حتى لحظة كتابة هذه السطور بلغ عدد القتلى جراء التفجيرات التي حصلت في لندن صباح امس في ساعة الازدحام التي تشهد توجه الناس الى اعمالهم تسعة وثلاثين اضافة الى عشرات الجرحى الذين من المؤكد انهم جميعاً مدنيون ابرياء، ومن المحتمل جداً ان نسبة عالية منهم كانوا من الذين شاركوا في مسيرات ضد قرار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مشاركة الولاياتالمتحدة في الحرب على العراق او مسيرات مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقه في التحرر من الاحتلال الاسرائيلي. ومن الامور الاخرى التي بدت اكيدة على الفور ان هذه التفجيرات وحدت الشعب البريطاني والمستوى السياسي البريطاني، بغض النظر عن الانتماءات الطبقية والايديولوجية، ضد هذه التفجيرات الارهابية المنسقة. ومهما تكن اعتراضات البريطانيين على سياسات رئيس وزرائهم توني بلير، خصوصاً المتصلة بالحرب على العراق، فان الجميع يدرك ان"حرب"التفجيرات امس لم تستهدفه وانما طاولت مدنيين من دون تمييز. تعد لندن بحق عاصمة كوزموبوليتية اذ انها تحتضن خليطاً عرقياً ينطق افراده بأكثر من مئة لغة، وهي مدينة تجمع اتباع ديانات متنوعة، ويهيأ لمن يتجول في انحائها احياناً انها مدينة الغرباء والاجانب. وقد اصاب عمدتها اليساري كن ليفنغستون امس عندما قال وهو في سنغافورة حيث اختيرت لندن مضيفة للالعاب الاولمبية في 2012 ان ما حدث"قتل جماعي من دون تمييز بين ابيض او اسود او مسلم او مسيحي او هندوسي او يهودي". ان تفجيرات لندن بالامس تذكر، من ناحية تتابعها متزامنةً تقريباً وكونها استهدفت وسائل مواصلات عامة، بالتفجيرات التي وقعت في قطارات العاصمة الاسبانية مدريد في آذار مارس 2004 والتي ادت بالحكومة الاسبانية الجديدة التي نصبت بعدها الى اتخاذ قرار سحب القوات الاسبانية من العراق. ولم يتأخر اعلان تنظيم يسمي نفسه"قاعدة الجهاد في اوروبا"المسؤولية عن التفجيرات في لندن وتوجيه تحذير الى حكومتي ايطاليا والدنمارك تحديداً وكل الدول التي لها قوات عسكرية في افغانستانوالعراق من انها ستنال"نفس العقاب". واعطى البيان فكرة عن الاستعدادات التي سبقت التفجيرات في لندن بقوله انها جاءت"بعد مجهودات شاقة ... واستمرت فترة طويلة لضمان نجاح الغزوة". كان معظم التفجيرات التي حصلت في لندن في العقود الثلاثة الماضية من تدبير الجيش الجمهوري الايرلندي عندما كان ذلك التنظيم والحكومة البريطانية متباعدين ومصرين على المواجهة بدلاً من التفاوض. وقد اوقف الجيش الجمهوري هجماته منذ بدء عملية السلام التي ما زالت قائمة وان لم تكن قد بلغت مداها النهائي. اما تفجيرات الامس فهي، من منظور"القاعدة"، نوع من الرد على قرار الحكومة البريطانية برئاسة بلير خوض الحرب على العراق الى جانب ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش. من المرجح ان لا اهمية في نظر"القاعدة"واتباعها لكون بلير قد استند في قرار الحرب على العراق الى معولمات استخبارات ثبت انها لم تكن صحيحة وكون بوش قد حاول انشاء رابط بين صدام حسن و"القاعدة"، وهو ما لم يكن صحيحا قبل الحرب. ان القتل، خصوصاً قتل المدنيين الابرياء، جريمة سواء ارتكبها افراد متسلحون بمتفجرات وعقائد متعصبة متطرفة او ارتكبتها دول لها جيوش واسلحة طيران وبحرية قوية وحديثة وحكومات لا تأبه بسلامة المدنيين الاجانب، خصوصا اذا كانوا من بلدان ذات احتياطات نفطية هائلة. ان هذه التفجيرات في لندن، وتصاعد التفجيرات والهجمات في العراقوافغانستان ضد القوات الاميركية والاجنبية الاخرى وضد من يتعاونون مع سلطات الاحتلال، تنذر بحرب مفتوحة زمنياً وجغرافياً. وكانت الحرب سابقاً في اتجاه واحد من الغرب الى الشرق، فهل صارت الآن في اتجاهين؟