"حان الوقت لأن يعود". عبارة كتبت على ملصقات تحمل صورة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، الرجل الذي عاد إلى الأضواء، هو الذي لم يغب عنها طوال الاعوام ال26 من عمر الثورة، رفيقاً لدرب الإمام الخميني، ورئيساً لمجلس الشورى ورئيساً للجمهورية، ثم الرجل الثاني طوال الأعوام الثمانية الماضية متربعاً على رأس مجلس تشخيص مصلحة النظام، أعلى هيئة تحكيم سياسية في الجمهورية الاسلامية، ليستحق عن جدارة لقب"رجل كل الفصول". صاحب ابتسامة ماكرة ورؤية بعيدة وشخصية قوية، خطيب مفوه. وخبير في نسج التحالفات وحبك الآلاعيب السياسية. وقلما يختلف اثنان على أنه أحد أبرز السياسيين وأكثرهم دهاء في تاريخ إيران الحديث. أضفى رفسنجاني بعداً درامياً على ترشحه. متعمداً إضفاء غموض دام شهوراً. وما أن كاد بازار المرشحين يرسو على محافظين تنقصهم الشعبية وإصلاحيين لا حظوظ كبيرة لهم، حتى اقتحم الساحة"منقذاً"و"مرشح الضرورة"،"مجبراً"نفسه"على تجرع علقم"الرئاسة، في تعبير لا يخلو من دلالات تعيد الى الأذهان عبارة مؤسس الثورة الإمام الخميني لدى قبوله وقف النار في الحرب مع العراق عام 1988 عندما شبه الأمر"بمن يتجرع السم". لكن ترشحه جرع العلقم أيضاً للمحافظين والإصلاحيين معاً وأعاد خلط الأوراق في أوساطهم، إذ إن الرجل في منزلة بين المنزلتين: فلا هو إصلاحي بالقدر المرجو، ولا هو محافظ بالقدر المطلوب. كانت له مع أنصار خاتمي صولات وجولات أدت إلى هزيمته في الانتخابات التشريعية عام 2000، إلا أن جمهور الاصلاحيين يرى فيه أهون الشرور، خصوصاً انه يتمتع بنفوذ طالما افتقد إليه خاتمي. كما أن له شعبية لدى قواعد المحافظين الذين كانت له معهم صراعات أودت ببعض رموز تياره"كوادر البناء"إلى غياهب السجون. وآخر ما كان يتمناه المحافظون الذين نجحوا في شل خاتمي وإضعافه أن يقطف الشيخ المخضرم ثمار جهودهم. وإذا كان يصعب تصور إقدام رفسنجاني على الترشح من دون التشاور مع المرشد الأعلى، فليس من الصعب التكهن بأن السيد علي خامنئي كان يفضل أن يترأس الجمهورية أحد المحسوبين عليه، وهو الذي دعا في إحدى المرات الإيرانيين إلى الاقتراع لرئيس شاب أعمار المرشحين المحافظين بين 44 و51 عاماً. على أن المسحة الدرامية التي أضفاها رفسنجاني على ترشحه لا تنم عن نرجسية قد يملك كثيراً منها، بقدر ما تنم عن إدراكه بأن الجمهورية أمام استحقاقات داهمة، ولا بد من الرجل البراغماتي ذي العقل البارد ولكن الأكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بثوابت الثورة، يستشعر خطراً على النظام الذي ناضل طويلاً من أجل إقامته. فإن تدعو أصوات إصلاحية إلى إعادة النظر في صلاحيات المؤسسات غير المنتخبة كالبند 110 من الدستور الذي يتعلق بصلاحيات المرشد الأعلى، يعني ذلك أن الاستقطاب الحاد بين المحافظين والإصلاحيين يكاد يلامس الثوابت ويتخطى الخطوط الحمر. هذا المشهد الداخلي الغائم تزيده ضبابية ملفات بالغة التعقيد لعل أبرزها العلاقة مع الولاياتالمتحدة والملف النووي وتداعيات سقوط نظام صدام حسين في العراق والدور الإيراني في الشرق الأوسط بعد الانسحاب السوري من لبنان وملف سلاح"حزب الله"، كل ذلك في وقت انتقل"الشيطان الأكبر"بعدته وعديده الى حدود الجمهورية الاسلامية، حاملاً مشاريع الدمقرطة إعادة تركيب خريطة المنطقة. يدرك رفسنجاني أن هذه الملفات لا يمكن مواجهتها بالاستمرار في سياسة