أذكر مرة ان الكاتب الليكودي النجس وليام سافاير كتب في"نيويورك تايمز"معارضاً التركيز على الأخبار السيئة من العراق، وقال ان هناك اخباراً طيبة، ففي كل يوم يقتل الأميركيون من جيش المهدي عشرات الرجال. لا أجد قتل أي انسان خبراً مفرحاً، وعندي اليوم اخبار مفرحة تضم اشياء كثيرة غير القتل، فقد فرحت يوماً عندما تقاعد سافاير من العمل وتوقف عن نفث سمومه في جريدتي المفضلة. كما فرحت عندما سقطت بربارة امييل مع زوجها كونراد بلاك عن عرش مجموعة"التلغراف"البريطانية العريقة، وفي الأسابيع والأيام الأخيرة وجدت اسباباً جديدة للسعادة اريد ان يشترك القارئ بها معي. الصديق محمد البرادعي فاز بجائزة نوبل للسلام، وهو سبب كاف للفرح، إلا ان فوزه اعطاني سبباً مضاعفاً، فهو فاز على رغم انف ادارة بوش، وتحديداً كان فوزه صفعة لأمثال جون بولتون، السفير الأميركي لدى الأممالمتحدة الذي حاول منع فوزه برئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرة ثالثة وفشل. وليس هذا رأيي وحدي كعربي وصديق، فأمامي عنوان خبر في صحيفة بالإنكليزية يقول عن الدكتور البرادعي: الرجل الذي تحدى جورج بوش وانتصر. وكنت أعتقد ان اساطين لجنة جائزة نوبل اعطوني ومحمد البرادعي حقنا من السعادة، عندما وجدت انهم أكملوا باختيار الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بينتر لجائزة نوبل للأدب. أقيم في لندن منذ 30 سنة، وقد حضرت عدداً من مسرحيات بينتو، إلا ان فوزه في دفتري الخاص كان سياسياً اكثر منه ادبياً، وبينتر مشهور بمواقفه الحادة في العداء لأميركا، حتى انني اشعر بأن من المستحيل ان يكون السويديون غافلين عنها وهم يمنحونه جائزة الأدب. بينتر يعتقد ان اميركا تحاول السيطرة على العالم، وهو يعارض في شكل خاص ما يرى انه محاولاتها السيطرة على اوروبا. وقد قال عشية الحرب على العراق:"ان المستر بوش وعصابته مصممون ببساطة ان يسيطروا على العالم وعلى موارده. وهم لا يهتمون ابداً بعدد الناس الذين سيقتلونهم لتحقيق هذا الهدف". لو قال محمد البرادعي مثل هذا الكلام او قلته انا لاتهمنا بدعم الإرهاب، غير ان بينتر يقوله كل يوم ثم يفوز بأرفع جائزة ادب في العالم. وكان فاز بالجائزة نفسها قبل ثماني سنوات الكاتب المسرحي الإيطالي داريو فو، ورأيه في بوش وتوني بلير من رأي بينتر، وقد كرره قبل يومين بكل صراحة. جورج بوش يجد نفسه هذه الأيام في"بيت الكلب"داخلياً وخارجياً. وهو كان أقنع اميركيين كثيرين بحجج الحرب على العراق، ثم افاق الأميركيون على الكذب والتزوير والتلفيق، وتراجعت شعبية الرئيس تدريجاً، حتى ان آخر استطلاع للرأي العام يسجل له رقماً قياسياً آخر في تدني الشعبية فلا يؤيده سوى 39 في المئة من الأميركيين. وفي المقابل يبدي 58 في المئة من الأميركيين شكاً في نزاهته، وهو رقم زاد 13 في المئة خلال الشهور الثمانية عشر الماضية. يسعدني والقارئ ان تدفع الإدارة الأميركية ثمن ما اقترفت في العراق، وستكتمل السعادة عندما تحاكم العصابة