مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر القراءة الإيديولوجية للتاريخ والجغرافيا . الخليج الذي لم يعد فارسياً !
نشر في الحياة يوم 14 - 08 - 2005

يعطي السياسيون والاستراتيجيون اهمية كبرى لأسماء الأمكنة او الحيزات Espaces الجغرافية. وفي رأي ميشال فوشيه"ان الخلافات الجيوبوليتيكية تبدأ بخلافات ألسنية". ويتساءل:"ماذا نسمي الخليج مثلاً؟". فالتسمية ليست صدفة وإنما ترتبط عادة باعتبارات جغرافية وتاريخية وقومية وجيو - استراتيجية. وطالما ادت الى نزاعات سياسية او حربية أو"قاموسية"بين جانبين لهما تمثلات Representations مختلفة حول المكان ذاته. فهل ان الذراع المائية الواقعة بين ايران وشبه الجزيرة العربية تدعى: الخليج الفارسي، ام الخليج العربي، ام الخليج الإسلامي، ام الخليج الدولي، ام الخليج فقط ومن دون صفة، ام الخليج العربي ? الفارسي؟ ولماذا؟
هذه الإشكالية اثارت جدلاً علمياً في اوائل هذا العام، لكنه جدل قديم وسيستمر في المستقبل. فقد وضعت مجلة"ناشيونال جيوغرافيك"، وهي الأشهر في الولايات المتحدة، اسم"الخليج العربي"تحت اسم"الخليج الفارسي"في اطلسها الجديد. وأشارت الى الخلاف على الجزر الثلاث بين ايران ودولة الإمارات العربية واعتبرت"ان طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى محتلة من ايران وتطالب الإمارات العربية بالسيادة عليها".
اقام هذا الأمر ايران ولم يقعدها. فاتخذت اجراءات عقابية بحق المجلة ومارست مختلف الضغوط عليها فاضطرت المجلة الى الاعتذار وعادت فسحبت اسم الخليج العربي عن الأطلس وأزالت الإشارة الى الخلاف بين ايران والإمارات على الجزر الثلاث في الخليج.
كيف نقرأ هذه الحالة في الجغرافيا السياسية؟
ألا يمكن القول ان الخليج"الفارسي"لم يعد فارسياً بل صار عربياً ? فارسياً؟
وإلى أي حد يمكن الركون الى القراءة الإيديولوجية للتاريخ والجغرافيا؟
الخليج بالأرقام
الخليج هو حوض بحري مغلق يشكل امتداداً للمحيط الهندي عبر بحر العرب. تحده ايران شرقاً والعراق والكويت شمالاً وشبه الجزيرة العربية غرباً. ويتصل ببحر العرب خليج عُمان بواسطة مضيق هرمز. طول الخليج حوالى 570 ميلاً 917 كلم وعرضه يختلف بين الشمال الغربي 125 ميلاً أي 201 كلم والجنوب الشرقي حوالى 275 ميلاً أي 443 كلم. تبلغ مساحته نحو 230 ألف كلم2. متوسط عمقه 35 متراً ويصل في اقصاه الى 100 متر قرب هرمز حيث يبلغ عرض المضيق نحو 60 كلم وطوله 154 كلم. وأعمق اقسامه يقع ناحية السواحل الإيرانية بحيث ان البواخر التي تزيد حمولتها على خمسة آلاف طن لا تستطيع الاقتراب من السواحل العربية اكثر من 8 كيلومترات. جوه جاف وقد تصل درجة الحرارة فيه الى 50 درجة مئوية، خصوصاً عندما تهب عليه الرياح الجنوبية الحارة خلال الصيف، فتؤدي الى ارتفاع كبير في درجة الرطوبة.
