يعتبر النجاح الساحق الذي أحرزه محمود أحمدي نجاد في انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية تطورا محمودا في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من اضطراب ناتج عن النزاعات التي ما زالت دون حل ومن النخب الفاسدة والتدخل الأجنبي العنيف. ولا شك أنه حين يقسم اليمين يوم 4 آب أغسطس القادم سوف تراقب الناس خطواته باهتمام ليروا كيف سيفي بتعهده الطموح بجعل إيران"نموذجا للمجتمع الإسلامي القوي والحديث". وقد يكون نجاحه الذي فاجأ كل من تابع الأحداث في إيران حافزا صحيا لجيران إيران العرب وتحديا لأميركا كي تعيد النظر في سياستها تجاه بلاده التي ما زالت مجمدة منذ احتلال السفارة الأميركية واحتجاز أعضائها في 1979. ولعل أول ما يسترعي الانتباه هو أن هذه الانتخابات الإيرانية قدمت للمنطقة مثالا على الديموقراطية الحقيقية، سابقة بذلك بمسافة سنين عديدة ما يسمى انتخابات في معظم الدول العربية، ومختلفة جدا عن الانتخابات الأخيرة التي جرت في ظل الاحتلال الأميركي في العراق أو الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. صحيح أن مجلس الوصاية الثوري قد خفض أسماء المرشحين من ألف إلى سبعة فقط وأن هنالك شكوكاً بعمليات تلاعب في حساب الأصوات في بعض المناطق، لكن ذلك لا يبرر لأميركا أن تستنكر الانتخابات وتعتبرها زائفة وغير شرعية. كان أجدر بها أن تصمت لأنها ألحقت بنفسها الأذى حين اتخذت موقفها الفظ من الانتخابات الإيرانية. وأما الملاحظات المثيرة للسخرية التي أبدتها وزارة الخارجية الأميركية بقولها أن إيران مختلفة عن بقية دول المنطقة وعن تيارات الحرية التي ظهرت بوضوح في كل من العراق وأفغانستان، فمثل هذا الكلام لا يفيد شيئا في تحسين صورة أميركا وسمعتها. وحين يصف ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي للرئيس بوش إيران بأنها"الدولة الأولى المشجعة للإرهاب"وبأن"سياستها هي التخلص من إسرائيل"، فهو إنما يتعامى عن الواقع ويلجأ إلى خطاب دعائي محض. ومثل هذه التصريحات قد ترضي المحافظين الجدد المتعصبين لكنها لا تتفق اليوم والحقائق الواقعية. إنها تؤكد مرة أخرى النظرة التي يتبناها معظم المحللين بأن أميركا تفوّت الفرصة لتصحيح هدفها في الشرق الأوسط. ولقد كانت الأفكار التي أطلقها احمدي نجاد في معركته الانتخابية تتعلق بالعدالة الاجتماعية للفقراء، وإعادة توزيع ثروة إيران النفطية، والقضاء على الفساد في الدوائر العليا، والعودة إلى القيم التقليدية و"الطهارة الروحية"للثورة الإيرانية في 1979. وكان اسم موقعه على الانترنت"مردميار"أي صديق الشعب. وهو إذا ما تمكن من تنفيذ برنامجه الراديكالي فسوف يتناقض ذلك بوضوح مع الوضع في العديد من الدول العربية حيث تتحول الدولة في أغلب الأحيان إلى قوقعة جوفاء بفعل جشع النخبة التي تهيمن على الاقتصاد وتعمل من فوق القانون ودون أي رقابة من قبل مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها. كذلك فإن موقف إيران الفخور بقوميته والواثق بها يشكل تحديا للعالم العربي إذ يختلف عن الروح الانهزامية والتسويات الهزيلة السائدة في أنحاء كثيرة منه. وهي في تصميمها على مجابهة الاملاءات الأجنبية وخصوصا الأميركية إنما تريد التعامل مع العالم على أساس المساواة والاحترام المتبادل. وعلى رغم قلة خبرته بالشؤون الخارجية أوضح الرئيس المنتخب احمدي نجاد بأنه يريد دعم موقف إيران عالميا. هذا لا يعني بأنه أكثر عداء لأميركا من أسلافه بل على العكس، قد يكون مستعدا لحوار جدي مع واشنطن، لكنه لن يتسامح مع التهديدات والشتائم التي تميزت بها الخطابات الأميركية نحو إيران. وينتظر أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط التي يقدر أن تعود على إيران بخمسين بليون دولار في آذار مارس 2006 إضافة إلى علاقاتها الاستراتيجية بكل من الصين وروسيا، إلى زيادة تصلبها في مواجهة المطالب الأميركية. هذا وقد أكد احمدي