على رغم أنظمتها السياسية المختلفة بعضها عن بعضها الآخر، يجمع وضع اجتماعي وسياسي واقتصادي واحد بين فرنساوإيطالياوألمانيا، أي بين بلدان هي ركيزة البناء الاوروبي. فهذه البلدان تمر بمرحلة انتقالية تعيد النظر في السياسات الاقتصادية ومكتسبات دولة الرعاية التي مر عليها الزمن. وبصرف النظر عن النتائج النهائية للانتخابات الألمانية، تشير القرائن الى انقسام اليسار الألماني. وهو انقسام متجذر في الواقع الاجتماعي. ويضمن نظام النسبية الانتخابية الألماني بقاء اليسار الجديد، وازدهاره إلى حد ما. فالانقسام في اليسار الالماني قوي وثابت، وهو يمتد الى حزب الخضر. وليس اليمين الالماني أقل انقساماً من اليسار. فأنجيلا مركيل هي مرشحة في منزلة بين منزلتين: يمين ليبرالي يرغب في ثورة ثاتشرية نسبة الى رئيسة وزراء بريطانيا السابقة في ألمانيا من جهة، ويمين محافظ اجتماعياً وتواق الى نموذج اقتصاد سوق اجتماعي يتوافق مع نموذج اليسار الاجتماعي الليبرالي. ويسع ممثلة ناخبي الشرق الالماني هذه، والضعيفة الصلة بأجواء أرباب العمل وحاجاتهم، الجمع بين شمال ألمانيا"الانغلو سكسوني"وجنوبها"الكاثوليكي الاجتماعي". وإذا لم تفز انجيلا مركيل، يتوقع أن يميل أمثال ادموند شتويبر، رئيس اليمين البافاري، الى الانكفاء في مناطقهم. ويؤدي عجز اليسار الفرنسي عن ضبط نزاعه الداخلي الى ظهور انقسام مماثل لانقسام اليسار الالماني. وقد تؤجل جهود السياسي الفرنسي لوران فابيوس في سبيل الاستمرار في اعتماد نهج فرانسوا ميتيران الرئيس الفرنسي السابق الوحدوي في الستينات والسبعينات ، عملية الانقسام هذه. وينجرف اليسار انجرافاً عاصفاً الى نموذجين فكريين غير متلائمين. وكانت إيطاليا السباقة في اختبار انقسام اليسار مع تغير الحزب الشيوعي، في مطلع التسعينات، ونشأة حركة"ريفونداشيوني"حركة إعادة التأسيس الشيوعية. وتشهد ايطاليا انقساماً مماثلاً في صفوف اليمين. فخلفاء سيلفيو برليسكوني يقتربون أكثر فأكثر من أعدائهم القدماء، اي عصبة الشمال، في حين أن مناصري فيني وزير الخارجية الايطالي جيافرانكو فيني، وهو عضو سابق في الحركة الايطالية الفاشية المنحلة، والديموقراطيين - المسيحيين ينحون الى الاجماع على رفض برنامج برليسكوني لاقتصاد الشركات الصناعية والمالية الكبيرة. ويشبه التغير في هذه الجمهوريات الاوروبية عمليات التطور المتنوعة والمختلفة التي تشهدها بلدان اخرى على غرار روسيا والصين واليابان وأميركا اللاتينية وايران. فالنزاع يدور بين مناصري العولمة ومناهضيها. وتعود خصوصية هذ البلدان الاوروبية الى قدرة الاشتراكية - الليبرالية اليسارية على فرض أفكارها واستراتيجياتها على اليمين المحافظ. وهذا هو ثمن انقسام اليسار. عن ألكسندر ادلر، لوفيغارو الفرنسية، 13/9/2005