توجد داخل الخليج عشرات الجزر نحو 130 من اهمها: البحرين وبوبيان ووربه وفيلكه وأبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وهي اقرب الى الشاطئ العربي من الخليج. كما توجد جزر اقرب الى الشاطئ الإيراني، مثل كيش ولافان وهنغام ومسندم وسواها. ويبدو واضحاً من الأسماء ان بعضها عربية اسماء عربية وبعضها ايرانية اسماء فارسية بحيث تتحدد هويتها في ضوء اسمائها. علماً ان جزيرة البحرين هي دولة مستقلة، وجزر بوبيان ووربه وفيلكه هي جزء من دولة الكويت.
وتظهر المعطيات الجغرافية والديموغرافية للدول الثماني التي تحيط بالخليج جدول رقم 1 وهي ايران والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية والعراق وعُمان وقطر والكويت الأمور الآتية:
1- ان مجموع مساحتها هو 4.546 مليون كلم2، تشكل ايران نسبة 35 في المئة منها والدول العربية 65 في المئة.
2- اما بالنسبة الى عدد السكان فهو 121.528 مليون نسمة فيشكل سكان ايران نسبة 54 في المئة من السكان في حين يبلغ الدخل الفردي في ايران 1730 دولاراً قياساً الى الدخل الفردي المرتفع لدى دول الخليج ما عدا العراق لأسباب معروفة وهو معدل في حدود 11745 دولاراً.
3- يبلغ المجموع العام لطول الساحل على الخليج نحو 3300 كلم، حصة ايران منها نحو الثلث.
4- هناك دولة واحدة غير عربية واقعة في شرق الخليج ايران في مقابل تعدد دولي عربي في غرب الخليج 7 دول عربية. والوحدة والتعدد لهما معناهما الجيو - سياسي، وبالتالي انعكاسهما على اوضاع الخليج في هويته وانتمائه وأمنه والهيمنة عليه.
إيران والخليج الفارسي
تصر ايران، بمختلف عهودها، من الشاهنشاه الى الجمهورية الاسلامية، على تسمية الذراع المائي بپ"الخليج الفارسي". وفي كل مرة قامت مؤسسة ما، جغرافية او سياسية او علمية او عسكرية او أممية هيئة الأمم باستخدام تسمية أخرى للخليج، من مثل الخليج العربي، أو الخليج فقط من دون صفة، او الخليج العربي ? الفارسي، كانت تقوم قيامة المسؤولين الايرانيين، السياسيين والأكاديميين والاعلاميين، فيقدمون الاحتجاجات، ويقومون بالاجراءات العقابية بحق أولئك الذين"يوجهون صفة الى تراث وجه ايران وتاريخها وجغرافيتها وإرثها الفارسي". وأكثر من ذلك، كما رأت صحيفة"طهران تايمس"، فإن"الجمعية الوطنية للجغرافيا"التي تصدر مجلة"ناشيونال جيوغرافيك"، وهي المرجع الرئيسي للجغرافيا في الولايات المتحدة، فإنها اذ تضع اسم الخليج العربي تحت اسم الخليج الفارسي بين مزدوجين وبحروف أصغر، فإنها"بتأثير من اللوبي الصهيوني، وبدولارات النفط من بعض الحكومات العربية قررت تشويه واقع تاريخي لا يمكن نكرانه".
لقد اعتبر المسؤولون الايرانيون ذلك"مؤامرة صهيونية لشق صفوف المسلمين"، فبادرت الحكومة الايرانية الى اتخاذ اجراءات تمنع بموجبها الجمعية الوطنية للجغرافيا من بيع مطبوعاتها وخرائطها في ايران. كما منع أي مندوب من قبلها بدخول الاراضي الايرانية. وزاد في الطين بلة ان الجمعية اشارت في اطلسها الجديد الى النزاع المستمر بين ايران ودولة الامارات العربية على الجزر الثلاث التي احتلتها ايران عام 1971، زمن الشاه، وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وعبثاً حاولت الجمعية ان تشرح اسباب زيادة صفة"الخليج العربي"الى الخليج الفارسي، بأن هناك من يعرف الذراع البحرية بالخليج العربي. ولا بد من التفريق بينها وبين بحر العرب القريب منها والواقع بين مضيق هرمز والمحيط الهندي. لكن الايرانيين ليسوا مستعدين لسماع أي تبرير. لأن اسم الخليج الفارسي، في وعيهم ولا وعيهم العقلي/ العاطفي، إنما يمثل المشاعر القومية لدى الايرانيين، بل هناك من يقول انه"صار جزءاً لا يتجزأ من الهوية القومية الايرانية"، وهي هوية مركوزة وثابتة لديهم لم تضعفها او تلغها الهوية الاسلامية!
