عناق جميل بيعة ودعم وعيد    زيادة رحلات قطار الحرمين    "الفطمة" عند النخل بمثابة الحبل السري للجنين    مكة: العشر الأواخر تضاعف الطلبات 85 % على فنادق المنطقة المركزية    الأصول الدولية تتجاوز 5.5 ترليونات ريال    37 % نمو سنوي مركب في سوق سياحة الأحساء    شهداء ومصابون في غارات إسرائيلية على غزة    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل    الجيش السوداني يستعيد المصرف المركزي بعد القصر الرئاسي من «الدعم السريع»    هل تنجح التحالفات بدون أمريكا    قائد السلام    مئات القتلى والجرحى وسط انهيار المنظومة الصحية في غزة    زوار المملكة يتعرفون على خدمتها للإسلام والمسلمين    رسالة إلى معالي وزير الإعلام    "خير السعودية".. دعم الباعة الجائلين    مدني المدينة يعزز السلامة الوقائية في رمضان    رمضان موسم التسول الأكبر    تجديد مسجد الحوزة بعسير بعد 14 قرنًا من بنائه    العيد في السعودية.. فرحة تتجدد وعادات تعكس القيم الإسلامية عالميًا    دراما تشبهنا    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 2-2    المسجد النبوي.. جاهزية مشتركة لأيام العشر    مناشط دعوية وإرشادية في مصليات فنادق "مركزية مكة"    9.600 مستفيد من موائد الملك لتفطير الصائمين في أثيوبيا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يعالج أورام الكبد باستخدام الأشعة التداخلية ودون جراحة    برامج «أرفى» تصل إلى 1.8 مليون مستفيد    صحي «دخنة» يحصل على اعتماد «سباهي»    الأخضر السعودي تحت 23 عاماً يتغلّب على الإمارات بثنائية في بطولة غرب آسيا    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يدشن باص العيد جانا    الأخضر يُدشّن تدريباته استعداداً لمواجهة اليابان في تصفيات كأس العالم    أخضر الشاطئية يخسر مواجهة اليابان في كأس آسيا    النصر يستعيد الرباعي النصر قبل لقاء الهلال    رينارد يختار بديل سعود عبد الحميد أمام اليابان    جامعة حائل تحقق مراكز متقدمة في مؤشر «نيتشر إنديكس» 2025    الخيمة الثقافية تعزيز للهوية والتواصل المجتمعي    ترحيل 12008 مخالفين للأنظمة خلال أسبوع    1390 حالة ضبط للممنوعات بالمنافذ    9.7 آلاف مخالفة لأنشطة النقل بمكة والمدينة    رونالدو: البرتغال تعيش لحظة توتر قبل مواجهة الدنمرك بدوري الأمم    أمانة جازان تدعو للمشاركة في مبادرة "60 دقيقة من أجل الأرض"    أكشاك مؤقتة لوجبات إفطار الصائمين    3 تمرات تعادل 15 جراما من الجلوكوز    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك كلمة – القوبع    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة ماليزيا    رئيس الحكومة المغربية يصل المدينة المنورة    الشاب عبدالرحمن بن خالد آل قعصوم في ذمة الله    رئيس الوزراء بجمهورية باكستان الإسلامية يُغادر جدة    حينما تُصنَع المروءة من وهم الذات    أنتم سبب تأخر المحافظة.. قال لي!    تكريم الفائزين في ختام مسابقتي "رتل " و"بلال" بالأحساء    مستشفى النعيرية يعزز الصحة في رمضان بحملة "صم بصحة"    ثماني سنوات من الطموح والإنجاز ذكرى البيعة لولي العهد محمد بن سلمان    نائب وزير التجارة تشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمتها بالمرتبة الممتازة    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    بعد اتصالات ترامب مع زيلينسكي وبوتين.. العالم يترقب النتائج.. محادثات أمريكية – روسية بالسعودية لإنهاء الحرب في أوكرانيا    السعودية تدين استهداف موكب الرئيس الصومالي    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الأرجنتيني لم يكتب الا قصيدة واحدة في 15 كتاباً . شعر روبرتو خواروز فضاء حقيقي للمستحيل
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 2005

تصادف هذا العام الذكرى الثمانون 1925 لولادة الشاعر الأرجنتيني روبرتو خواروز والذكرى العاشرة لرحيله 1995، وقد يمثل هذان التاريخان فرصة سانحة لقراءته عربياً، هو الذي لم يُترجم الى لغة الضاد ولم يُكتب عنه فيها أي نص يذكر، مهما كان حجمه، على رغم أن شعره ترجم الى نحو عشرين لغة وكان مثاراً لأبحاث ومقالات عدة.
