يُتوقع ان يكون الأسبوع الجاري حاسماً في شأن جهود تسوية قضية الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني المدانين في ليبيا بتهمة نشر الفيروس المسبب لمرض الإيدز بين أطفال في مستشفى بنغازي عام 1997. وتُركّز الجهود على ايجاد حل"إنساني"لقضية الممرضات والضحايا الليبيين وذويهم قبل موعد جلسة المحكمة العليا الليبية في منتصف الشهر الجاري لبت استئناف البلغاريات والفلسطيني في حكم الإعدام الصادر ضدهم. وعلمت"الحياة"ان لقاء ثلاثياً عُقد أمس في لندن لدرس سبل تسوية هذه القضية بحضور ممثلين عن بلغاريا وليبيا والاتحاد الأوروبي الذي ترأسه بريطانيا حالياً. وتنطلق جهود الحل من مبدأ"ان القضية إنسانية وتتطلب حلاً إنسانياً". فالضحايا الليبيون الذي أصيبوا بمرض الإيدز يبلغ عددهم نحو 400 بين طفل وأم وتوفي منهم حتى الآن نحو 40. وهؤلاء يحتاجون الى حل يأخذ في الاعتبار ضرورة تعويض ذوي المتوفين منهم وتأمين الرعاية الطبية اللازمة لبقية المصابين. أما الفلسطيني والممرضات البلغاريات الخمس فإن قضيتهم أيضاً تحتاج"حلاً إنسانياً"لتجاوز حكم الإعدام الصادر في حقهم والذي يمكن ان تثبته المحكمة العليا الليبية الأسبوع المقبل، أو تُرجىء إصدار قرار الى توقيت آخر. ويحاول المشاركون في جهود حل هذه القضية تجاوز"عقبة"من يتحمل المسؤولية. فالليبيون يرفضون التشكيك في نزاهة قضائهم ويتمسكون بأن حكم الإعدام الصادر على البلغاريات والفلسطيني صدر بناء على أدلة تدينهم. ويرفض البلغاريون، في المقابل، الإقرار بصحة التهم الموجهة الى الممرضات، ويجادلون بأن مرض الإيدز انتشر بين الأطفال في المستشفى بسبب الإهمال وليس نتيجة قيام الممرضات بحقنهم عمداً، كما يقول الليبيون، بفيروس الأيدز. كذلك يقول البلغاريون ان الممرضات عذّبن لانتزاع اعترافات منهن. وقال مصدر مطلع ان ممثلي الاتحاد الأوروبي وليبيا وبلغاريا يبحثون حالياً في سبل"اختراق جدار"من يتحمّل المسؤولية عن هذه المأساة. وقد يتم ذلك من خلال عرض الاتحاد الأوروبي، من منطلق انساني ومن دون ان يعني ذلك إقراراً بذنب الممرضات أو خطأ القضاء الليبي، دفع"دية"للضحايا الليبيين والتكفل بالرعاية الطبية لبقية المصابين. وبمجرد حصول ذلك، يُتوقع ان تُقرر المحكمة العليا الليبية إسقاط حكم الإعدام عن المدانين وإحالة قضيتهم على محكمة أخرى للنظر في العقوبة التي يمكن ان تصدر ضدهم، وربما إعادتهم الى بلادهم لقضاء العقوبة، علماً ان البلغاريات والفلسطيني قضوا حتى الان 8 سنوات في السجن. وقال المحامي سعد جبار الذي شارك في السابق في جهود تسوية قضية لوكربي، ان أي حل لقضية الممرضات والطبيب وتعويض ذوي الضحايا الليبيين يجب ان ينطلق من مبدأ ان هناك مأساة انسانية لا يجوز تأخير حلها أكثر. وأضاف ل"الحياة"ان رئاسة بريطانيا الاتحاد الأوروبي حالياً تمثل فرصة جيدة للوصول الى تسوية، خصوصاً ان للبريطانيين خبرة طويلة اكتسبوها من مفاوضاتهم مع الليبيين لحل قضية تفجير طائرة ال"بان أميركان"التي انفجرت فوق لوكربي عام 1988 وأسفرت عن مقتل 270 شخصاً. ودان القضاء البريطاني الليبي عبدالباسط المقرحي في قضية تفجير الطائرة، وهو يقضي حالياً عقوبة بالسجن 27 سنة في سجن اسكتلندي يستأنف محاموه الحكم ضده. ودفعت ليبيا أكثر من بليوني دولار لذوي ضحايا الطائرة الأميركية، علماً انها كانت عرضت دفع 10 ملايين دولار لكل ضحية، لكن الجزء الأخير من المبلغ لم يُدفع لأنه كان مرتبطاً برفع الولاياتالمتحدة إسم ليبيا من قوائم الإرهاب، وهو ما لم يتم حتى الآن. وسألت"الحياة"المحامي جبار عن المبلغ الذي يمكن ان يطالب به الليبيون لضحايا الإيدز، فقال"ان لا مال يمكن ان يعوّض"الضحايا الذين ماتوا أو الذين يعانون مرض الأيدز. وأضاف ان المهم الآن وقف الحكم بالإعدام ضد الممرضات والطبيب وتقديم تعويض ملائم للضحايا والرعاية الطبية المناسبة للمصابين. وتابع ان الحل"يجب ان يبدأ بوضع آلية عملية تساعد في ايجاد تسوية نهائية تُرضي الأطراف المعنية كافة". وقال ان الحل قد يتم خلال رئاسة بريطانيا الاتحاد الأوروبي تنتهي نهاية السنة الجارية أو على الأقل تُوضع"أسس الحل"في فترة رئاسة البريطانيين للاتحاد. وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية البريطانية ل"الحياة"ان"المملكة المتحدة تدعم الجهود التي تسعى الى تحقيق إطلاق الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني. سنواصل حوارنا الناشط مع الليبيين للوصول الى هذه الغاية". ويمكن ان يسهّل حل قضية الممرضات والطبيب المشاكل التي تقف عائقاً أمام تحسين علاقات ليبيا بالغرب، وربما إزالة إسمها من قائمة الإرهاب الأميركية. وأعلن الأميركيون دعمهم الكامل لبلغاريا في قضية الممرضات، وقال الرئيس جورج بوش ان المطلوب من ليبيا إطلاقهن فوراً، وهو أمر أثار استياء الليبيين. وتقول مصادر مطلعة ان عائلات الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز باتت بمثابة"لوبي"فاعل جداً داخل ليبيا، ولم يعد في استطاعة السلطات، حتى ولو أرادت، تسوية قضية الممرضات ما لم تأخذ مصلحة ذوي الضحايا في الاعتبار.