وتعمد الأوساط الايرانية الى استنطاق التاريخ لتبرر من خلاله مشروعية تسمية"الخليج الفارسي"من دون غيرها:
فهذه التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الامبراطور داريوس 831-486 ق.م وهو من الأسرة الاخمانية الفارسية في كلامه"على البحر الذي يربط بين مصر وفارس".
وهناك من يرى ان الاسكندر الأكبر هو اول من اطلق تسمية"الخليج الفارسي"بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق. م. وقد عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي فلم يتعرف الى الجانب العربي من الخليج.
اليونان استخدموا تسمية"الخليج الفارسي"Persicos Sinos، وكان منهم الجغرافي اليوناني المشهور سترابون Strabon الذي تحدث عن"ان العرب يعيشون في منطقة واقعة بين البحر الأحمر والخليج الفارسي". ويعتبر الايرانيون ان شهادة سترابون ذات صدقية كبرى لهم لأنها تأتي من جغرافي مشهور أوروبياً وعالمياً وليس ايرانياً.
وحتى الرحّالة العرب في القرون الوسطى أشاروا في كتاباتهم الى"بحر الفرس".
في العصر الحديث أقرّت وزارة الخارجية الاميركية استخدام تسمية الخليج الفارسي في وثائقها الرسمية منذ العام 1917.
والأمم المتحدة تستخدم في وثائقها تسمية"الخليج الفارسي".
ومن المعروف ان اسم الخليج الفارسي هو الاسم القديم المتعارف عليه لهذه الذراع البحرية بين ايران وشبه الجزيرة العربية. ولا تزال هذه التسمية غالبة عليه في المراجع الغربية، خصوصاً لدى اسرائيل!
العرب والخليج العربي
في مقابل الطروحات الفارسية، هناك طروحات عربية تؤكد عروبة الخليج وترى ان اسم الخليج الفارسي"بقي متداولاً بطريق التواتر"عن الغرب.
- المؤرخ الروماني بليني Pliny 62-113م يسمي الخليج باسمه حين يتحدث عن"مدينة خاركس المحمرة التي تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي".
2- المؤرخ الانكليزي رودريك أوين"زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه خليج فارسي لأنه لم ير على الخرائط سوى هذا الاسم وقال:"ان الحقائق والانصاف يقتضيان بتسميته الخليج العربي". وسمى كتابع بهذا الاسم"وثائق الخليج العربي". وهناك من يدافع عن النظرية القائلة ان العرب أقاموا على شاطئ الخليج العربي والشرقي ويعطون عربستان في ايران نموذجاً لذلك.
العثمانيون و"خليج البصرة".
منذ بداية القرن العشرين، خصوصاً منذ اكتشاف النفط في المنطقة العربية، بدأ تحوّل عربي وغربي في النظرة الى الخليج وتحديداً الى موضوع التسمية. فلم تعد تسمية الخليج الفارسي لتعبر عن واقع الخليج نظراً الى التحولات السياسية والاقتصادية والدولية التي أصابت الشاطئ الغربي منه. ونظراً الى النهوض العربي السياسي والقومي والاقتصادي والدولاتي Etatique على الضفة الثانية. وكان ممثل بريطانيا في الخليج في الثلاثينات شارل بلدريك اول من دعا وقال:"ان العرب يفضلون تسمية هذا البحر بالخليج العربي". ولاقت هذه التسمية صدى في مختلف المطبوعات في العالم العربي، فاستبدل الخليج الفارسي، بالخليج العربي.
