يُتوقع ان يتضح مع نهاية هذا الشهر المسار الذي ستسلكه الأزمة بين الحكومة السودانية والأممالمتحدة في شأن محاكمة المتهمين بجرائم دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وفي ظل تمسك الخرطوم برفض تسليم أي من مواطنيها المشتبه في تورطهم في هذه الجرائم للمحاكمة خارج أراضيها، فإن الخطوة المقبلة، حلحلة أو تصعيداً، سترتسم معالمها بلا شك في التقرير الذي سيرفعه قبل نهاية حزيران يونيو الجاري الى مجلس الأمن كبير المدعين في المحكمة الجنائية لويس مورينو-أوكامبو أرجنتيني المكلّف درس ملف الانتهاكات في دارفور والذي قالت الأممالمتحدة انه يتضمن أسماء 51 شخصاً، معظمهم من مسؤولي الحكومة السودانية أو الميليشيات المتحالفة معها. وكان مجلس الأمن أحال على المحاكمة الجنائية الدولية، قبل نحو شهرين، ملفاً عن جرائم دارفور أعدته لجنة لتقصي الحقائق أوفدتها الأممالمتحدة الى هذا الإقليم المضطرب في غرب السودان حيث تدور مواجهات منذ 2003 بين جماعات متمردة وقوات الأمن التي تساندها قبائل تُعرف ب"الجنجاويد"مُتهمة بارتكاب فظاعات ضد المدنيين عمليات اغتصاب واحراق قرى. وتضمن هذا الملف اسماء 51 شخصاً، بينهم مسؤولون حكوميون وقادة ميليشيات وأعضاء في جماعات التمرد، قالت لجنة الأممالمتحدة انها تعتقد انهم متورطون في جرائم حرب في دارفور. وقال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان انه أحال الأسماء مع الملف على المحكمة الجنائية. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة"ان كبير مدعي محكمة الجنايات في لاهاي، السيد مورينو-أوكامبو، لا يعتبر ان هناك"لائحة ب51 متهماً". وأوضحت انه عندما تلقى الملف المحال من مجلس الأمن ألقى، وبجانبه كبار مساعديه الجالسين معه في مكتبه في مقر المحكمة في لاهاي، نظرة سريعة على الورقة المتضمنة أسماء المشتبه في ضلوعهم في الجرائم"ثم وضعها في مظروف وأعاد غلقه من دون حتى ان يأخذ نسخة من الأسماء الواردة فيه". وأشارت الى ان خطوته هذه تعني انه لا يعتبر ان هناك لائحة بمتهمين، وان عليه هو، وليس الأممالمتحدة، ان يقرر هل هناك أدلة كافية في الملف لتوجيه اتهامات بجرائم حرب. والظاهر انه لا يريد ان يتأثر بالخلاصة التي توصل اليها فريق المنظمة الدولية. وأوضحت المصادر ذاتها ان السيد مورينو-أوكامبو الذي يساعده نائباه سيرج برماريتز بلجيكي وفتوح بن سودة غامبيا، ما زال حتى الآن في مرحلة"تقويم"الملف المحال من مجلس الأمن، ولم يرفع بعد أي قضية ضد أي متهم. وشرحت ان الملفات المحالة على المحكمة يقوّمها الإدعاء في البداية ليرى هل هناك أدلة كافية لرفع قضية وتوجيه اتهامات، وإذا كانت بالفعل هناك أدلة كافية لمباشرة متابعات قضائية يتم عندئذ توجيه التهم. وقالت ان التهم التي يدرسها الإدعاء حالياً هي تهم تتعلق بالابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب. وأعطى مجلس الأمن لمحكمة الجنايات مهلة ثلاثة شهور للنظر في ملف الاحالة، على ان يُقدّم كبير المدعين رده قبل نهاية حزيران الجاري. وقالت المصادر المطلعة ذاتها ان"كبير المدعين في محكمة الجنايات يحترم السودان ويحترم جهوده لمعالجة القضية"، في إشارة الى الخطوات التي بذلتها الخرطوم أخيراً لمحاكمة متهمين بجرائم حرب في دارفور. وتابعت ان المدعي العام"يريد ان يبني علاقة مع السودان"، مشيرة الى ان المحكمة الجنائية الدولية"هي خيار أخير"لا يتم اللجوء اليه سوى بعد فشل حكومة بلد ما في اجراء تحقيق ومحاكمات عادلة ونزيهة في جرائم الحرب أو الانتهاكات الحاصلة على أرضها. وختمت بأن المحاكمات التي تقوم بها المحكمة الجنائية يمكن"نظرياً"ان تحصل في أي مكان، لكنها استبعدت حصولها في مكان آخر غير لاهاي. وكان متمردو دارفور أعلنوا انهم لا يمانعون في تسليم أي متهم في صفوفهم للمحاكمة، لكن حكومة الخرطوم رفضت ذلك رفضاً قاطعاً، وأقسم الرئيس عمر البشير بأنه لن يفعل ذلك مهما كان الثمن. ومعلوم ان المحكمة الجنائية تأسست بعد مؤتمر روما الذي ضم 120 بلداً عام 1998. لكنها لم تظهر الى حيّز الوجود سوى في 2002 عندم صادقت 60 دولة على المعاهدة التأسيسية. وكانت أوغندا الدولة الأولى التي تحيل ملفاً بجرائم تحصل على أرضها على المحكمة عام 2004. وفي العام نفسه، طلبت رئاسة المحكمة من الإدعاء درس الوضع في كل من الكونغووأوغندا لمعرفة هل يمكن اجراء محاكمات. وفي بداية العام الجاري، بدأت المحكمة النظر في ملف انتهاكات تحصل في جمهورية افريقيا الوسطى، قبل ان يحيل مجلس الأمن ملف جرائم دارفور على المحكمة في آذار مارس الماضي.