الإرهاب : السؤال ليس "من" بل "لماذا" ؟ . "الفتية الطيبون" من يوركشاير ... محاربة التطرف تتطلب تقصي معانيه المتعددة 1من2

حسيب حسين شهزاد تنوير ومحمد صادق خان، لم يكونوا عرباً أفغاناً عادوا من الجبهة، ولا ارهابيين على طراز الزرقاوي يطمحون الى إضرام مواجهات في"أراضي الكفّار". إنّهم بريطانيون من يوركشاير وهم"فتيان طيّبون"كما قال أحد جيرانهم لشبكة"بي بي سي".
لم يبق لدينا من أجوبة على سؤال"من؟": من هم هؤلاء الذين يهاجموننا؟ ومن انضمّ إلى الجهاد الكبير ضدّ الغرب؟ وأيّ عقيدة يروّجون؟ ما نعرفه هو أنّ معظمهم شبّان ذكور وتتراوح مستوياتهم العلميّة بين حملة الشهادات والأمّيين، وجنسيّاتهم بين البريطانيين من أصل باكستاني أو قرويين من الأردن. وأمام تجمّع في المعهد الملكي المتحد للخدمات RUSI في 14 حزيرانپيونيو الماضي قالت"القائدة"جانيت ويليامز وهي الرئيسة اللامعة لوحدة الاتصال مع الإسلام في شرطة ميتروبوليس البريطانيّة، إنّ"التطرّف"شكّل التهديد الأكبر للأمن القومي البريطاني. ولمحاربة التطرّف علينا أن نفهم معناه. وإذا عجزنا عن معرفة من الفاعل، علينا حينئذ أن نسأل"لماذا؟"ومن شأن كيفيّة الإجابة على هذا السؤال أن تحدد سياستنا التقاربيّة.
ويمكن تحديد ثلاثة إطارات غالباً ما يجري ضمنها تفسير التطرّف، وفي كلّ منها نقص، فأردت في المقابل أن أقدّم مجموعة مختلطة من التفسيرات.
* تفسير يلقي اللوم على الإسلام
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم"... القرآن الكريم [سورة التوبة الآية 5].
"قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتب"... القرآن الكريم [سورة التوبة الآية 29.
توحي المقاربة الأولى بأنّ الدعوة إلى الجهاد هي، ببساطة، التعبير الصحيح عن الديانة الاسلاميّة. ولكن المعنى الضمني في هذا التحليل يؤكّد وجود صراع طبيعي بالكامل لا يمكن تفاديه بين الإسلام والغرب. أمّا العنصر الذي لا مهرب منه فيكمن في الديانة نفسها أي في القرآن.
ولكن، يمكننا بالطبع إيجاد تشابه في أماكن أخرى أيضاً:
" متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيين والجرجاشيين والاموريين والكنعانيين والفرزّيين والحوّيين واليبوسيين"ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فانك تحرّمهم"لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم... ولكن هكذا تفعلون بهم تهدمون مذابحهم وتكسّرون أنصابهم وتقطّعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار..."الكتاب الخامس من العهد القديم - التثنية، الإصحاح السابع، الآيات 2 إلى 5.
وجود هذا التشابه لا يبطل الحجّة بأنّ الشرق والغرب، أو اليهوديّة-المسيحيّة والإسلام مصممان على التقاتل، بل انّه يؤكّد فكرة"التصادم الحضاري". ولكن قد يوافق الكثيرون على أنّ ما شكّل"الغرب"هو الآن ما بعد المسيحيّة، ومن هذا المنطلق فإنّ تعبير"اللوم على الإسلام"يُظهر أنّ الحداثة هي التي تتعارض مع الإسلام، وهو برهان راج في القرن الثامن عشر وقام بإحيائه برنارد لويس، عميد دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة.
وتفترض هذه المقاربة أنّ المعركة سبق أن احتدمت، وذلك عندما أعاد الغرب اكتشاف اليونانيين وأعلن ابن خلدون أنّه من الأفضل ترك العلوم الطبيعيّة للافرنج وتركيز المسلمين على العلوم الدينيّة. وبما أنّ المعركة اشتعلت، فإنّها ستستمرّ إلى أن تربح إحدى الجهتين، وهذا يعني، في أفضل الأحوال، أنّ الغرب الحديث سيجرّ الإسلام وسط صراخ وضجيج إلى القرن الواحد والعشرين.
وهناك العديد من الأسباب الجيّدة التي تجعل هذه الحجّة صحيحة:
-أسامة بن لادن وأتباعه يؤمنون بها. وهم أكثر من هنتنغتون ولويس يؤمنون بصدام الحضارات الأخير وتقوم"سياساتهم"على تعجيله.
- في المبدأ، ليس هناك من وسيلة لحلّ الخلاف على السور القرآنية القليلة مع أنّ الكثير منها يدعو إلى التوافق، غير أنّ السور المذكورة هي بالنسبة إلى المسلمين كلمة الله التي أملاها الملاك جبرائيل إلى محمد ص. فكون المرء يتبع الحداثة لا يضرب اليهود والمسيحيين أينما وجدوا يعني بالضرورة أنّه مسلم غير صالح وهو أيضاً رأي أيمن الظواهري. وإن أخذنا الأمر حرفيّاً نجد أنّ الإسلام يتعارض مع الحداثة.
-غالباً ما تروّج الدول الاسلاميّة أفكاراً وعقائد مختلفة عن سكان الغرب ولعلّ مسألة المرأة هي الأكثر أهميّة والأكثر تعبيراً. وفي دائرة"القيم العالميّة"المفترضة، نجد أنفسنا أمام مشهد من التعارض الحقيقي.