الا ان"شعرية"خواروز الميتافيزيقية وپ"الهرمسية"والمنفردة بنفسها جعلته يبتعد عن المنابر والمعتركات الشعرية والمهرجانات، وقد عاش هو في عزلة تشبه عزلة النساك لا سيّما في سنواته الأخيرة، بعدما استقال من التعليم الجامعي. وقد تبدو حياته الهادئة والخالية من الأحداث الجسام حياة شخص عاش بخفّة الظل، يكتب الشعر ويتأمل، ويسافر قسراً حيناً وطوعاً حيناً. ولعلّ موقفه"اللاسياسي"في مجتمع محفوف بالسياسة، هو المجتمع الأرجنتيني، جعله مرفوضاً من اليسار واليمين على السواء وأضحى بمثابة"المعارض"المطلق في نظر السلطة واليسار. لكنه عرف"المنفى"في معناه"البسيط"ابان مرحلة الحكم العسكري فتنقل بين الولايات المتحدة وكولومبيا. وعندما عاد الى بونيس آيرس وجد نفسه في الحال السابقة نفسها، مكروهاً سياسياً ومعزولاً. لكن هذا الموقف السلبيّ منه لن يحول دون حيازته"الجائزة الكبرى للمؤسسة الأرجنتينية للشعر"في العام 1977، واختير في العام 1984 عضواً في الأكاديمية الأرجنتينية للآداب.
أغرب ما يميّز هذا الشاعر انه أمضى حياته كلها يكتب قصيدة واحدة توزعت في خمسة عشر"ديواناً"، حاملة عنواناً واحداً هو:"شعر عمودي". وتحت هذا العنوان الذي لا علاقة له بالوزن التقليدي، كتب روبرتو شعراً هو من أجمل الشعر وأعمقه وأشدّه غموضاً وجلاء والتماعاً. وقد يشعر القارئ المتمعن في هذا الشعر أن القصائد لم تنته في الجزء الأخير الخامس عشر بل هي مستمرة في فضاء لا متناه من"الفراغ"الذي كثيراً ما شغل نتاج روبرتو خواروز. بل كأن الشاعر يكمل من خلال موته ذلك"الشعر"العجيب الذي كتبه في حياة كانت في نظره دوماً الوجه الآخر للموت.
شاعر غريب حقاً، عاش في الشعر وعاش له وكان الشعر انتماءه الوحيد في هذا العالم مثلما كان"دينه"الأخير هو، المتصوّف والكائن الميتافيزيقي والروحاني، ولكن بعيداً من أديان الآخرين. يقول روبرتو:"الشعر هويتي"، لكن"الهوية"هنا هي"الغيرية"المطلقة المنفتحة على الكينونة وعلى"الحقيقة الخفية". أما الشعر، فهو في حسبانه"شكل من أشكال الصحو"، ولكن"الصحو على ماذا"؟ يجيب الشاعر:"الصحو على التعالي الغامض للغز"، وعلى"كثافة الصمت الذي نعجز عن التواصل معه"، صحو على"الفراغ الذي فينا".
