل العام الماضي شهد ايضاً بروز ظاهرة فرق الموت التي تجولت في ساعات متأخرة من الليل بسيارات حكومية لاعتقال مواطنين معظمهم من"العرب السنة"وتعذيبهم قبل قتلهم ليعثر على جثثهم في مناطق متفرقة بعضها قرب الحدود الايرانية ما زاد من وتيرة الاتهامات التي ركزت هذه المرة على وزارة الداخلية العراقية باتهامها بتنفيذ مخطط ابادة وتهجير ضد السنة على يد ميليشيات شيعية سيطرت على هذه الوزارة التي يرأسها باقر صولاغ جبر وهو قيادي سابق في منظمة بدر الشيعية. وظلت عجلة الاتهامات المتبادلة مستمرة حتى يوم السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر عندما اقتحمت قوة اميركية معتقل الجادرية وسط بغداد التابع لقوات الشرطة ولتكشف ممارسة تلك القوات عمليات تعذيب واسعة النطاق بحق معتقلين معظمهم من السنّة. ولم تتوقف عجلة الموت طوال عام في العراق ولم يكن يوم يمضي من دون ان تنقل وسائل الاعلام نبأ انفجار سيارة مفخخة او اكثر وحدوث مواجهات واغتيالات لم تستثن منطقة في العراق وطالت اقليم كردستان الذي يتمتع باستقرار نسبي. ووقعت، كما اصطلح على تسميتها لاحقاً،"حادثة جسر الائمة"وتركت اثرها البارز في الضمير العراقي المتخم بالجراح عندما سقط ما يقارب ألف شخص من على جسر الائمة الرابط بين مدينتي الاعظمية والكاظمية في بغداد اثر تدافع كثر الحديث حول أسبابه وشمله الجدل ايضاً ففيما اتهم علماء دين ورجال سياسة شيعة"سلفيين وتكفيريين"بالتسبب بالحادث ركز السنة على شخصية الشاب"عثمان العبيدي"فتى الاعظمية السني الذي هب ومجموعة من الاهالي لانقاذ غرقى الحادث واستطاع انقاذ سبعة منهم قبل ان يغرق هو الآخر خائر القوى خلال محاولة انقاذ عجوز ورفعت قصة"العبيدي"إلى مرتبة الاسطورة ووجد فيها العراقيون على اختلاف طوائفهم صمام امان تمكن من تنفيس ازمة كادت تتحول إلى حرب طائفية. الدستور والحجم الاكبر من الجدل، الذي سرعان ما ترجم إلى خلاف بين الطوائف العراقية، تجسد في اقرار دستور دائم للبلاد حظي بالوقت الاكبر من النقاشات والمداولات ودخل فيه العرب السنّة كعنصر معارضة لبعض بنوده، خصوصاً تلك المتعلقة باقرار مبدأ حق الفيديرالية ما وجدوا فيه مشروع انفصال وتوابع ذلك من اجتثاث البعث وتوزيع الثروات ونظم الحكم والموقف من الاحتلال. وكان العام 2005 شهد ايضاً انطلاق مشروع فيديرالية الوسط والجنوب الذي اعلنه زعيم قائمة الائتلاف الشيعية عبدالعزيز الحكيم مرشحاً لاقامته تسع محافظات شيعية في وسط العراقوجنوبه ما عد مرفوضاً من قبل السنة والعلمانيين حتى تم تأجيل البت به إلى المرحلة المقبلة بالاضافة إلى فتح باب تعديل الدستور بعد الانتخابات لارضاء السنة الذين حاولوا اسقاطه عبر الاستفتاء في الخامس عشر من تشرين الاول اكتوبر باغلبية ثلثي ثلاث محافظات وكادوا ينجحون في ذلك لولا فشل الموصل 450 كلم شمال بغداد في تحقيق النسبة المطلوبة لينطلق جدل جديد في شأن تزوير نتيجة الاستفتاء في هذه المدينة بعدما رفضته محافظتا الانبار وصلاح الدين بنسبة كبيرة. لكن الدستور اقر في النهاية