مؤتمر الأدباء العرب المنعقد عام 1959 في القاهرة أقر تسميته بالخليج العربي، ثم جعلت الحكومة العراقية هذه التسمية رسمية.
وزارة الدفاع الأميركية منذ الثمانينات، وبعد بروز الجمهورية الاسلامية وبدء الحرب العراقية ? الايرانية باستخدام اسم"الخليج العربي"في وثائقها وعلى خرائطها.
هناك من يدافع عن تسمية الخليج العربي باعتباره حدود العالم العربي الشرقية وطول شاطئه العربي يساوي ضعفي الشاطئ الايراني على الضفة الشرقية راجع جدول رقم 1
الخليج العربي- الفارسي!
لماذا هذا الصراع بين العرب والايرانيين على تسمية الخليج؟ وهل الخلاف هو مجرد خلاف لفظي؟ وما هي التسمية العلمية الصحيحة التي تعبّر عن واقع الخليج الآن سياسة وهوية وانتماء؟ ولماذا؟
يقول ميشال فوشيه صاحب كتاب"تخوم وحدود"Fronts et Frontieres ان تسميات الامكنة مهمة في الجيوبوليتيك. فهناك أهمية كبرى للتمثلات أي للطريقة التي تسمي بها الشعوب او السياسيون او الاستراتيجيون الحيز الجغرافي. فالخلافات الجيوبوليتيكية عادة ما تبدأ بخلافات ألسنية". ويتساءل فوشيه: ماذا نسمي الخليج مثلاً؟ ويجيب:"في القرن الثامن عشر كان اسمه في اوروبا الخليج الفارسي، وهي تسمية تعكس الغلبة الايرانية على الامارات. اما اليوم فإن اسمه اصبح الخليج العربي - الفارسي، وايران أرادت لفترة ان تسميه الخليج الاسلامي. اذاً التسمية ليست مجرد صدفة".
وفي تحليله لاوضاع آسيا الغربية، يعرض فوشيه ايضاً لتسمية الخليج فيرى ان الخليج الذي سمي الخليج الفارسي بسبب النفوذ القوي والتاريخي لايران وجد دعماً من الاستراتيجية الأميركية زمن الشاه القائمة على دعم الشاه وجيشه لتحقيق الأمن الاقليمي في حماية النفط، ومع ذلك فرضت ضفة الخليج الغربية الآن عليه تسمية جديدة هي"الخليج العربي - الفارسي". حتى ولو كان الشاه قد استصدر توصية من الامانة العامة للأمم المتحدة عام 1971 باستخدام مصطلح"الخليج الفارسي".
وتجنباً لإثارة الحساسية، سواء تجاه الايرانيين أم تجاه العرب، خصوصاً من جانب الجهات والدول والشركات التي لديها مصالح كبرى في الخليج نفطية خاصة حاولت كل منها ان تجد مخرجاً فكانت هناك ثلاثة اقتراحات: إما استعمال لفظة الخليج من دون صفة معها، وإما استعمال تعبير"الخليج الاسلامي"لوجود كتلتين اسلاميتين حوله، وأما استعمال تعبير"الخليج الدولي"نظراً الى أهميته الدولية.
الا ان العديد من الأطالس والمراجع الجغرافية الأوروبية بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين باستخدام التعبير العلمي التاريخي - الجغرافي المتوازن وهو"الخليج العربي - الفارسي"موسوعة أونيفرساليس هاشيت ومعظم الموسوعات الأوروبية. هذا التحول في الجغرافيا السياسية للخليج لم يكن تبسيطاً للأمور بل جاء نتيجة لعوامل جيو - سياسية نظراً الى اهميته الاستراتيجية كبحيرة نفطية تتحكم بمصالح الدول الكبرى والعالم وهو موضوع قائم بذاته لا نعرض له هنا.