نجاد أنه يريد تدعيم علاقاته مع جيرانه العرب، مما يعني أن انتخابه يعتبر أخبارا طيبة بالنسبة لبقاء محور طهران - دمشق - حزب الله وتدعيمه، هذا المحور الذي يعتبر العقبة الكأداء أمام الهيمنة الأميركية والإسرائيلية، والذي تعرض بسبب ذلك لهجوم شديد من قبل واشنطن وتل أبيب. ولا بد أن سورية التي كانت تعتبر أحيانا الحلقة الضعيفة في المحور المذكور، سوف تترقب باهتمام أي خطوة داعمة قد تحظى بها من طهران، ذلك أن المسؤولين في إدارة بوش يتهمون سورية بأنها تغذي العنف في العراق ولبنان وتدعم الجماعات الفلسطينية المتطرفة ضد إسرائيل. وقد جاءت كوندوليزا رايس لتصعّد الحملة ضد سورية على الصعيد الديبلوماسي. ولم يخف المحافظون الجدد وصقور إسرائيل أن هدفهم هو"تغيير النظام"في دمشق على أساس أن ذلك سوف يؤدي إلى انهيار محور طهران - دمشق - حزب الله. وبالفعل فإنه لو كتب الفوز لعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق، كما كان ذلك متوقعا، فقد كان يمكن أن يميل إلى التضحية بالعلاقات مع سورية وحزب الله في سبيل الوصول إلى اتفاق مع أميركا. أما الآن فمثل هذا الاحتمال أصبح غير وارد. وسوف تستأنف في هذا الشهر المحادثات بين إيران والدول الأوروبية الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا حول برنامجها النووي، وينتظر أن تقدم هذه الدول"عرضها الأخير"بمساعدات اقتصادية وتكنولوجية مقابل التزام إيران بوضع حد نهائي لتخصيب الأورانيوم. وقد أبدت أميركا شكوكها بنجاح هذه المفاوضات. أما احمدي نجاد الذي يحمل شهادة في الهندسة، فهو حريص جدا على دفع تقدم إيران التكنولوجي وقد صرح بأن"الطاقة النووية"هي نتيجة لتقدم إيران العلمي وأنه لن يسمح لأحد أن يعيق تطور النمو التكنولوجي. وإذ التزم الرئيس المنتخب بضرورة متابعة الجهود الإيرانية للتوصل إلى استخدام اليورانيوم كوقود للأغراض السلمية كتوليد الكهرباء، فقد صرح بأن"الأسلحة النووية تخالف القيم الإسلامية". ويجدر بأميركا وإسرائيل أن تسجلا كلام الرئيس المنتخب هذا بدلا من السعي إلى إرهابه بالصياح والتهديد بالتدخل العسكري. ولقد صرح السفير الأميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن بلاده"لن تقبل بحصول إيران على السلاح النووي"وبأن"العمل العسكري يعتبر أحد الخيارات إذا لم تقم إيران بالخطوات الضرورية". ومن نافلة القول إن مثل هذا الكلام الحربي في الوقت الذي تغرق أميركا في المستنقع العراقي وتعاني من عبء جيشها الثقيل هناك، يبدو غير واقعي واستفزازيا مجانا. لا شك بأن احمدي نجاد رغم مظهره البسيط وخلفيته المتواضعة شخصية هامة. فقد ولد عام 1956 ونال شهادة البكالوريوس ثم الماجستير في الهندسة من جامعة إيران للعلوم والصناعة، ولعب دورا في احتلال السفارة الأميركية في طهران عام 1979. ثم حصل على شهادة الدكتوراة في هندسة النقل، مما ساعده على الحد من فوضى حركة السير في شوارع طهران حين كان رئيسا لبلديتها في السنتين الماضيتين. ثم انضم إلى الحرس الإسلامي الثوري واشترك في الحرب العراقيةالإيرانية ورقي إلى رتبة رئيس مهندسي الجيش السادس. بعد ذلك عين على رأس محافظتي ماكو وأردبيل حتى 1997. وحين تولى رئاسة بلدية طهران كان هنالك اجماع على أنه أفضل من حظيت به المدينة. وقد عرف بنزاهته وتُقاه وبساطة طريقة عيشه. ترى هل سينجح الرئيس الجديد حيث أخفق أسلافه؟ لقد تميزت السياسات الإيرانية منذ وفاة آية الله الخميني بالصراعات بين فئات ومراكز قوة مختلفة. غير أن من حسن حظ الرئيس المنتخب انه سيجد مختلف المؤسسات القائمة على رأس الدولة الرئاسة ومجلس حراس الثورة والمرشد الأكبر علي خامنئي أكثر انسجاما معه من الناحية العقائدية مما كان الأمر عليه في السابق. فهي جميعا، على الأقل من الناحية النظرية، في أيدي جماعة من المحافظين المستنيرين. وقد يكون من الحكمة أن ينتظر العالم قليلا قبل أن يحكم على الرئيس المنتخب. كاتب بريطاني مختص بالشرق الأوسط.