اليوم هو الاحد, ولكن بالنسبة إلى نحو اربعين طالباً شجاعاً، لم تتوقف الدروس. تكدسوا كلهم في قاعة محاضرات صغيرة، وبعد ست ساعات متواصلة من الاستماع إلى شرح مادة من مقررات برنامج الدكتوراه في ادارة الاعمال في مدرسة"رين"العليا، بدأ النعاس يتسرب إلى الطلاب. فالمشكلة أن الاستاذ يتحدث بانكليزية متقنة، فيما عليهم أن ينتظروا المترجمة لتنقل اليهم المعلومات بلغتهم المحلية! انها الصين! وتحديداًً مقر الصفوف"النقالة"في جامعة جياو تونغ, أحد أكثر الصروح الاكاديمية شهرة في شانغهاي. ويسافر أساتذة فرنسيون الى الصين، مرات في السنة الواحدة، لإعطاء دورات مكثفة في بضعة ايام. وينشغل المضيفون عادة بتغيير ديكور الصفوف قبل وصول الاساتذة. فيعلقون على الجدران صور"اللوفر"وقوس النصر، يتخللها شعار"مدرسة التجارة العليا"في رين, لاضفاء جو فرنسي بامتياز. وفي عاصمة الاعمال الجديدة هذه جنى مقاولون كثر أموالاً طائلة في وقت قياسي. فشعروا بحاجة الى العودة إلى مقاعد الدراسة لينالوا إعداداً"غربياً"، مثل وام وا شوم صاحب مصانع الادوات الطبية في هونغ كونغ وشانغهاي الذي دفع 15 الف يورو لينال شهادة دكتوراه من مدرسة التجارة العليا في رين. وهي شهادة تلاقي رواجاً كبيراً في الدول الانغلو ساكسونية. ومع الازدهار الاقتصادي السريع, و15 مليون طالب عادوا إلى مقاعد الدراسة, بدأت الجامعات الغربية تنتشر في الصين على نحو غير مسبوق, رافعة أقساطها بنسبة 30 في المئة. ولم تتأخر المدارس والكليات الغربية عن اكتساح السوق الصينية, و"تصدير"طرائقها في إعداد الكوادر المتخصصة. وفي 8 سنوات فقط نال 41 طالباً شهاداتهم في شانغهاي وحدها، حيث قد تبلغ الاقساط 20 الف يورو. ويقول وينغ شوان يو, مدير معهد الاعمال في جامعة شانغهاي،"لا يمر شهر من دون أن يعرض عليّ توأمة مع جامعة ما". وأخيراً اتصلت به جامعات أميركية مثل جامعة كاليفورنيا ساكرامنتو وسان فرانسيسكو, وكارولاينا الشمالية. ولكن المدير ملّ العروض، وبات يزيح الاوراق من أمامه بضربة يد. ولا يمكن تفسير هجمة المدارس والجامعات الغربية على السوق الصينية بالاسباب المالية وحدها. فهذه الصروح الاكاديمية تسعى ايضاً إلى مرافقة حركة انتشار الشركات المتعددة الجنسية في السوق الآسيوية التي تنتج حاجات جديدة. ويقول ادموند ليل، المسؤول عن بعثة"باريس تيك في الصين", وهو تجمع معاهد هندسة باريسية بعضها تقني,"تهدف التجمعات الصناعية إلى اعداد كوادر صينية لان الاختصاصيين الاجانب مكلفون". ولهذا السبب يرتاد هؤلاء الطلاب جامعتهم يوم الاحد, وبعضهم يعمل في"نوكيا"و"ألكاتيل". ويعرف الصناعيون حق المعرفة ان من مصلحتهم تمويل إعداد المتخصصين داخل الصين لأنه يمنحهم خياراً أوسع لاحقاً. فكتلة"السويس"الاقتصادية مثلاً تسهم في شهادات الماجيستير لتكرير المياه في جامعة تونغي التي تضم 50 الف طالب, وتبعد نصف ساعة من وسط شانغهاي. وبين عالم التعليم وعالم الاعمال بدات الهوة تضيق. ويقول ممثل"باريس تيك في الصين"، ايرفيه فيليب،"الجامعات هي مخزن السلطات. فالدخول اليها يتيح فرصة بناء علاقات من أعلى المستويات, وفرصة العمل حيث تصنع معايير الغد". وتعتبر التجربة الالمانية في نظر الفرنسيين النموذج الذي يجب اتباعه. وبدأ بناء معهد تكنولوجي فرنسي - صيني مشترك، يجمع في قاعاته اساتذة ومقاولين, وضع الرئيس الفرنسي جاك شيراك حجر الاساس فيه العام الماضي. وفي انتظار افتتاح هذا المعهد, استعين بالطابقين السادس والاخير من مبنى"فولكسفاكن". وبالنسبة إلى السلطات والجامعات الصينية, تعتبر الأعداد في الجامعات الغربية أمراً رائعاً. فلا يقتصر الامر على ازدياد عدد الاساتذة الاجانب الذين يزورونهم، بل أسهم ذلك في ابقاء الطلاب في بلدهم. وتستفيد الجامعات المضيفة من جزء من الرسوم يقارب خمسة آلاف دولار للطالب. وفي سرعة، شجعت السلطات هذه"الاستثمارات التربوية". فاذا ارادت كلية الطب في جامعة شانغهاي انشاء فرع للعلوم الصيدلانية, اتصلت بجامعة"مونبيلييه - 1"التي تشرف على المشروع وترسل اساتذتها, ف"تبيع"لشريكتها خبرتها. ويقول دومينيك لورين"في الصين الامور لا مركزية في شكل لم نكن نتصوره. ولا شك في ان بكين تتمتع بسلطات واسعة، ولكن المقاطعات والبلديات تتمتع بهامش حرية". وتستقر أحياناً مؤسسات متنافسة في صرح أكاديمي واحد كما في جامعة جياو تونغ، حيث يلتقي في الممرات اساتذة من معاهد رين ومارسيليا ولوس انجيلس. ويقول تييري اودريك، مدير مؤسسة لترويج المعاهد الفرنسية في الخارج،"في الصين المنافسة تبلغ حدها الاقصى". ولكن الانتقال إلى السوق الصينية لا يجري من دون مخاطر. فالتكلفة غالباً ما تكون مرتفعة لمعاهد لا تتمتع بتنافسية عالية. وفضلت مؤسسة مثل"انسيد"الانتقال إلى سنغافورة بدل الصين لتبني شراكة مع طرف آخر، على ما يقول نائب العميد ارنولد ماير. كما ان الاساتذة بدأوا يتذمرون من رؤية خبراتهم تقلد بسرعة، من دون أي ضمانات ملكية. مارسيلو ويسفريد، الاكسبرس الفرنسية، 30-5-2005