ردّ الرئيس بشار الأسد التهمة في موضوع الحدود مع العراق إلى الاميركيين اضعافاً، فقال ان سورية تريد اغلاق الحدود في وجه تسلل المقاتلين، الا ان الاميركيين لا يتعاونون وقد احبطوا الجهود السورية مرة بعد مرة. كنت في جلسة طويلة مع الرئيس في مكتبه في دمشق، وسألته عن الدليل. هو قال ان وفداً عسكرياً اميركياً جاء إلى سورية اخيراً"واخذناه إلى الحدود لدراسة الوضع على الارض الا انه غادر ولم يعد بعدها. والشيء نفسه حصل مع وفد عسكري اميركي آخر سنة 2003 فقد غادر الوفد ولم يعد". الرئيس بشار الأسد التقى وزير داخلية حكومة اياد علاوي فلح النقيب، وإنما لم تتم متابعة نتائج هذا الاجتماع، وقال لي انه بعد زيارة الوفد العسكري الاميركي الثاني، وعدم متابعة الاميركيين محادثاتهم في سورية"عرفنا اللعبة واتصلنا بالسفيرة الاميركية السيدة مارغريت سكوبي لنسأل: ماذا تريدون"؟ ازيد من عندي حتى لا يختلط كلامي بكلام الرئيس السوري ان الرئيس بوش يناسبه ضبط الحدود السورية - العراقية لتحقيق سياسته المعلنة ودحر الارهابيين ونشر الهدوء، وان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تنفذ سياسة الرئيس. ثم هناك محور التطرف، حتى لا أقول الشر، ديك تشيني ودونالد رامسفيلد والمحافظون الجدد الذين ربما كانوا يريدون بقاء قضية الحدود مفتوحة، لاستخدامها عذراً آخر في محاولة"تطويع"النظام السوري وفك تحالفه مع ايران وپ"حزب الله"في لبنان. الرئيس السوري ابلغني حرفياً:"نحن جاهزون في موضوع الحدود، وضبطها يخدم سورية، فالفوضى في العراق تؤثر فينا. ويوجد الآن تهريب سلاح وتسلل افراد، فهناك تسلل في اتجاهنا وقد قبضنا على نحو 1300 شخص من الذين يريدون التسلل غير الشرعي". واضاف الرئيس ان الاميركيين يعرفون هذا الوضع ولا يتخذون أي اجراءات من جانبهم لمعالجته، وقال:"لا دورية لهم على الحدود، ولا عنصر واحداً، اميركياً او عراقياً على جانبهم من الحدود. ونحن لا نستطيع ضبط الحدود من جانب واحد". ازيد من عندي انني كنت احدث الرئيس السوري الاثنين، والاسبوع الماضي اعترف الجنرال جورج كيسي، قائد القوات الاميركية في العراق، في شهادة امام الكونغرس بأن كتيبة عراقية واحدة من اصل 86 كتيبة قادرة على القتال وحدها الآن، مما يعني ان الرقم هبط من ثلاث كتائب عراقية جاهزة للقتال في تقرير الاميركيين انفسهم قبل ستة اشهر فقط. الجنرال كيسي تحدث الاسبوع الماضي امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. والشهر الماضي لم ينقض الا وقد اصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وهو دار بحث من ارقى مستوى، تقريراً يقول ان الجهاديين في العراق لا يتجاوزون اربعة في المئة الى عشرة في المئة من المجموع. والمركز قدر انهم دون ثلاثة آلاف من اصل 30 الفاً يقاومون الاحتلال الاميركي. في اهمية ذلك ان السوريين ليسوا اكبر مجموعة، فمن بين المقاتلين الاجانب يمثل الجزائريون 20 في المئة، ثم يتبعهم السوريون واليمنيون والسودانيون والمصريون، بنسب تراوح بين 18 وپ13 في المئة. الرئيس الاسد قال امامي ان الاميركيين"يريدون ان نساعدهم في الخروج من الورطة السياسية التي وقعوا فيها في العراق، الا ان أخطاءهم كبيرة الى درجة لا أتصور معها ان سورية او احداً غيرها يستطيع مساعدتهم". وهو زاد انه يعتقد ان من الصعب اصلاح الاخطاء الآن. والاميركيون لا يستمعون حتى لحلفائهم البريطانيين، ثم يضغطون لمساعدتهم. قلت للرئيس الاسد انني رأيت الرئيس العراقي جلال طالباني، وهو صديق قديم ، في مقر الاممالمتحدة في نيويورك، وتحدثنا طويلاً، فبلغني انه يريد زيارة سورية زيارة رسمية، وهناك اتصالات بين الحكومتين لترتيبها. وقلت للرئيس السوري ان مام جلال طالباني متحمس للزيارة، فله مع سورية علاقات قديمة وله فيها اصدقاء وحلفاء. قال الرئيس الاسد ان حكومته دعت الرئيس طالباني، وان الرئيس العراقي يريد الزيارة وهو لم يزْر سورية بعد لأن الاميركيين يعارضون. اسأل من عندي لماذا يعارض أي طرف اميركي ان يزور جلال طالباني سورية؟ الرئيس العراقي قادر على الوصول الى اتفاقات مع السوريين على الحدود وغيرها لأن هناك ثقة متبادلة بين الطرفين، ومع ذلك تلقى زيارته معارضة لأن ضبط الحدود سيرفع سبباً مهماً لانتقاد النظام السوري والضغط عليه. وإذا كان ما سبق صحيحاً فإنه يعني ان هناك طرفاً اميركياً يعتبر أن الضغط على سورية هو ضغط على إيران عبر حلفائها أهم من تهدئة الاوضاع في العراق. أزعم أن الرئيس بوش يريد تهدئة الاوضاع في العراق ليقول أن سياسته هناك انتصرت، وأن الدكتورة رايس تساعده. غير أن هناك فريقاً اميركياً متطرفاً، هو الذي عمل لشن حرب غير مبررة على العراق نتائجها حتى الآن كارثية، وهو يعمل الآن ضد سورية وإيران لتنفيذ سياسة ستنشر الفوضى والخراب في المنطقة كلها اذا لم تتوقف عند حدها. وكانت صدفة أنني قابلت الرئيس السوري مع تردد أخبار صحافية، انطلقت في البداية من إسرائيل، عن حديث اميركي اسرائيلي عن سورية، فالادارة الاميركية تريد اضعاف الرئيس الاسد، انطلاقاً من التحقيق في إغتيال الرئيس الحريري، وإسرائيل تعتقد ان في الإمكان ايجاد رئيس سوري جديد من دون هز الاستقرار السوري. هذا الحديث اهانة للأمة كلها، فقد هبطنا الى درك أصبح الحديث فيه ممكناً عن تعيين رؤساء عرب كما تريد اسرائيل أو تغييرهم. واذا حدث هذا يوماً فسأستقيل من الأمة كما فعل العقيد القذافي، وهو بالمناسبة المثل الذي يريدون لبشار الأسد ان يحتذيه. اقول أن معمر القذافي ليس مثلاً يحتذى، وليبيا ليست سورية.