بعد أقل من يومين على اعتداءات لندن، أصدرت هيئة الاذاعة البريطانية"بي بي سي"اعتذاراً من مشاهديها على بثها صوراً"مزعجة، وعن غير قصد"لرجل يتم انعاشه على يد المسعفين في موقع الجريمة. وكانت"بي بي سي"اعتمدت في تغطيتها الاولية للهجمات صوراً وصلتها من هواة التقطوها بكاميراتهم الجوالة، فيما كانوا يخرجون من بين الأنقاض. في هذه اللحظة تحديداً لم يكن الوصول ممكناً، لأكثر المصورين سرعة، إلى مكان الحدث، ناهيك بالعراقيل التي تضعها الشرطة أمام الصحافيين في حالات مماثلة. وربما لم يكن أمام المحطة الا بث ما وصلها في شكل تلقائي ومن دون التفكير مرتين في محتواه. لكن بعد حملة رسائل استهجان من المشاهدين، اضطرت المحطة إلى مراجعة حساباتها وقدمت اعتذاراً جاء فيه:"وسط اهتمامنا المفرط في نقل الاحداث أولاً بأول، قمنا وعن غير قصد ببث صور مزعجة ... لكننا لن نعيدها ثانية". كذلك راجعت"بي بي سي"حساباتها مرة أخرى ووجدت أن استخدام تعبير"هجوم ارهابي"في الدقائق الاولى لنقل الخبر فيه من الاحكام المسبقة ما لا يمكن محطة رصينة أن تقبله على نفسها. فعادت واستخدمت"تفجيرات"في النشرات اللاحقة. إنه وعد قطعته المحطة البريطانية على نفسها وعلى مشاهديها بألا"تعيدها ثانية"، كطفل أخطأ في حق والديه، وراح يعتذر إليهما. لا شك في أن موقفاً كهذا، فيه من النبل والمهنية العالية ما لا يمكننا مشاهدين أو صحافيين أن نحلم به. فالاحداث الدامية تقع كل يوم في حديقتنا الخلفية، وقبل أن نلتقط أنفاسنا تكون أحداث أخرى، أكثر دموية قد وقعت. لكن المحطة البريطانية الرصينة نفسها بثت قبل نحو أسبوعين صوراً عن مجزرة راح ضحيتها عشرات من رجال الشرطة العراقيين. ويمكن أن نتساءل هنا إن كان ما يجرح مشاعر البريطانيين لا يفعل الفعل نفسه لدى الآخرين! ولكن يبدو أن بعض الشعوب اعتادت العنف الى درجة الخدر. فبالتزامن مع كل ذلك، بث التلفزيون الكردي في خبر نقلته"الحياة" ولمدة نصف ساعة متواصلة صوراً لزعيم خلية ارهابية يمرن أفراد مجموعته على الذبح عبر خطف مدنيين وتقطيع أوصالهم. ووعد التلفزيون الكردي مشاهديه بمزيد من حلقات الذبح تلك عندما تتوافر. كذلك لم تتورع المحطات اللبنانية عن اعادة بث مشاهد محاولة اغتيال الوزير الياس المر مراراً وتكراراً، وفيها من الدم والدمار والتفحم ما يقطع الانفاس، كأن احترام شعور المشاهد أو حتى حرمة الموت يتطلب تفكيراً طويلاً في بلد صارت الاغتيالات فيه أمراً مألوفاً. لكن الاسوأ ربما لا يكمن فقط في بث تلك الصور في وقت يكون الاطفال متسمرين أمام الشاشة الصغيرة، بل أن المشاهدين أيضاً صاروا يطلبون المزيد منها، ويعيدون مشاهدتها بقدر ما تبث. التذرع بالواجب المهني ونقل الحقيقة عارية لا يكفيان، لأن بعض الماكياج من حين الى آخر لا يضر!