وينبغي الاعتراف، بداية، بأن ايران كانت، منذ ما قبل الميلاد، دولة كبرى في التاريخ واستمرت كذلك على فترات متقطعة منذ زمن قورش. هذا على الجهة الشرقية من الخليج حيث السلطة الامبراطورية والناس. أما في الجهة الغربية من الخليج فلم تقم دولة امبراطورية وكان عدد الشبان قليلاً بسبب البيئة الصحراوية. ولم يتحرك شبه الجزيرة الا مع بزوغ الاسلام فكان التفاعل عبر الشام والعراق باكثر مما كان عبر بيئة الجزيرة. هذا الخلل التاريخي - الجغرافي الديمغرافي - الحضاري العسكري بين شرق الخليج وغربه هو الذي منح الجانب الايراني هيمنته على الخليج.
وباختصار ليس الخلاف بين العرب والايرانيين مجرد خلاف لفظي/اسمي وانما هو خلاف يعكس صراعاً سياسياً وقومياً ذا أبعاد ومضامين استراتيجية، خلاصتها من له الهيمنة على الخليج، على مياهه وجزره ونفطه ومواقعه الاستراتيجية وأمنه وثرواته. ان تسمية"الخليج العربي"هي رد سياسي واستراتيجي على تسمية"الخليج الفارسي". وهي تأكيد بأن الهيمنة الفارسية"التاريخية"على الخليج قد انتهت. بل ينبغي ان تتوقف عند حدود معينة هي حدود المصالح العربية في الخليج. فايران لا تستطيع ان تكون الوريث الوحيد للهيمنة البريطانية على الخليج حتى ولو قامت باحتلال الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى عام 1971، أي بعد انسحاب بريطانيا من الخليج. فقبل ذلك في المؤتمر الدولي حول السلاح عام 1925، رفض المشاركون طلب ايران باعتبار مياه الخليج مياهاً خاصة بهم واعتبروها"جزءاً من المياه الدولية".
لقد ترافق النهوض العربي السياسي والاقتصادي خصوصاً النفطي في دول شبه الجزيرة العربية والمشرق العربي ووادي النيل مع صعود بارز وواضح لتيار القومية العربية منذ زمن عبدالناصر في بداية الخمسينات فزاد هذا الامر من حدة الصراع السياسي والاستراتيجي بين العرب والشاه، وبالتالي زاد من حدة الانقسام عربي/ فارسي. ولم تعد لايران القدرة، كما في السابق، على الاستئثار بوضع الخليج لا فعلياً ولا"اسمياً". وبات عليها ان تأخذ الواقع الجديد في الاعتبار وأن تعترف بأنها ليست وحدها المسؤولة عن أمن الخليج. وليست وحدها من يحدد هوية الخليج، فالخليج لم يعد فارسياً. بل صار عربياً - فارسياً. هذا هو منطق العلم مبنياً على الجغرافيا والتاريخ في آن!
يبقى سؤال أساسي يصعب على الايرانيين قبوله وهو: هل تتغيّر أسماء الأمكنة حتى ولو كانت أسماء تاريخية؟ والجواب الذي وضعه الفرنسي فوشيه والكثير من الدوائر الغربية هو: نعم. وهذا ما حصل للخليج وما حصل لغيره من الأماكن.
فالبحر الواقع بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأدنى كان يُعرف عبر التاريخ بالقوى المحيطة به التي كانت تهيمن عليه: ملاحياً وتجارياً ونفوذاً.
