تكاد تكون المظاهر الرمضانية في جميع مناطق اليمن متشابهة حيث تبدأ الاستعدادات لهذا الشهر في الايام الاخيرة من شهر شعبان، فتزدحم الاسواق بالناس لشراء المواد الغذائية معتقدين ان شهر رمضان لا يتحمل عناء البحث عن هذه السلع. وما ان يبدأ اليوم الاول من هذا الشهر الفضيل حتى تبدأ مظاهر الحياة بالتغيير تماماً، فتتحول حركة الحياة من النهار الى الليل وتبدأ الحركة في الشوارع في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حينما يبدأ الموظفون بالتوافد على مقار اعمالهم، إذ يكون عادة دوام العمل في شهر رمضان اربع ساعات فقط حيث ينتهي الثالثة بعد الظهر، وتشهد شوارع المدن اليمنية ذروة ازدحامها في الدقائق التي تسبق موعد اذان المغرب حيث يهرع الناس عائدين الى منازلهم للفطور بعد ان يكونوا قد قاموا بجولات أو كما يسميها الصنعانيون"الدورة"الى خارج المدن بسياراتهم و"الدورة"من الامور المألوفة في شهر رمضان حيث يصطحب رب الاسرة أهله بجولة قبل الفطور بينما تبقى النساء في المنازل لاعداد الفطور. يحرص اليمنيون ان يؤدوا صلواتهم في شهر رمضان في المساجد وتشهد المساجد حضوراً ملحوظاً منذ صلاة الظهر، ويعتكف البعض لتلاوة القرآن الكريم حتى قدوم صلاة المغرب، والكثير من الناس يتوجهون ومعهم فطورهم الاول الذي يوضع في الساحات الخارجية من المساجد... ويجلس الصائمون في دوائر صغيرة حول موائد الفطور المكون من التمور.. والسنبوسة.. والباجية.. والحامضة وهي خليط من الحلبة والليمون والخل والطماطم كما تكون ضمن وجبة الفطور"الشفوت"وهي وجبة يمنية مشهورة يتناولها اليمنيون في شهر رمضان، البعض يتناولها قبل صلاة المغرب، والبعض بعده. وجبة العشاء ويركز اليمنيون في وجبة العشاء التي يتناولونها عقب صلاة المغرب على اللحوم وبالذات لحوم الاغنام والخراف... والعجول... ويقل الطلب على لحوم الابقار غير انه في الفترة الاخيرة ونظراً الى ارتفاع سعر اللحم الضأن فإن الكثير من الأسر تضطر الى شراء اللحم البقري. ويكون بجانب اللحوم انواع اخرى من الاطعمة مثل"العصيد"وهي وجبة شعبية تتناولها معظم الأسر اليمنية وهي خليط من الماء والدقيق ويصب عليها المرق والسمن البلدي، وهناك وجبة شعبية يحرص معظم الناس على تناولها وخصوصاً في المناطق الشمالية من اليمن وهي"السلتة"وهذه الوجبة مكونة من الحلبة واللحم المفروم والتوابل واحياناً يخلط معها البيض، ولا يخلو منزل يمني في صنعاء وبعض المناطق الاخرى من هذه الوجبة الى جانب اصناف اخرى من الطعام. اما الحلويات فهي مادة اساسية ومهمة بعد العشاء ويزداد الاقبال على شرائها وتزدحم محال بيع الحلويات قبل المغرب بالكثير من المشترين وبعض الأسر تصنعها في المنزل. وأكثر انواع الحلوى شهرة"الرواني"... و"بنت الصحن".. والكنافة. بينما يركز سكان المحافظات الجنوبية والغربية وبخاصة تلك الواقعة على البحر في وجبة العشاء على الكبسة وهي مكونة من الرز واللحم الى جانب السمك، ويفضل سكان حضرموت تناول الاسماك المجففة اما الحلويات فأشهرها"الهريسة". السهرة وما ان يفرغ اليمنيون من تناول وجبة العشاء والانتهاء من صلاة التراويح حتى تزدحم الاسواق بالمتسوقين، وتشهد بعض الاندية الثقافية والرياضية تجمعات ليلية تستمر حتى قرب الفجر لمناقشة بعض القضايا الفكرية ولممارسة بعض الانشطة الرياضية. وفي المناطق الساحلية تفضل معظم الأسر قضاء السهرة خارج البيت في نزهة قرب الشاطئ أو في الحدائق. وما ان يحين وقت السحور والذي يكون قرب الفجر حتى تستعد ربات البيوت لصنع السحور الذي غالباً ما يكون من"الفتة"وبعض الحلويات. وتبدأ المطاعم هي الاخرى بتجهيز وجبات السحور التي عادة ما تكون من الخبز والبيض واللحم المفروم وتخلط بالبصل والطماطم وتسمى"الطبقية"وهي تشبه"البيتزا"الايطالية. في صنعاء في صنعاء رمضان يختلف عن العالم الاسلامي كله فكل مكان فيها يحمل عبق التاريخ وذكريات من الماضي القريب، ففي العشرين من شهر شعبان تتوافد القبائل من ضواحي مدينة صنعاء الى اسواقها المختلفة لشراء حاجات رمضان... فالاسواق في مثل هذه الايام تكون قد امتلأت بكل ما يحتاجه الانسان في هذا الشهر. ونظرة واحدة من خلال الباب الكبير وهو اكبر ابواب مدينة صنعاء تلفت الانتباه لتزاحم الناس وتداخلهم. فذلك يشتري الحب الذرة، الشعير، القمح، الرومي... وهذا يتشري البهارات والحوائج الثومة، البصل، الحلبة المطحونة، الكمون، السعتر.. وآخر يتساوم مع البائع لشراء سلعة معينة، وهكذا... ظاهرة الخل تنتشر في شكل واسع فالخل اليمني المصنوع من الزبيب الحامض يعتبر من الاساسيات في وجبات رمضان حيث يخلط مع الحلبة ويتم الافطار به. محال كثيرة لا تفتح الا في هذا الشهر وتبقى مقفلة طوال العام والغريب ان هذه المحال الموسمية تجلب رزق بقية العام مما يدل على تزاحم الناس على الشراء. آخرون في اسواق البزوز المختلفة والتي تزدان بالاقمشة الملونة والملابس الفاخرة، والبسيطة، فكثير من القبائل يشتري حاجات عيد الفطر مع حاجات رمضان. وقبل رمضان بثلاثة ايام أي في ليالي السابع والعشرين والثامن والعشرين والتسع والعشرين تبدأ مآذن صنعاء بالترحيب بالضيف الحبيب، فما ان يعود الناس الى بيوتهم بعد اداء صلاة العشاء حتى تبدأ الحناجر المؤمنة تغرد فرحة برمضان... فتبدأ مئذنة الجامع الكبير اقدم وأكبر جوامع المدينة في التكبير وتلحقها مرددة كل المآذن الشامخة بالتهليل بالعبارات التالية يا مرحبا بك يا رمضان... يا مرحبا بك يا رمضان.. يا شهر الخير والبركات والغفران... يا مرحبا بك يا رمضان. كاتب مصري.