الليكودية التي خططت للحرب، ودبرت لتبريرها اسباباً مزورة، وهي تعتقد انها لن تضبط، فتناست المقولة الأميركية انك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت. والرئيس بوش يدفع الآن من صدقيته وشعبيته ثمن وضعه ثقته في غير محلها، فمع تدني شعبيته في الداخل، نجد ان العداء للولايات المتحدة ولسياسة ادارته في الخارج يتجاوز كثيراً العرب والمسلمين. وإذا كان هارولد بينتر يمثل المثقف الأوروبي، فإن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ولاعب الكرة الأرجنتيني مارادونا قادا التظاهرات الشعبية ضد الولاياتالمتحدة ورئيسها على هامش قمة الأميركتين في بلدة مار ديل بلاتا الساحلية في الأرجنتين. اريد ان اكون واضحاً: لا يسعدني العداء للولايات المتحدة او رئيسها، وإنما تسعدني معارضة سياستها الخارجية، فنحن معشر العرب والمسلمين اكتوينا بهذه السياسة قبل غيرنا، إلا انها سياسة مكروهة في كل مكان، ولغير اسباب العرب والمسلمين، وشافيز ترأس"قمة مضادة"ولقي استقبالاً شعبياً حافلاً، كما ان مارادونا زاد من شعبيته بإبداء العداء لأميركا، إلا ان كلماته كانت احياناً قاسية، وأحياناً مقذعة، فلا أنشر شيئاً منها هنا. وتهون مشاكل جورج بوش الأسبوع الماضي مع مشاكل توني بلير، وعندي اسباب للشماتة والسعادة، فأنا أعترف بأن رئيس الوزراء البريطاني خدعني، مع انني كنت أعتقد نفسي أذكى من ان اخدع، وأنني كما قال الإمام علي"لست بخبٍّ والخب لا يخدعني". مع ذلك، اعتقدت يوماً ان توني بلير سياسي اخلاقي وإنساني، وأنه صادق مع نفسه ومع الناس، ثم جاءت الحرب على العراق واكتشفت ان الأمبراطور البريطاني من دون ثياب. ثبت الآن ان بوش وبلير بدآ التخطيط للحرب قبل سنة من آذار مارس 2003، أي ان كل ما سمعنا عشية الحرب كان كذباً متعمداً، ثم تسربت معلومات من داخل مقر رئيس الوزراء تقول ان بلير شعر"بنشوة"وهو يرسل الجنود البريطانيين الى الحرب. الأخبار لم تنف، ولا أحترم احداً يحب الحرب، وأنتظر ان يدفع توني بلير ثمن موقفه من تدمير العراق، فالتحقيق الأميركي الحالي مع اركان الإدارة حول تسريب اسم عميلة استخبارات انتقاماً من زوجها خلفيته معلومات مزورة عن شراء العراق يورانيوم من النيجر كانت قد وردت في ملف الاستخبارات البريطانية، ووقعت فيها ادارة بوش، ويبقى ان تقع حكومة بلير، لذلك دعا الصحافي البريطاني بيتر ماكاي الى معاقبة الكاذبين البريطانيين عن العراق. عناوين الصحف البريطانية تغني عن أي شرح: - الأسبوع الذي فقد فيه بلير سيطرته. - هل فقد بلير سيطرته؟ - يوم الكوارث لبلير: بلنكت استقال، وتراجع عن قرارات الإرهاب. - بلنكت يستقيل في يوم الجحيم لبلير. - ما فائدة توني بلير؟ - وأختتم كما بدأت بسبب"فكري"للسعادة هو فوز نوعام تشومسكي، استاذ اللغات اليهودي ونصير الفلسطينيين ضد التطرف الإسرائيلي، بجائزة اعظم مفكر في العالم، من مجلة"بروسبكت". تشومسكي يعتبر ان كل رئيس اميركي منذ الحرب العالمية الثانية ارتكب جرائم حرب فلا أزيد.