فقد كانت بحيرة فينيقية ثم أصبح بحيرة يونانية فسمي"بحر الروم"ثم تحول الى بحيرة رومانية Mare Nostrum. ومع تعدد القوى الدولية حوله من عثمانية وبريطانية وفرنسية وروسية وجدوا أن أفضل تسمية له من حيث الموقع هي"البحر الأبيض المتوسط".
نموذج ثان في الذراع المائي بين بريطانيا وفرنسا. فقد كان الانكليز ولا يزال بعضهم يتمسك شأن الايرانيين بتسميته"بالقنال الانكليزي"وذلك تحت تأثير الأسطول البريطاني العظيم والهيمنة البريطانية على البحار البعيدة، فكيف بها على البحار القريبة من شواطئ انكلترا؟ على أن هذه التسمية سقطت، بل أسقطت، بفعل التوازن الأوروبي البريطاني - الفرنسي وصار يدعى بحر المانش المتصل ببحر الشمال عبر مضيق كاليه.
ان ردود الفعل الايرانية حول تسمية الخليج، الماضية والحاضرة واللاحقة، تؤكد ان لدى الايرانيين قراءة ايديولوجية مقفلة للجغرافيا وللتاريخ. وهذا أمر مثير وخطير. ان نفوذ الأمم لا يبقى كما هو طوال التاريخ بل يخضع للتحولات الجيو-سياسية. ولا بدّ من قراءة صحيحة وعقلانية لهذه التحولات كي لا تتجمد النظرة السياسية عند حدود جغرافية معيّنة. لقد كان اسم الخليج لدى الكثير من المراجع الغربية"الخليج الفارسي". لكن التحولات الكبرى التي شهدتها الضفة العربية من الخليج عدّلت جغرافياً وبشرياً وسياسياً وتاريخياً من هذا الواقع وأعطت العرب حقهم العادل في مثل هذه التسمية، فلم يعد الخليج فارسياً فقط.
يقول أرنولد توينبي:"من الضروري أن تكون لدينا نظرة شاملة الى التاريخ الذي تتلاحق أحداثه بسرعة". هذا يعني ضرورة أن يأخذ الايرانيون والعرب بالحقائق التاريخية القديمة والحديثة. فلا يأخذ الايرانيون بالقديمة ويهملون الحديثة، ولا يأخذ العرب بالحقائق الحديثة ويهملون القديمة، لأن التاريخ بالنسبة اليهما خط متواصل. هذا يعني ضرورة تجاوزهما المكتسبات الضيّقة للصراعات المذهبية والحزبية والايديولوجية. وصراع الأنظمة والقوميات بين شرق الخليج وغربه.
انهما بحاجة الى رؤية تاريخية ترى الخليج من فوق، ولا تغرق في مستنقعات الماضي والمماحكة حتى ولو كانت مستنقعات الخليج مليئة بالنفط والدولار والذهب واللؤلؤ والمرجان!
وهي رؤية مطلوبة على جانبَي الخليج.
* كاتب لبناني في الشؤون الاستراتيجية.
دول الخليج: معطيات جغرافية وديموغرافية واقتصادية
عدد السكان الدخل القومي معدل وسطي طول الساحل نسبته
المساحة كلم2 2003 مليون 2003 الدخل الفردي على الخليج المئوية %
مليار دولار 2003 دولار كلم
ايران 1633190 65.54 114.58 1730 1021 31
الإمارات 83600 3.784 66.32 16410 675 20.4
البحرين 690 0.698 7.58 10650 161 4.8
السعودية 2149690 21.886 190.02 8435 476 14.4
العراق 438320 24.174 18.21 740 58 1.7
عُمان 212460 2.538 19.95 7680 82 2.5
قطر 11000 0.610 13.64 21860 328 9.9
الكويت 7820 2.328 39.15 16440 499 15.3
المجموع 4546770 121.528 469.45 10493 3300 100$
المصدر: ATLASECO-2005 Nouvel Observateur
عبد الجليل زيد مرهون: امن الخليج - دار النهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.