الفكر شعراً
لا تسهل مقاربة هذا الشاعر"المغترب"عن المفهوم العام والشائع للشعر والقصيدة، فمعظم شعره خلو من الصور وما يسمّى"المحسنات"البيانية، فالصور والمجازات هي في الفكر أي في"الكلمات". فشعره فكري النزعة، فلسفي وميتافيزيقي، ولكن ليس بموضوعاته أو"تيماته"فقط وانما بنسيجه الشعري أو خامته الشعرية. وتكمن قدرة هذا الشعر في الكشف، في الغناء وفي الايقاع وپ"التعزيم"اللغوي. قدرة هذا الشعر قريبة من قدرة الفكر الذي لن يحول دون أن يكون هذا الشعر مهدَّماً ومدمَّراً في داخله. هنا يدفعنا روبرتو الى تذكّر مقولة الفيلسوف الاسباني ميغال دو أونامونو:"الفكر يحس، الاحساس يفكر". هكذا سيكون المحسوس أو الملموس لديه مجرداً في الحين عينه، وسيتحول التجريد لديه"تجريداً غنائياً"وربما"غرائبياً"على طريقة بورخيس. على ان هذا التجريد الغنائي لا ينفصل عن المحسوس أو الملموس بل يضيئه بقوّة.
ينطلق شعر روبرتو اذاً من الواقع ولكن في هدف اظهار الأبعاد الغريبة للواقع. يهدم الشعر بحذاقة هذا الواقع في تجلّيه الصوري وفي حيّزه الثابت، باحثاً كل مرة عن ناحيته الأخرى أو ما يمكن أن يكون الناحية الأخرى للواقع أو"هاويته". أما الكائن الذي يرتسم في هذا الشعر فيتجلى بحريته المطلقة وكأنه كائن يكتشف نفسه"عمودياً"، وحيداً ومعلّقاً في حال من الدوار الذي لا مركز له.
أما عبارة"شعر عمودي"التي جعلها روبرتو خواروز عنواناً لأعماله الشعرية المتوالية عبر مفهوم"المقطع"الشعري، فتمكن قراءتها على ضوء عبارة الشاعر الألماني نوفاليس:"شعر متعالٍ". وليس من شعر حقيقي، بحسب خواروز نفسه، خالٍ من"تأمل متعالٍ في اللغة". والعمودية هنا، كما يقول روجيه مونييه صديق الشاعر ومترجمه الى الفرنسية"تسائل الشيء نفسه ولكن في طريقة مختلفة، تسائل الشيء الآخر في الشيء نفسه".
أعلن روبرتو وجهته الشعرية"العمودية"منذ الجزء الأول أو الديوان الأول عام 1958 وكان له من العمر ثلاثة وثلاثون عاماً. ومنذ تلك الآونة حافظ الشاعر على العنوان ولكن أيضاً على هذا"الشكل الطريف"وعلى هذا"التجديد الغنائي"، وعلى هذه"الرؤية الجديدة"التي تهز العلاقة بين القارئ والشعر. شعر أشبه بالنص الملغز المبني وفق طريقة"التعلّق"العمودي. وهذه الحالة"العمودية"ستتجه نحو العمق، في ايقاع خاص قادر على التماس الوجه الخفي للأشياء أي هاويتها:"نعم هناك عمق، لكنه المكان حيثما تبدأ الجهة الأخرى، المتماثلة مع الجهة الأولى، وربما الجهة نفسها المتكررة، ربما الجهة وقرينتها، ربما الجهة نفسها"يقول روبرتو. والشعر الذي يبدو ساكناً في لحظة"التعلّق"أو"الوقف"سيخضع لنوع من اللعب الديالكتيكي الذي يفرغ المفردات"المعكوسة"أو"المنقلبة"، مفردات التجربة الواحدة، من معانيها، مفسحاً المجال أمام"وقف"أو توقف يسكنه الشعر وحده. وهنا لا بد من أن تولد الكلمة الشعرية في اللامسمى واللامصوّر وترتبط بهما تمام الارتباط.