-أمّا تصوير مشكلة الإرهاب على انّها مشكلة مع الإسلام فتقدّم فوائد كثيرة للثقافة الغربيّة. وكون سكان الغرب ثنويين أي انهم يؤمنون بعقيدة دينيّة أو فلسفيّة ثنويّة، فإنّ صورة الأعداء من الخارج ووصفهم على أنّهم"الشرّ"تعطيهم تحديداً نافعاً"للآخر"ليضعوا أنفسهم في مواجهته.
- لا يملك الغرب مناعة ضدّ هستيريا"يوم الدينونة"، فاليمين الديني المتطرّف في الولايات المتحدة وأوروبا هم دعاة ناشطون للحرب الكبرى. أمّا دخول برنامج التقاليد اليهوديّة-المسيحيّة لنهاية العالميّة إلى ثقافتنا فهو أمر يرغب الكثيرون برؤيته يتحقق في فترة حياتهم.
وتتمثّل الحجّة المضادة الثابتة في أنّ هجمات 11 أيلولپسبتمبر لم تكن هجوماً على القيم اليهوديّة-المسيحيّة بل على قيم الاستعمار الغربيّة الجديدة. وكانت الهجمات استهدفت برجي التجارة العالميّة في نيويورك والبنتاغون والبيت الأبيض، عوضاً عن استهداف مقرّات مسيحيّة مثل كاتدرائيّة"كانتربوري"أو"الفاتيكان"أو"ميا شاريم". ولسوء الحظّ، هذا السبب ليس صحيحاً، لأنّ الواعظين بالجهاد ومن بينهم الظواهري أعلنوا بوضوح ردّة فعلهم المباشرة تجاه القيم الغربيّة وتأثيراتها المتزايدة على ثقافة الإسلام. وكان انفجار"بالي"هجوماً على القيم، كما أنّ المواقع الدينيّة أو مواقع لها دلالات دينيّة لم تفلت من الهجمات خصوصاً انها ليست في المنطقة حسب ما أظهرت هجمات اسطنبول وكازا بلانكا على مواقع يهوديّة. ولكن، مع هذا كلّه فالبراهين أو الحجج المضادة موجودة بقوّة.
- أوّل هذه البراهين أنّ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يؤمنان بالتزامهما في معركة لا تقبل الجدل بين الإسلام والغرب، ولكن هناك طرقاً للنظر إلى مطالبهم كتعبير عن الشيء أكثر من الشيء بحدّ ذاته. فلماذا تروَّج هذه السور القرآنية اليوم على شبكة الانترنت؟ وإن كان قتل اليهود والمسيحيين أساسيّاً للإسلام، فلماذا فشل المسلمون في ذلك لوقت طويل؟ الإرهاب القائم على الجهاد هو إذاً ظاهرة علينا مواجهتها على المدى البعيد وهي تدفع للنظر إلى الأسباب البعيدة المدى.
-وفي مسألة علم الإسلام وما يقوله القرآن حالياً، لسنا بحاجة إلى التعمّق في عمل التأويل القرآني أو في حسنات الحرفيّة مقارنة مع التحاليل المجازيّة التصويريّة للنص بهدف معارضة هذا البرهان. ولحسن الحظ، نحن بحاجة فقط إلى العودة للتاريخ حيث قام المسلمون، وعلى مدى أكثر من 1000 عام، معتبرين أنفسهم مسلمين صالحين كما اعتبرهم كذلك خلفاؤهم بالإجماع، بالعيش في محيط من التناغم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مع اخوتهم اليهود والمسيحيين في العالم الإسلامي. ويتّسم سجلّ الإسلام مع اليهود بعلاقات طيبة أكثر من علاقتهم بالمسيحيين. ولعلّ الأندلس هي المثل الأوضح، ولكن العباسيين في بغداد والفاطميين في القاهرة والعثمانيين الأتراك الذين قدّموا المأوى لليهود الشرقيين الذين نفاهم"فرديناند"و"ايزابيلا"عام 1492، هم مثال لنموذج التسامح الديني الإسلامي أكثر ممّا يكون استثنائياً. وعلى مرّ 1000 عام سعت سلطات جامع الأزهر في مصر إلى شرح تلك السور القرآنيّة العنيفة، ووضعوا تاريخهم فوق عالميّتهم. أمّا الآية 5 في سورة التوبة فكانت ما سمح للنبي ص بالدفاع عن نفسه في المدينة.
-وحول مسألة القيم، معظم النساء المسلمات يعتبر أنّ القمع هو عامل ثقافي أكثر من كونه يتصل بالدين الإسلامي. وأشارت الانتقادات المساندة لقضيّة المرأة والموجّهة للقرآن الكريم، إلى أنّه وكملفّ قانوني، كان يتماشى مع وقته في مسألة المرأة. وتعتبر النساء أنّ تمكين المرأة في الغرب بدأ فقط في القرن العشرين، ففي العام 1971 نالت المرأة السويسريّة أخيراً حقّ الاقتراع، أي بعد عشرين عاماً من مصر. إذاً، ما من شيء مطلق في ما يختصّ بالقيم، لأنها تتبدّل مع الثقافة والوقت، فقبل تطوّر الحياة"الكوزموبوليتانيّة"في بريطانيا، اعتقد البريطانيون أنّ الطريقة الوحيدة لأكل اللحم كانت عبر سلقه بالماء.
كاتب بريطاني متابع لشؤون الشرق الأوسط