الانحناء أمام العواصف التي اعتمدتها إيران في السنوات الماضية ببراعة، وأنه بات مطلوباً من الجمهورية الاسلامية حسم كثير من خياراتها الداخلية والخارجية، لذا كان برنامجه الانتخابي مليئاً بالرسائل والاشارات: إلى الداخل عبر الدعوة إلى"إشراك الجميع كخيار وحيد يمنع استشراء النزاعات والتوترات التي تؤدي بإيران إلى التهلكة"، وتأكيد زيادة مشاركة النساء في الحياة العامة وإيجاد حل لمشكلة البطالة المتفاقمة وخصخصة قسم من الاقتصاد الموجه. وإلى الخارج بالتأكيد على"استعادة الثقة الدولية"بالجمهورية الاسلامية و"التعايش السلمي بينها وبين العالم". وهو إذ أغفل ذكر الولاياتالمتحدة في برنامجه مقتصراً على التعهد بانتهاج"دبلوماسية تفاعلية وبناءة"، إلا أنه في نظر الكثيرين الوحيد الذي تتوافر له الخبرة والقدرة على مواجهة الأزمات الخانقة. فالرجل الذي لعب الدور الرئيس في إقناع الإمام الخميني بقبول قرار مجلس الأمن الرقم 598 لإنهاء الحرب مع العراق، والذي روج للمرة الأولى بعد الثورة لاقتصاد السوق، وإن من دون نجاح كبير، وسهّل ولادة ملحمة"الثاني من خرداد"مفسحاً المجال لتبوؤ الإصلاحيين الحكم بقيادة محمد خاتمي عام 1997، يبدو الوحيد القادر على الجلوس إلى طاولة واحدة مع الأوروبيين والأميركيين من دون أن يلتفت خلفه خشية طعنات المتربصين. المنافسون الرئيسيون لرفسنجاني مصطفى معين 54 عاماً: وزير سابق للتربية وطبيب معروف وهو مرشح ابرز أحزاب المعارضة الإصلاحية"جبهة المشاركة"الذي يتزعمه محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس محمد خاتمي، سبق له أن أكد عزمه"الاعتماد على الجامعات. ثمة 2.4 مليون طالب يمكنهم التأثير في عائلاتهم". و توقع معين أن"تستيقظ"هذه الحركة الطلابية التي حملت محمد خاتمي إلى الرئاسة عام 1997، لكن ما من بوادر تشير إلى أن أولئك الطلاب الذين ضمنوا فوز الإصلاحيين في الماضي سيعلنون التعبئة من اجله. وكان هذا الطبيب وزيرهم حتى آب أغسطس 2003 حيث استقال بعد تظاهرات احتجاج على الهجمات التي استهدفت الطلاب والأساتذة وتنديداً باستحالة الإصلاحات. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستقيل فيها معين الذي سبق أن عين وزيراً في ولاية خاتمي الأولى وفي عهد علي اكبر هاشمي رفسنجاني، فقد قدم استقالته بعد تظاهرات طلابية تم قمعها بعنف في تموز يوليو 1999، غير أن الرئيس رفضها آنذاك. محمد باقر قاليباف 44 عاماً: تخلى عن رئاسة الشرطة في نيسان أبريل لتقديم ترشحه لمنصب الرئاسة، قائد سابق للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري وتولى رئاسة الشرطة بعد التظاهرات الطلابية عام 1999 غير انه واجه انتقادات في حملته بسبب دعوته إلى قمع هذه التحركات الطلابية، يحمل دكتوراه في الجغرافيا السياسية وما زال يقود طائرات في شركة الطيران الإيرانية، ساعياً من خلال ذلك إلى كسب شعبية اكبر. مهدي كروبي 68 عاماً: يعتبر حجة الإسلام كروبي رجل دين متوسط المرتبة وهو إصلاحي معتدل مقرب من الرئيس خاتمي وتولى رئاسة مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الإصلاحيون قبل أن يهزم في الانتخابات التشريعية عام 2004. أعلن كروبي انه يريد"تعزيز سلطة الحكومة"ويؤيد"السلام والصداقة وليس الحرب والتوتر". وتتوقع استطلاعات الرأي فوزه بأكثر من 6 في المئة من الأصوات، وهو مؤشر على خيبة امل قسم من الناخبين المعتدلين.