يسائل الشاعر العالم، يسائل الانسان المنجرف في هذا العالم: يسائله عن"الكل"، عن اللحظة، عن الفكرة، عن أي"حادث"، يسائله في طمأنينته"الوهمية"، في"قدريته"وپ"كينونته". ويتأمل الشاعر أيضاً بجرأة المكان الذي يقطنه، العلاقات بين الداخل والخارج، يتأمل الكلام والصمت، الغياب والحضور. أما الشعر فانما ينهض على لعبة هذه المتناقضات بل هذه"الأصداء"و الانعكاسات". هكذا يبدو شعر خوارّوز كأنه يقوم على الخط الضئيل بين العالم والخواء أو الفراغ حتى ليغدو"شعر التخوم"كما يقول الناقد الفرنسي ميشال كامو."الانسان هو الوجه الآخر للنهائي"يقول خواروز، ويقول في سياق آخر:"لماذا الكلام؟ ولكن لماذا الصمت؟ كلامنا لا أُذُنَ له، ولكن لا أُذُنَ لصمتنا أيضاً". ويرى ان الكلام والصمت يعيش واحدهما في الآخر. يغدو الشعر اذاً بحسب خواروز"الفضاء الحقيقي للمستحيل"، وفضاء المستحيل هو"الفضاء الذي يفوق الوصف"، حيث"الشجرة تسقط من الثمرة". شعر أو"ميتا - شعر"يجتاز اللغز اللامتناهي لپ"الكل"وپ"اللاشيء". شعر يختزن كثافة التجربة الداخلية"المعيشة"من خلال اللغة ذات الشفافية البلورية وما وراء اللغة. شعر يمكن وصفه بپ"الشعر الميتافيزيقي - التجريبي". وفيه تلتحم النهاية والبداية وفيه أيضاً يخلق"برق اللحظة"ما يسميه الشاعر"الأبد في الجهة الأخرى للزمن".
لا تنتمي"مملكة"الشعر بحسب روبرتو خوارّوز الى"هذا"العالم ولا الى"ذلك"العالم بل الى"عالم جديد"هو"الثالث"، حيث يذوب"مثل الثلج تحت الشمس"مأزق المتناقضات: الواقع والوهم، العالم المرئي والعالم غير المرئي، الولادة والموت، الكائن والكون. ويمعن الشاعر في استيحاء هذا"العالم الثالث"حيث"لا فرق بين الأنوار المشتعلة والأنوار المطفأة"بل حيث تقوم"حصة النَعْمَ"في"حصة اللا"وتتحدان في"سرير آخر"يجري فيه"النهر". وقد تذكر هذه"الحالة الثالثة"بمقولة نيشته الشهيرة:"لست روحاً ولا جسداً، بل أنا شيء ثالث". وتذكر أيضاً بما يسميه الشاعر الفرنسي رينه شار بپ"الفضاء الثالث". ولا يمكن كذلك تناسي ما قاله المعلم ايكهارت، الصوفي الكبير، عن"الكلمة الثالثة"تلك التي"لم تُقل ولم يُفكَّر بها، ولم يُعبَّر عنها البتة".
قال رينه شار عن روبرتو خواروز:"هذا شاعر حقيقي وكبير". ووجد فيه أوكتافيو باث"شاعراً كبيراً، شاعر اللحظات المطلقة ... انه أحد المبدعين الأشد نقاء وعمقاً في النصف الثاني من القرن العشرين". وقال الشاعر الاسباني فيسنته الكسندري عن"شعر عمودي":"هذا شعر ذو شفافية حارقة".
"ديواناً تلو آخر، أي"شعر عمودي"تلو"شعر عمودي"يشعر القارئ أن فضاء روبرتو خواروز لا حدود له، فضاء حدوده الصمت اللامتناهي أي اللغة اللامتناهية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.