بموافقة 78 في المئة من العراقيين من دون ان تكون تلك النسبة العالية عائقاً امام استمرار الطعن في مشروعيته. عمليات عسكرية وشهدت السنة ايضاً سلسلة من العمليات العسكرية نفذتها القوات الاميركية اكبرها في تلعفر وآخرها في الرمادي قبل الانتخابات نهاية العام بايام واشرك الاميركيون قوات عراقية في تلك العمليات كدلالة على تصاعد وتيرة الاداء الامني العراقي وزيادة الامكانات العسكرية للجيش والشرطة العراقيين كخطوات اشترطها البيت الابيض لبدء سحب قواته من العراق كاجابة عن جدل تواصل طوال عام في شأن تحديد جدول زمني لانسحاب تلك القوات. مؤتمر القاهرة وكخطوة ظهرت غير مسبوقة للتحرك العربي ازاء الملف العراقي رعت الجامعة العربية في 21 تشرين الثاني نوفمبر مؤتمر التوافق الوطني العراقي بمشاركة معظم القوى الرئيسية في العراق وبروز رؤية جديدة تحاول الفصل بين المسلحين الذين ينطلقون من رؤية وطنية في حمل السلاح وبين اؤلئك القادمين من خارج العراق باجندة اممية ودينية بحتة تتخذ من العراق جبهة للمواجهة بصرف النظر عن المشروع الوطني العراقي. وعلى رغم عدم خروج المؤتمر بقرارات واضحة عن سبل حل الازمة السياسية ثم اتفاقه على عقد مؤتمر آخر في بغداد نهاية شباط فبراير 2006، إلا ان اجتماع الاطراف العراقية على طاولة واحدة وحصول المؤتمر على دعم دولي وعربي ومحلي منقطع النظير فتح بوابات للامل في شأن الوضع في العراق واثر إلى حد بعيد في ضمان مشاركة شعبية واسعة اعلنت معظم المجاميع المسلحة العراقية عدم معارضتها لها في تطور لافت دعم محاولات التصنيف على اساس وجود مجموعات مسلحة تحمل اجندة"مقاومة مشروعة". محاكمة صدام وجاءت محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وسبعة من معاونيه عن حادثة قتل جماعية واعتقال لأهالي الدجيل عام 1982 في خضم كل تلك الاحداث لتضيف المزيد من الجدل العراقي المستمر الذي تجسد هذه المرة على شكل مظاهرات واراء تندد بالمحاكمة وتستلهم من خطابات صدام النارية في المحكمة منطلقاً لها ومظاهرات وآراء اخرى تطالب باستعجال اعدام صدام ومعاونيه وتعتبر المحاكمة مهزلة خدمت الرئيس السابق بدل ان تدينه. لكن الاهتمام بالمحاكمات التي استمرت لسبع جلسات شهد خلالها 13 شاهداً وابرزت الاخ غير الشقيق لصدام برزان ابراهيم الحسن عبر مجادلات ومداخلات اثارت الاهتمام قبل ان يؤجل القاضي الكردي رزكار محمد امين الجلسات حتى الرابع والعشرين من كانون الثاني يناير الجاري. ونسي العراقيون ازاء تواتر الاحداث مجريات المحاكمة ليهتموا بالانتخابات النيابية التي شارك فيها 11 مليون عراقي من مجموع 15 مليون يحق لهم التصويت وكشفت نتائجها الاولية تفوق قائمة الائتلاف الشيعية على باقي القوائم ما اثار استياء قوائم اخرى فاعترضت على النتائج الاولية معتبرة ان عمليات تزوير واسعة جرت في جميع مدن العراق وخصوصاً المدن الشيعية لصالح كتلة الائتلاف واغلق عام 2005 ابوابه من دون ان يغلق ملف نتائج الانتخابات التي تنتظر لجنة خاصة من الاممالمتحدة للبت بها اوائل الشهر المقبل.