ربما هو القدر أن تتشابه مصائب البشرية وخصوصاً عندما تتعلق هذه المشكلات بالأقليات العرقية والطوائف الدينية وبأخصية أكثر عندما تتواجد هذه الأقليات والطوائف في عالم أوحد كالعالم العربي وتحت نير قوموية طاغية في تخليد نسبها القومي وتواجدها الأوحد المجمع على أراضيها التاريخية وما كانت مشكلات العالم العربي وخصوصاً المتعلقة بأمور الأقليات الا رسائل مبطنة تهدد الوحدة الوطنية لهذه القوميات والطوائف المتعايشة مع بعضها منذ ولادة الحدود السياسية الجديدة للدول التي تحتضن هذه القوميات وهذه الأقليات. نشأة الجنجويد في الأساس قامت بغرض الانتصار للقبائل العربية عندما تدخل قبيلة عربية في حرب مع قبيلة أخرى غير عربية ومن دون أن يطلب منهم ذلك. ثم استمر هذا النمط حتى صاروا يهاجمون ويقاتلون لأنفسهم كسباً للغنائم والسلاح ولم تسلم منهم حتى القبائل العربية نفسها فجعلوا من أنفسهم قبيلة تشتري وتبيع الحرب لمن يشتري ويبيع، وهذا ما فعلوه مع الحكومة. فبعد أن فشلت الحكومة في احتواء حركة تحرير السودان وانهزمت في الفاشر ومليط وكتم وشعيرية وبرام وغيرها من المناطق لجأت الى توكيل غيرها بالحرب لها وكان الوكيل جنجويد على رغم نفي الحكومة المتواصل بأنهم ليسوا من جيوشها، وان الذين يقاتلون معها انما هم يقاتلون تحت لواء الدفاع الشعبي. والسؤال هو: لماذا يقاتل الجنجويد لمصلحة الحكومة؟ ربما كانت الاجابة من جزأين. الأولى منها ان لهذه الفئة أطماعاً ذاتية في المغانم والمكاسب كانوا يتخذون لها طرقاً غير شرعية للوصول اليها والآن صارت لهذه المطامع رخصة ممارسة من الحكومة التي كانت تمنعهم من هذه الممارسة. الثاني: خشيتهم من ان انتصارات الحركة على الحكومة في المناطق التي دخلتها لو قدر الله لها لأن تنجح في كل دارفور أو أدت هذه الانتصارات الى امتياز سياسي نالته الحركة عبر اتفاق ما سيجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في أحسن تقدير أو اللجوء الى بعد آخر بعيد من دارفور. وهذا التحليل لن يستطيع أولئك الجنجويد ببساطتهم الى بلوغه وهنا قد تدخل توجيهات من السن ذات طابع حديث مدرك بتداعي الأحداث ونتائجها. وعلى رغم ما تعهدت به الحكومة السودانية مراراً من"تحييد"ميليشيا الجنجويد وتجريدها من السلاح، فإن محققي هيومن رايتس ووتش في غرب دارفور وشمالها تمكنوا من جمع معلومات عن الشبكة الواسعة النطاق من قواعد الميليشيات، وقالت هيومن رايتس ووتش انه ينبغي على مجلس الأمن الدولي توقيع عقوبات على مسؤولي الحكومة السودانية لتقاعسهم عن نزع أسلحة ميليشيا الجنجويد وكبح جماحها، بما في ذلك أولئك المتواجدون في معسكرات الميليشيا. أما الجنجويد الجدد والذين انطلقوا منذ آذار مارس من العام المنصرم في الجزيرة السورية وخصوصاً بعد الأحداث الدامية والذين انفلتوا الى نهب وسرقة وقتل المواطنين الأكراد وعلى مرأى من أعين الأجهزة الأمنية، لا بل أكد الكثير من شهود العيان أنهم كانوا من يحميهم عند النهب والسرقة وقد كانت محصلة ما قاموا به في الحسكة ورأس العين سرقة وحرق أكثر من مئة وخمسين محلاً تجارياً وعشرات السيارات هذا إضافة الى قتل الكثير من المواطنين الكرد. وتحولت في هذه السنة تلك العصابات الجنجويدية الى مدينة القامشلي وبدأت بتنفيذ عمليات السرقة والنهب والتخريب ومحاولات القتل وحتى اغتصاب فتاة كردية ... هذه العصابات الجنجويدية التي انطلقت من دارفور الى القامشلي ولا أحد يعلم هل ستتوقف هنا أم ستنتقل الى أماكن أخرى وخصوصاً في البلدان العربية والتي تحتضن بين طياتها العشرات من الأقليات والقوميات المغايرة للقومية العربية، وهذه الاختلافات تشكل أرضية ملائمة لنشوب هكذا أعمال نهب وسرقة وقتل وتخريب لا بل هي بالأساس سبب نشوب هكذا خلافات. وتحاول قوى كثيرة ومتعددة تحويلها الى صراعات عرقية أو طائفية المستفيد الوحيد منها أعداء الشعب والوطن. ان الاستمرار في الصمت تجاه هؤلاء الجنجويد وعدم محاسبتهم من جانب الأجهزة القضائية الحكومية ولا حتى على الصعيد العشائري والذي يتأسف المرء عليه هي أقاويل رخيصة على ألسنة الكثير من الوجوه العشائرية، فهل تتمكن السلطة من قمع هكذا ممارسات خطيرة تنتهك فيه حرمات الشعب الكردي والاعتداء على كرامته وأمواله وعياله؟ وما زالت السلطة تلتزم الصمت على ممارسات هذه العصابات الجنجويدية وإلا فإن هكذا ممارسات قد تفتح طرقاً أخرى للتعامل معها وليس ببعيد أن تتحول هذه المشكلات الى ذرائع للتدخل الدولي لحماية الشعب الكردي والذي لا ترضى به السلطة بكل تأكيد. اذاً على السلطة المسارعة الى حل هذه المشكلات وتنقية هذه الشوائب من الحياة الاجتماعية وتبقى المسائل الأساسية هي صراع بين الحركة السياسية الكردية والسلطة التي تتجاهل على الدوام نداءات الأحزاب الكردية على رغم افتقارها الى الدقة والمنطق أحياناً لكنها تبقى هي المرشح الوحيد للتفاوض معها لنيل الحقوق الانسانية للشعب الكردي في سورية. فهل من مجيب؟ القامشلي - مسعود عكو