"اللاجئون البيئيون" . ذلك اسم الظاهرة الجديدة التي تشهدها الجزر المرجانية في منطقة الكارتليتس عند الطرف الجنوبي من المحيط الهادئ. فلأول مرة في التاريخ, يضطر الناس إلى ترك موطنهم بأثر من التغيّر في البيئة. وأمرت السلطات سكان تلك الجزر بالنزوح لأن ارتفاع مياه المحيط هناك بلغ حدّاً يهدد بموتهم غرقاً. وتشير دراسة جديدة إلى أن مستويات سطح البحر ارتفعت كثيراً خلال الپ150 عاماً الماضية. كما أن معدل هذا الارتفاع يبلغ ضعف ما شهدته القرون السابقة. وبتحليل معطيات إحصائية لمؤشرات المد والجزر، استنتج العلماء أن مستوى سطح البحر وصل إلى مستوى قياسي لم يشهده منذ 100 مليون عام! والمعلوم أن مستوى ارتفاع البحار لم يتعد نحو 2 سنتيمتر خلال القرون الماضية. وسيصل إلى 88 سنتيمتراً مع نهاية القرن الجاري. وكذلك يؤكد العلماء أن غاز ثاني اوكسيد الكربون CO2، يُعتبر مسبباً أساسياً لظاهرة الاحتباس الحراري. وتكشف دراسة أوروبية جديدة ايضاً، أن المستويات الراهنة من انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكربون في جو الأرض، وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 650 ألف سنة، ما زاد معدلات درجة حرارة الأرض إلى نسب مدمرة. والمعلوم أن النشاط الاقتصادي والصناعات الحديثة تمثل مولّداً رئيسياً لثاني اوكسيد الكربون، اضافة الى التآكل المستمر في مساحة الغابات عالمياً، على غرار ما يحصل في غابات الامازون. وأدت تلك العوامل إلى تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري التي تُسمى علمياً "اثر البيت الزجاج" Green House Effect. ويقول العلماء إن ارتفاع مستويات سطح البحر خلال القرن ونصف القرن الماضية، ترافق مع متغيّر اقتصادي أساسي يتمثل في ارتفاع معدلات استخدام الوقود الاحفوري مثل النفط والفحم الحجري. ويولّد احتراق هذه المواد الاحفورية مجموعة من الغازات، مثل ثاني أوكسيد الكاربون وأول أوكسيد النيتروجين وغيرهما، والتي يسميها العلماء "غازات أثر الدفيئة" لأن تراكمها أدى الى ارتفاع حرارة الارض. استدعى هذا التطور الخطير في الأزمة البيئية تحركات واسعة على مستوى دولي وآخرها "المؤتمر الدولي حول المناخ" ، الذي ينعقد راهناً في مدينة مونتريال في كندا، تحت اشراف الأممالمتحدة. ويعتبر هذا المؤتمر أول اجتماع دولي يعقد حول الموضوع منذ عام 1998، حين وقعت "اتفاق كيوتو" بشأن خفض نسبة الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وتناقش الوفود المجتمعة في مؤتمر مونتريال كيفية خفض مستوى انبعاث الغازات المسببة للاحتباس . كما يناقش المؤتمرون الإجراءات الممكن اتخاذها حتى مطلع عام 2012 حين ينتهي مفعول "اتفاق كيوتو" . وتعارض الولاياتالمتحدة هذا الاتفاق. وتخشى أن يؤدي تطبيقه إلى التأثير سلباً في النمو الاقتصادي فيها. ويبرز في هذا المؤتمر التعارض الحاد بين وجهتي نظر الولاياتالمتحدة وأوروبا. اذ يطالب الأوروبيون أميركا بالانضمام الى اتفاق كيوتو وعدم البقاء على الحياد في موضوع الحد من انبعاث غازات الدفيئة. كما شهد مؤتمر مونتريال نقاشاً بشأن كيفية إقناع الدول النامية بانتهاج حد أقصى للغازات المنبعثة. وباتت هذه الدول ضحية مشكلة الاحتباس الحراري. فبحسب تقارير اليونيسكو أدى تغير المناخ إلى نقص في موارد المياه في 19 دولة في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية. ويتوقع خبراء دوليون أن تظهر في العالم خلال السنوات الخمس المقبلة، موجات نزوح سكاني بسبب تدهور الظروف المناخية والبيئية في معظم دول العالم. ويقول هؤلاء أن نحو 50 مليون شخص قد يتحولون إلى لاجئين لأسباب بيئية . وتوصل الخبراء إلى توقع هذا العدد الهائل من اللاجئين استناداً الى تقارير سابقة، من بينها تقرير أصدره الصليب الأحمر الدولي عام 1999 عن الكوارث. وأشار هذا التقرير إلى أن الكوارث الطبيعية في عام 1998 تسببت في نزوح عدد من اللاجئين أكبر مما تسببت فيه الحروب أو الصراعات المسلحة التي حدثت في تلك السنة. وأضاف تقرير الصليب الأحمر الدولي، إن خفض خصوبة التربة والفيضانات وذوبان الجليد أدت مجتمعة إلى نزوح 25 مليون شخص من منازلهم عام 1998، وانضمت أكثرية أولئك اللاجئين إلى مجتمعات عشوائية تعيش في المدن ضمن ظروف سيئة. حملت هذه التوقعات خبراء في "جامعة الأممالمتحدة" على المطالبة بوضع تعريف جديد "للاجئين البيئيين" ، لأن تغير مناخ الأرض والاضطرابات البيئية بدأت تجبر الناس على هجر منازلهم، بقدر ما تدفعهم الاضطرابات السياسية والاجتماعية لذلك.