قال نائب رئيس الوزراء الكويتي وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح إن الكويت يهمها الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع طهران، لكن هذه العلاقة الجيدة"يجب أن تسير في اتجاهين"، وشدد على حرص الكويت على أن لا تتأثر العلاقات ب"ملفات - لا تعني الكويت - بين إيران وأطراف أخرى". وأوضح في الحديث الى"الحياة"أن الكويت تأمل بأن تتوصل إيران الى اتفاق مع"هيئة الطاقة الدولية"يحقق الرقابة على مفاعلاتها النووية، وأنها ستخدم أهدافاً سلمية، وأن"إدارة هذه المنشآت تتم ضمن اجراءات الأمن والسلامة من الناحيتين البيئية والأمنية"، واستبعد أن يغير وصول الرئيس أحمدي نجاد في السياسة الخارجية الإيرانية، ودعاه الى"تبديد الشبهات والادعاءات التي اثيرت حوله بأن يتخذ خطوات اضافية في اتجاه تعزيز العلاقات مع العالم العربي ومع المجتمع الدولي". وفي شأن العراق، قال الشيخ جابر إن الملف العراقي"اثبت أنه أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً، وأن حجم الصعوبات لا يزال كبيراً، ولكن هذا لا يعني فقدان الأمل". واعتبر أن الأمر"في النهاية يعتمد على العراقيين وحدهم، فهم من يصنع النجاح أو لا يصنعه"، وأوضح أن الكويت تتابع احتمالات انسحاب القوات الغربية من العراق، وأنها ليست جزءاً من هذا الوجود، وأنه"ستبقى مهمة القوات المسلحة الكويتية الدفاع عن حدود الوطن وحماية أمنه بغض النظر عن الأوضاع الاقليمية". واستبعد ما ردده مسؤولون في بغداد عن أن العنف في العراق سيعبر الحدود الى الكويت، وقال إن الكويت"لديها خبرة في التعامل مع التهديدات الإرهابية"، معتبراً أن"العوامل التي ينتج عنها العنف والإرهاب في العراق ليست موجودة في الكويت"، وشدد على أن"النظام الكويتي بمؤسساته الأمنية والقضائية والاجتماعية نجح في مواجهة الإرهاب ومعالجته على أسس وطنية قوامها سيادة الدستور والقانون والعدالة...". وحول تأثر الكويت بوصول الشيعة الى الحكم في العراق وازدياد الحساسيات الطائفية فيها، أعرب الشيخ جابر عن ثقته في"أن المجتمع الكويتي سيتمكن من استيعاب هذا التأثير وابقائه في حدوده"، واعتبر أن"الاثارة الطائفية هي بضاعة المفلسين سياسياً والذين ليس عندهم طرح سياسي مقنع للجمهور". وفي ما يأتي نص المقابلة: * صرحتم قبل مدة بأنكم لا تقبلون المساس بعلاقات الكويت مع إيران، وجاء ذلك بعد تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية محمد آصفي التي هدد فيها بأن قدرات إيران تفوق قدرات دول الخليج، هل ترى أن إيران تبادلكم الحرص على العلاقات؟ - يهمنا جداً المحافظة على علاقات جيدة مع إيران، وبالطبع فإن هذه العلاقات يجب أن تسير في اتجاهين، ولا يمكن أن تكون جيدة من جانبنا فقط، غير أن ما سمعناه من القيادة الإيرانية طوال السنوات الماضية يعكس حرصها على علاقات حسنة مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون وهو ما نريد، وعلاقات الكويت مع طهران تسير يداً بيد مع علاقات مجلس التعاون الخليجي بإيران وما حدده القادة الخليجيون من أسس واضحة وحكيمة لهذه العلاقات. أما تصريحات آصفي فقد صدرت توضيحات كافية من الجانب الإيراني حولها ولا ينبغي تحميلها أكثر مما تحتمل، وما نحن حريصون على تحاشيه هو أن تتأثر العلاقات بسبب قضايا لا تعني الكويت والمصالح المشتركة بقدر ما تتصل بملفات بين إيران وأطراف أخرى. * لكن الصحافة الكويتية كانت أكثر المنتقدين لإيران وبسبب تصريحات آصفي تحديداً؟ - الصحافة عندنا تتمتع بحرية اتخاذ المواقف والتعبير عن الآراء، ومثلما كان هناك من كتب منتقداً إيران، كان في الصحف الكويتية من يكتب دفاعاً عنها، ومن يعرف الصحافة الكويتية يعلم أنها أكثر قسوة في انتقادها الحكومة الكويتية من أي حكومة أخرى، ونحن إذ نتمنى من صحافتنا التزام الحكمة والموضوعية في ما تنشر، فإنه ليس وارداً التضييق عليها بسبب اختلاف الاجتهادات والآراء. * هل ترون مثلاً أن بناء المفاعلات النووية أمر يخص إيران في علاقاتها مع الغرب، والولايات المتحدة تحديداً، ولا يهمكم وأنتم على مرمى حجر من هذه المفاعلات؟ - بالطبع يهمنا أمر المفاعلات ولأسباب بيئية وأمنية، ونحن نتطلع الى أن تتوصل الحكومة الإيرانية و"هيئة الطاقة الدولية"الى اتفاق يحقق القدر المطلوب من الرقابة على المفاعلات وللتأكد من أنها ستخدم الهدف الذي تؤكد طهران عليه وهو توليد الطاقة، وأن إدارة هذه المنشآت تتم ضمن اجراءات الأمن والسلامة من الناحيتين البيئية والأمنية بما لا يعرض أجواء الخليج ومياهه لأي مخاطر. * انتخاب أحمدي نجاد رئيساً لإيران سبب خيبة أمل في العالم الغربي، كيف قرأتم في الكويت نتائج الانتخابات الإيرانية؟ - أولاً، لا توجد في العالم كله نتائج انتخابات سيئة، لأن النتائج تعبر عن إرادة الشعب - أي شعب - ويجب احترامها. ثانياً، لا اعتقد أن وصول الرئيس أحمدي نجاد سيشكل تغييراً مهماً في السياسة الخارجية الإيرانية، لأن طروحات المرشحين في انتخابات الرئاسة الإيرانية كانت تختلف وتتفاوت في الشؤون الداخلية أكثر منها الشأن الخارجي، ولأن شؤون السيادة في إيران لا تتبع الرئيس فقط، بل ترتبط بمستويات القيادة العليا هناك. ونحن نأمل بأن يعمل الرئيس نجاد فور تسلمه لمهمات عمله على تبديد الشبهات والادعاءات التي اثيرت حوله، بأن يتخذ خطوات اضافية في اتجاه تعزيز العلاقات مع العالم العربي ومع المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة. * أخيراً حذر مسؤولون عراقيون، مثل الناطق باسم الحكومة ليث كبة، من أن العنف في العراق سينتقل الى دول مجاورة، منها الكويت، وأن هناك مخططات لانتحاريين لعبور الحدود وتنفيذ هجمات. هل لديكم ما يؤيد هذه المعلومات؟ - الكويت لديها خبرة في التعامل مع التهديدات الإرهابية، وقد تعرضنا منذ الستينات الى موجات من العنف الإرهابي ومن شتى المجموعات والايديولوجيات والبواعث، وما استطيع أن أؤكده أن هذا الإرهاب المتأثر بعوامل خارجية لم يستطع قط أن يجد له قبولاً أو احتضاناً في مجتمعنا حتى لو تورط فيه أفراد كويتيون أحياناً، وفي كل الحالات نجح النظام الكويتي بمؤسساته الأمنية والقضائية والاجتماعية في مواجهة الإرهاب ومعالجته على أسس وطنية قوامها سيادة الدستور والقانون والعدالة وبتضامن الشعب مع الدولة. لذا ومع تعاطفنا الكامل مع الأوضاع التي يمر بها الاخوة في العراق استطيع القول إن العوامل التي ينتج عنها العنف والارهاب في العراق ليست موجودة في الكويت، وبأن آفة الارهاب التي تضرب العالم كله ستبقى بالنسبة للكويت مجرد ظاهرة وافدة غريبة ومرفوضة في مجتمعنا ومحدودة جداً في حجمها وتأثيرها. * هل أنتم بعد مرور أكثر من سنتين على سقوط نظام صدام حسين أكثر تفاؤلا أو أقل تفاؤلا بفرصة العراق الخروج من دوامة العنف والنجاح في بناء الدولة الحديثة؟ - المؤكد ان الملف العراقي اثبت انه أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً، وان حجم الصعوبات لا يزال كبيراً ولكن هذا لا يعني فقدان الأمل، والأمر في النهاية يعتمد على العراقيين وحدهم، فهم من يصنع النجاح أو لا يصنعه فلا القوى الدولية ولا دول الجوار تستطيع حل المعضلات التي يواجهها العراق اذا لم يقرر العراقيون أنفسهم حلها، والكثير يعتمد على مدى حرص المشاركين في العملية السياسية في التسامي فوق الانتماءات السياسية والمذهبية والعرقية والعمل لأجل عراق موحد يحصل فيه الجميع على حصة عادلة من المشاركة. وما استطيع ان اؤكده هو أن دولة الكويت عملت كل ما في يدها من امكانات وأدوات لمساعدة الشعب العراقي الشقيق على استعادة عافيته السياسية والاقتصادية والانسانية، وستستمر في هذا التوجه آملة في أن يسهم مسعاها في نجاح مشروع الدولة الموحدة الديموقراطية في العراق. * هناك معلومات تسربها صحف بريطانية واميركية عن بدء انسحاب دولي من العراق عام 2006، اذا صح ذلك فهل هذه مقدمة لخروج دولي من العراق؟ وما هي نتائج هذا الخروج على العراق نفسه وتأثيره عليكم هنا في الكويت؟ - الكويت ليست جزءاً من العمل العسكري الدولي في العراق، وبالتالي هذا الأمر لا يعنينا على مستوى القرار، غير اننا نتابع الشأن العراقي بكل تطوراته وندرس احتمالاته، وعلى المستوى الدفاعي فإن مهمة القوات المسلحة الكويتية هي الدفاع عن حدود الوطن وحماية أمنه، وهذه المهمة مستمرة بغض النظر عن طبيعة الأوضاع الاقليمية. * هل تعتقدون ان مخاطر تقسيم العراق كبيرة؟ ولو حدث ذلك فهل سيكون له انعكاسات على الكويت؟ - نتمنى ونأمل بأن ينجح العراقيون في تخطي المصاعب التي يواجهونها، أما الكويت فستبقى بأمن وسلام ان شاء الله ما دمنا متمسكين بوحدتنا الوطنية وبشرعيتنا. * موضوع الوحدة الوطنية بات مطروحاً في الكويت أخيراً بعدما اثيرت قضية"هيئة خدام المهدي"الشيعية والاحتجاجات السنية على مطبوع على شكل"تقويم"نشرته هذه الهيئة! - مجتمعنا الكويتي يتمتع بشفافية كبيرة تجعل أي حدث ولو كان صغيراً يتصدر اهتمامات الصحافة والمنتديات السياسية والديوانيات، وما يسمى بهيئة خدام المهدي ليست سوى جماعة غير شرعية يقف وراءها شخص مدان بجريمة وهارب من العدالة، ومن المؤكد انها لا تمثل شيئاً في المجتمع الكويتي، وما جاء في المطبوع من تجاوزات على الثوابت الدينية أمر يرفضه أي كويتي مهما كان مذهبه، وكنت أتمنى من الاخوة في شارع الصحافة لو أنهم تمتعوا بالحكمة ووضعوا المسألة في حجمها ولم يحاولوا جعلها مادة للاثارة الصحافية. * ألا ترى ان الحساسيات الطائفية ازدادت في الكويت منذ بروز الشيعة كقوة سياسية في العراق؟ - هذه ليست المرة الأولى التي تتأثر بها الكويت بالمحيط الاقليمي، وخلال الحرب العراقية - الايرانية كانت هناك تأثيرات مماثلة، وفي الستينات كان هناك تأثير لليسار وللناصرية، وفي كل الأحوال تمكن المجتمع الكويتي من استيعاب التأثير وابقائه في حدوده، والسبب هو الطبيعة المعتدلة والمنفتحة عند معظم الكويتيين وعدم انسجام التطرف بأنواعه مع شخصية المواطن الكويتي. أعتقد بأن الاثارة الطائفية هي بضاعة المفلسين سياسياً والذين ليس عندهم طرح سياسي مقنع للجمهور أو قدرة على تحقيق انجازات من خلال المؤسسات الشرعية، وهؤلاء لا يخدعون المجتمع الكويتي.