لم تكتمل فرحة جورج حاوي بفوز رفيقه الشيوعي، الياس عطا الله، في الانتخابات النيابية عن المقعد الماروني في طرابلس. كان امس على موعد معه لتهنئته، لكن يد الغدر امتدت اليه واغتالته وهو في منتصف الطريق بين منزله ومنزل رفيقه الذي كان على خلاف معه، في الفترة الاخيرة لتولي جورج حاوي منصب الامين العام للحزب الشيوعي قبل ان يخلفه فاروق دحروج. قبل ايام من المعركة الانتخابية في طرابلس التقيت"ابو انيس"من طريق الصدفة في منزل الصديق توفيق سلطان في محلة الميناء في حضور رفيقه جورج بطل والنقيب السابق للمحامين في الشمال رشيد درباس والزميل فيصل سلمان. في هذا اللقاء الذي كان بمثابة الوداع الاخير، لم يخف حاوي حماسته الشديدة لمصلحة عطا الله بخلاف موقف الحزب الذي خاض الانتخابات متحالفاً مع سليمان فرنجية والعماد ميشال عون، من خلال ترشيحه عن الدائرة الثانية النقيب السابق للمهندسين في الشمال عطا جبور. وقد تبين من خلال مداخلة حاوي دفاعاً عن ترشح عطا الله، بأنه كان يتحدث عن ظروف المعركة الانتخابية وكأنه هو المرشح وان النائب المنتخب داعم له، من دون ان يغيب عن باله توجيه بعض الملاحظات على اداء الحزب في المعركة على رغم ان موقفه بقي تحت سقف التقدير لدور الحزب في الحياة السياسية. كما انه كان عائداً لتوه من جولة انتخابية في منطقتي الكورة والبترون قاده الرحال في نهايتها الى طرابلس التي احبها وكانت تعني له الكثير، رافضاً ان يبدّل موقفه من اهل الشمال عموماً والطرابلسيين خصوصاً، تحت وطأة الظروف القاسية التي عاشها الشيوعيون وانصارهم في هذه المدينة التي لم تبخل في الدفاع عنهم حيال المجازر التي استهدفتهم بسبب الفوضى التي كانت تشهدها الفيحاء من حين لآخر، وتحديداً في خلال الفترة التي تحولت فيها الى ساحة للاقتتال بين مؤيدي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ووحدات من الجيش السوري المرابطة فيها. لقد دفع اليسار اللبناني وعلى رأسه الحزب الشيوعي فاتورة سياسية لا يستهان بها، اضافة الى موجة القتل والتهجير التي استهدفت محازبيه ومؤيديه، من جراء لجوء بعض التيارات الرافعة للشعارات الاسلامية الى تطييف المدينة التي احتضنت امينه العام السابق المرحوم نقولا شاوي في معركته الانتخابية في عام 1972. طرابلس عنت لحاوي الكثير، لذلك"لجأ"اليها قبل ثلاثة ايام من موعد الاستحقاق الانتخابي، مقتحماً العشرات من الاصدقاء والرفاق، وبعضهم لا يزال يعمل في صفوف الحزب، بينما البعض الآخر انشق عنه لكنه لم يوجه اليه سهام الانتقام والتشفي آملاً في اعادة ترميمه ولو بعد حين. كان حاوي فرحاً للغاية لفوز عطا الله، مفتخراً بوصول اول شيوعي، مع انه ترك الحزب، الى البرلمان اللبناني، داعياً الى التصدي لكل محاولات التطييف، متمنياً على الذين شاركوه في الحوار التصدي للشرذمة والاحتقان مؤكداً رفضه العودة بالبلد الى الوراء، مذكراً بمبادراته السلمية التي قام بها فور انتهاء الحرب في لبنان والتي تجلت في انفتاحه على الشريك الآخر الذي كان على خصومة معه اثناء المعارك. واذ كان حاوي استقال من الحزب بالمعنى التنظيمي للكلمة، فانه في المقابل رفض الانسحاب من صفوفه، معترفاً بالاخطاء التي حصلت عندما كان في موقع القيادة، ومبادراً الى اجراء مراجعة نقدية ولم يعف نفسه من الاخطاء التي وقع فيها، اضافة الى انتقاده دور دمشق في لبنان من موقع حرصه الشديد على اقامة علاقات لبنانية - سورية متوازنة. فحاوي الذي كان صلباً في مواقفه، تعرض الى انتقادات من قيادات يسارية ويمينية في وقت حاول فيه تسويق دعوته الى عقد مؤتمر وطني للحوار والمصالحة. الا انه لم يبدّل في وجهة سيره باتجاه خصوم الامس او يتخلى عن رفاقه القدامى والجدد في الحركة الوطنية اللبنانية والحزب الشيوعي. باختصار، كان حاوي يرفض ان يرتاح او يتقاعد سياسياً، وظل يتحرك في كل الاتجاهات ليس بحثاً عن دور، انما لقناعته بأن تضافر الجهود سيؤدي عاجلاً أو آجلاً الى تعبيد الطريق لمصلحة الحوار كأساس لانقاذ البلد الذي تتهدده الحرب الاهلية. لذلك كان حاوي ينظر الى البلد الواحد الموحد، على انه طائفته والملاذ الاخير له، ويقر احياناً بالاخطاء التي يرتكبها عن غير قصد، وهو ينشط دعماً للحوار ويتقبل الانتقاد بصرف النظر عن قساوته لأنه يتحرك عن قناعة من أجل تقريب وجهات النظر عله يوفّق في مسعاه من أجل الحوار الذي حمله على كتفيه وجال فيه على كل لبنان.