يستعيد الحرير عزّه في لبنان سنوياً مع إفتتاح معرض الحرير في متحف خاص به في بلدة بسوس ضاحية بيروت الجنوبية في كرخانة مصطلح تركي مركب من كلمتين: خان تعني البيت وكر تعني كر الخيط تعود الى بداية القرن العشرين وتحديداً سنة 1901. يقع المتحف في وسط مشهد ساحر بخضرته تحيطه أشجار التوت المزروعة حديثاً بعدما إنقرضت هذه الزراعة واستبدلت على مساحة لبنان بأشجار الليمون والتفاح والزيتون، وإنعدمت صناعة خيط الحرير. لكن المتحف يوفّر في ما يعرضه وما ينتجه بعض الأشجار نماذج للشرنقة التي تنسجها دودة الحرير بعد أن تتغذى على ورق التوت. كما يعرض مراحل صناعة خيط الحرير بدءاً من تفقيس دودة القز من البيضة مروراً بالحياكة والتخنيق والسلق والتوضيب وصولاً الى إنتاج الحرير. وتمرّ كل هذه المراحل على آلات قديمة، كما يضم المعرض أنوالاً منحتها مدينة ليون الفرنسية للمتحف. ويعيد جورج عسيلي، مع جمعية التراث والإنماء من خلال تنظيم هذا المعرض السنوي منذ خمسة أعوام بدءاً من أيار / مايو وحتى أيلول / سبتمبر وهو موسم ورق التوت وتربية دودة القز، إحياء هذه الزراعة والصناعة الحرفية التي إشتهر بها لبنان منذ القرن السابع عشر في أيام الأمير فخر الدين الثاني الكبير، وتمايز بتربية دودة القز في القرن التاسع عشر، إذ بقي لبنان لبضع عشرات من السنين يصدّر الى العالم الأوروبي بزور القز. "حرائر الصين" عاد المعرض هذه السنة بالزمن الى قرون قبل الميلاد مرتدياً أزياء الصين الحريرية، معرفاً ب"حرائر الصين"، إذ ترجع ولادة الحرير فيها الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وكل زي صيني معروض في قاعات المتحف يحكي من خلال زخارفه ورسومه، كالتنين والفراشات والزهور والطيور، عن أسطورة أو تقليد، ويشير الى طبقات المجتمع الصيني آنذاك. فثوب التنين مثلاً، الذي فرضته سلالة شينغ الحاكمة 1644 و1911 بقانون أصدرته في 1766، على الموظفين المدنيين الكبار والضباط العسكريين مكسو برسوم التنين وبرموز أخرى تتناسب ومركزهم في كل المناسبات الرسمية. وأطلق على هذا الثوب اسم"لونغ - باو"أي ثوب التنين. ويرمز رسم التنين على الثوب الى السلطة والثروة والحظ والقوة عند الذكور. وبدءاً من عهد سلالة هان الحاكمة 206 قبل الميلاد - 220 بعد الميلاد اعتبر التنين أيضاً رمزاً للامبراطور إبن الجنة. فيما مثل الموظفون المدنيون الكبار الذين يرتدون ثوب التنين سلطة الامبراطور وكانوا يتمتعون بقدرة تنفيذ إرادته وتطبيق القوانين والعقوبات التي يصدرها. كما يعرض المتحف الأحذية الخاصة بربط القدم، وهي بحسب ما قدمه ملخص أعده المنظمون، عادة مؤلمة أجبرت عليها نساء سلالة"هان"، وتقضي بأن تثنى أصابع قدم الفتاة الصغيرة تحت قوس قدمها لربطها، ما يؤدي الى تشويه شكل كل أصابع القدم وقوس القدم. وفُرض هذا الحذاء على نساء كل طبقات المجتمع. إلى جانب عرض الخيط الصيني والزي المزخرف، جسّد المعرض في"زاوية الراحة"عادات الصينيين المختلفة، وعرض على أسرة عدداً من الشراشف المطرزة والأواني الصينية الذائعة الصيت. حرير لبنان في وزارة الزراعة مكتب الحرير كان يرعى هذه الزراعة كأي زراعة أخرى تؤدي الى صناعة حرفية. وهو لا يزال قائماً، لكن من دون خيط الحرير الذي تدنى إنتاجه بحسب ما قال وزير المال والاقتصاد اللبناني خلال افتتاح المعرض من"31 طناً سنوياً في 1950 الى ستة أطنان وفق إحصاءات العام 2000". وعزا تقهقر هذه الزراعة والصناعة الى"ارتفاع كلفة اليد العاملة والمنافسة". واعتبر أنه"يجب تشجيع صناعة الحرير في لبنان وتطويرها ضمن مرتكزات القيمة المضافة التي يمكن إدخالها عليها". وذكر أن هذه الصناعة كانت"القلب النابض للاقتصاد الوطني في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين". ويستورد لبنان اليوم الخيط الصيني المصنع لحياكة القماش الحريري، ويتميز بنوعية جيدة وينافس بها في الأسواق الأوروبية. ويعرض"متحف الحرير"نماذج من هذا القماش الذي يصنعه أحد المعامل في لبنان. ويعرّف في المقابل الحرير البري الذي تشتهر به مدغشقر ويتميز بلونيه الأخضر والبني القريب من طبيعة الأرض والشجر، لأنه ينمو في الطبيعة من دون تدخل الإنسان، كما أن شرانقه بلدية.