ينظر معظم الشباب الجزائريين الى المدارس الخاصة بعين التحسّر، فهم لا يقدرون على دخولها لأنها حكر على أبناء الأثرياء والوزراء والمسؤولين، في حين أن المحظوظين بالدراسة فيها، لا يشغلهم سوى التفكير في الخطوة المقبلة التي تسمح لهم بالدراسة في دول أجنبية. ويكاد السواد الأعظم من هؤلاء يجمع على تجاهل قرار السلطات التي تحرم التدريس بالفرنسية في المدارس الخاصة، بينما غالبية أبناء المسؤولين والوزراء يدرسون في مدارس فرنسية وأجنبية! أسدل الستار في الجزائر على موسم دراسي ساخن بالنقاشات، وفجر الرئيس بوتفليقة"بالون"نقاش جديداً، حينما هدّد بغلق المدارس الخاصة التي لا تحترم مقررات وزارة التربية، ولا تلتزم التدريس باللغة العربية. وذهب الوزير أبو بكر بن بوزيد إلى حد التهديد باستعمال القوة لاغلاق المدارس التي لا تستجيب لقرار الرئيس. ولتأكيد نياتها، علمت الوزارة في اختتام الموسم 26 مدرسة خاصة شهادات الاعتماد الرسمية، مقابل 53 طلب اعتماد، لم تقبل لعدم تطابق ملفاتها مع دفتر الشروط. وتشير بعض الإحصاءات إلى وجود 200 مدرسة خاصة، بعضها ينشط من دون اعتماد، ومن دون ترخيص وتدرس المقررات فيها باللغة الفرنسية، على غرار المدرسة التي فتحتها السيدة قريفو منذ بداية التسعينات، وهي اليوم مهددة بالاغلاق، على رغم أن بوتفليقة اختار قريفو المحسوبة على الجناح التغريبي، ضمن أبرز أعضاء لجنة إصلاح المنظومة التربوية! وكالعادة تضاربت المواقف، بين مدافع عن التدريس بالعربية بوصفها اللغة الرسمية، والقائلين بحق المدارس الخاصة في تدريس مقرراتها باللغة الفرنسية أو الانكليزية، من منطلق الانفتاح على العالم الخارجي. أما السيّدة أدور زهية مديرة المدرسة الخاصة"الفن والمعرفة"المعتمدة، فتقول:"أنا مع حق التدريس باللغتين العربية والفرنسية، لأن الجزائري لم يكن أبداً معرباً، بل مزدوج اللغة. وإن كنت أحترم مقررات وزارة التربية، لكنني أدافع عن تدريس الرياضيات والعلوم والتربية المدنية بالفرنسية، وأنتقى نوعية المواضيع أيضاً، ما دامت جامعاتنا تدرس هذه المواد بالفرنسية". وترد عليها زميلتها السيدة جميلة حمزة مديرة إحدى الثانويات الخاصة قائلة:"أنا تعلمت باللغة الفرنسية وعانيت مطولاً من العزلة داخل المجتمع، وأعتقد بأن الإدارة الجزائرية تعاني إقصاء العربية لأننا لا نتكلمها ولا ندرسها في كل المواد". وإلى جانب المدرسة السعودية والليبية، تعدّ الثانوية الدولية الفرنسية"ألكسندر دوما"في العاصمة الأكثر استقطاباً للتلاميذ، وأكثرها إثارة للجدل. فتحت المدرسة أبوابها في تشرين الأول أكتوبر 2002 عقب التوقيع على اتفاق مشترك بين الحكومتين الجزائرية والفرنسية. وتستقطب الثانوية حالياً بحسب السيّد لوروايي المكلف بتسييرها، 550 طالباً ثانوياً، من 17 جنسية مختلفة منذ افتتاحها عام 2002. ويشكل الجزائريون نسبة 77 في المئة منهم، في مقابل 20 في المئة من أبناء المسؤولين والرعايا الفرنسيين المقيمين بالجزائر، والبقية من أبناء الديبلوماسيين والرعايا الأجانب. وتعتمد الثانوية الدولية اللغة الفرنسية، لغة أساسية للتدريس، والعربية كلغة أجنبية حية الى جانب الانكليزية والاسبانية، وهو ما يثير حفيظة تيار"المعربين"من دون أن يكون صوتهم مسموعاً. ويدفع الطلبة اقساطاً سنوية تعادل تقريباً 2250 دولاراً، تتضمن ثمن الوجبات الالزامية، وهو مبلغ خيالي بالنسبة للسواد الأعظم من الجزائريين ذوي الدخل المحدود. وتبرر ياسمين 16 عاماً اختيارها للثانوية الفرنسية الدولية قائلة:"الأساتذة هنا جيدون، والمستوى أفضل مع قلة مواد الدراسة، والأقسام لا تضم 40 طالباً كما هو الأمر في المدارس العمومية". ويضيف زميلها فيصل:"اخترت هذه المدرسة لضمان متابعة دراستي في الخارج، لأن شهادة البكالوريا هنا معترف بها دوليا، بخلاف الشهادة الجزائرية". وعن النقاش الدائر حول التدريس بالعربية أو الفرنسية، يقول فيصل:"أنا أعارض قرار الوزارة من دون تفكير، فهؤلاء السياسيون يحرموننا من اللغة الفرنسية، بينما الجميع يعلم أنهم يستغلون مناصبهم للحصول على منح حكومية ويبعثون أبناءهم للدراسة في الخارج، فلماذا لا يطبقون قراراتهم على أبنائهم أولاً؟". وحينما تدخل ثانوية"ألكسندر دوما"، يستوقفك منظر التلاميذ، وتسريحة شعرهم، وطريقة لباسهم الأوروبية، يتحدثون الفرنسية بإتقان، ولا تكاد تسمع في حديثهم كلمات بالعربية. جلس فاروق محاطاً بزملائه وهو يداعب أوتار غيتاره، بينما كان آخر يغازل صديقته. وحينما ينتهي موعد الدرس، يندر أن تشاهد أحدهم يغادر الثانوية من دون أن تنتظره سيارة فخمة، مع سائق شخصي... مظاهر تغيب عن المدارس الحكومية، عدا القليل منها في مناطق الشمال. ولهذه الاسباب، فإن تلامذة المدارس الرسمية المعروفين بلباسهم الموحد وانضباطهم، يسخرون من أقرانهم من المدارس الخاصة، وينعتونهم بجيل "بيفرلي هيلز".