باءت المحاولات الكثيرة التي لجأت إليها الحكومة السورية للحد من ارتفاع أسعار العقارات عبر السنوات الماضية، بالفشل بعد ان حلقت الأسعار في دمشق وبقية المحافظات إلى أرقام خيالية بددت حلم الطامحين في امتلاك منزل بسعر مناسب. وكان رئيس الحكومة السورية المهندس محمد ناجي العطري اكد ان سوق العقارات سيشهد انخفاضاً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، وذلك على خلفية فتح باب الاستثمار أمام الشركات العربية والأجنبية في السوق السورية. وتعتبر سوق العقارات المكان التقليدي في سورية لجني الأرباح الخيالية منذ العقود الثلاثة الماضية وحتى الآن. وبسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان والبالغة نحو 2,7 في المئة سنوياً، فإن الطلب على العقارات في حالة متزايدة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها من دون ان تكون هناك ضوابط واضحة لكبحها. وعزا متعاملون في سوق العقارات ارتفاع الأسعار إلى الأحداث السياسية الضاغطة على دمشق والى ضعف حركة المضاربة في السوق، إضافة إلى خفض الفائدة في البنوك الحكومية وغلاء مواد البناء والأيدي العاملة. وقال صاحب مكتب"الخير العقاري"في حي المزة الراقي حسان الحفار لپ"الحياة":"يوجد جمود في السوق ، لكن الأسعار لم تهبط. لا بد لكي تعود الأسعار إلى طبيعتها وتكون في متناول الجميع من قيام الدولة بتنظيم مناطق جديدة وعرضها على المستثمرين. والأسعار الحالية عالية جداً"، لافتاً إلى ان أسعار المنازل ارتفعت في حي المزة الراقي منذ بداية العام الحالي ما بين 15 و20 في المئة، حيث وصل سعر المنزل الذي تبلغ مساحته 200 متر مربع الى 13 مليون ليرة سورية 260 ألف دولار أميركي بعد ان كان سعره بحدود تسعة ملايين ليرة. وكان تجار البناء والوسطاء لعبوا في الأعوام الماضية دوراً كبيراً في الحركة العمرانية في سورية، ما رفع الأسعار وخلق أزمة سكن لا تزال قائمة. فقد وصل سعر المتر السكني على الهيكل في حي"كفرسوسة"، أحد الأحياء الصاعدة منذ بداية العام إلى نحو 80 ألف ليرة سورية بعد ان كان سعره قبل عامين ما بين 30 و40 ألف ليرة في بلد لا يتعدى الراتب الشهري للموظف في احسن الأحوال 150 دولاراً أميركياً. عزا أصحاب المكاتب سبب هذا الارتفاع الكبير إلى إقبال المغتربين وخصوصاً في الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على المناطق الصاعدة. بينما علق المواطن منذر الرفاعي على هذه الأسعار بالقول:"الأسعار وصلت إلى الذروة وهي غير طبيعية ولا تتناسب مع دخل المواطن". وأضاف:"لا اعتقد أن هناك أزمة سكن وانما لعبة تجار يسيطرون على السوق". وعلى رغم هذا التشاؤم الذي يبديه البعض، يعلق من المواطنون آمالاً عريضة على القرار الحكومي بفتح باب الاستثمار في السوق العقارية. ويعتقد هؤلاء ان القرار الجديد سيساهم في خفض الأسعار من خلال قيام المستثمرين ببناء الأبراج السكنية وعرض شققها بأسعار تنافسية. وقال صاحب مكتب"الغصون العقاري"في حي الزاهرة زهير حمامي:"إن حركة البناء ضعيف، بل معدومة بسبب غلاء أسعار الأراضي داخل دمشق وعلى أطرافها، والمشكلة الثانية هي دخل المواطن الذي لا يستطيع من خلاله تأمين مسكن مهما طال عمره". وانعكس ارتفاع الأسعار أيضاً على المنازل المعدّة للإيجار في معظم أحياء دمشق. ويسود اعتقاد لدى غالبية السكان ان هذا الارتفاع يعود إلى وجود أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين الذين يقيمون في سورية. ويقدر عددهم بأكثر من 500 ألف شخص. وفرض هذا الواقع الجديد في غلاء إيجار الشقق ضغطاً اقتصادياً يضاف إلى الضغوط الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون منذ سنوات طويل،ة بعد ان راح أصحاب الشقق يعملون على فرش شققهم وتأجيرها بأسعار مرتفعة للمقيمين في سورية من جنسيات مختلفة حتى اصبح المواطن السوري ينتظر أسابيع طويلة للحصول على مسكن يؤويه مع عائلته. ووصل سعر ايجار الشقة المفروشة من غرفتين وصالون في مخيم اليرموك، أحد الأحياء المكتظة في السكان إلى 15 الف ليرة في الشهر، في حين بلغ أيجار الشقة غير المفروشة نحو 8 آلاف ليرة في الشهر والرقم يعادل الراتب الشهري لموظف حكومي. ويبلغ عدد سكان سورية بحسب الاحصاء العام الذي جرى في العام الماضي اكثر من 17 مليون نسمة، يعيش اكثر من 11 في المئة منهم تحت خط الفقر. وأدى الطلب المتزايد على المنازل نتيجة التزايد الكبير في عدد السكان وارتفاع الأسعار، إلى دفع المواطنين إلى إقامة تجمعات سكنية عشوائية وصلت فيها الكثافة السكانية إلى حد الإشباع، ولا تزال هذه التجمعات تربك المخططين وتكلف خزينة الدولة الملايين من الدولارات سنوياً نتيجة الاستجرار غير النظامي للكهرباء والماء. وتشير دراسة أعدتها محافظة دمشق إلى أن نحو 36 في المئة من سكان العاصمة يعيشون في تجمعات عشوائية مخالفة يبلغ عددها 43 تفتقر إلى ابسط الشروط الصحية. وساهم في ولادة تلك الأحياء التي أنشئت على عجل، العقلية البيروقراطية النفعية التي كانت ولا تزال محسوبة على صناعة القرارات الحكومية بعد ان عملت تلك الذهنية وعلى مدى عقدين من الزمن على تفريغ القوانين الخاصة بالسكن العشوائي من محتواها. وكانت شركات سعودية عرضت تنظيم تلك المناطق منذ بضع سنوات مقابل استثمار ما تبقى من أراض خالية لاقامة أبراج سكنية وطرح شققها للبيع بالتقسيط، لكن مشاريعها لم تلقَ ترحيباً حكومياً على ما يبدو آنذاك. وفي محاولة لحل أزمة السكن لدى جيل الشباب، أطلقت الحكومة قبل عامين مشروعاً لبناء آلاف الشقق السكنية في بعض المحافظات السورية ستلبي طموح اكثر من 25 ألف مكتتب عليها، وستباع، بحسب مصادر حكومية، بسعر الكلفة البالغ نحو 10 آلاف دولار أميركي.