حرصت مجموعة"امنيوم شمال أفريقيا"أونا، على نقل وقائع نتائجها الفصلية في نهاية الأسبوع الماضي، مباشرة على مواقعها على الإنترنت، وعلى شاشة كبيرة وسط بورصة الدار البيضاء, لإضفاء مزيد من الشفافية على تعاملات الشركات المغربية، وجلب مزيد من المستثمرين المحليين والأجانب، وترسيخ ثقافة إعلان النتائج التي لا تلتزم بها كل الشركات، على رغم إلزامية قوانين البورصة. وتعتبر بيانات مجموعة"أونا"وفروعها المختلفة، خصوصاً الشركة الوطنية للاستثمار"اس ان أي"، ضرورية بالنسبة الى المتعاملين في البورصة المغربية، حيث تحوز المجموعة نحو 60 في المئة من الأسهم المتداولة، والمقدرة قيمتها السوقية بنحو 30 بليون دولار, وهي تشمل قطاعات المصارف والتأمين والمعادن الثمينة والإسمنت والصلب والحديد والتجارة والتوزيع والاتصالات والسياحة والسيارات وشركات تمويل الاستهلاك. وتتوقع الشركة تحصيل إيرادات بنحو ثلاثة بلايين دولار في نهاية عام 2005، ما يجعلها اكبر شركة قطاع خاص في مجموع منطقة شمال غربي أفريقيا وجنوب المتوسط. تباين الأرباح في الشركات الفرعية وجاء في نتائج المجموعة، ان"أونا"حققت زيادة في الإيرادات بنسبة 7.5 في المئة في النصف الاول من عام 2005، إلى نحو 12 بليون درهم 1.33 بليون دولار، في وقت تضاربت الأرباح من فرع إلى آخر، ما جعل المجموعة تحافظ على حصتها نفسها من الأرباح المسجلة في النصف الاول العام الماضي، أي 353 مليون درهم. وقدرت الأرباح المجمعة بنحو 921 مليون درهم، مقارنة ب 1.4 بليون درهم عن الفصل السابق. ومن جهته، حقق الفرع الصناعي"الشركة الوطنية للاستثمار"، زيادة في الأرباح بنسبة 77 في المئة، بلغت 590 مليون درهم، فيما بلغت الإيرادات 874 مليون درهم. وتعززت الثقة في فروع شركة"أوتبورغ"، الفرع الأفريقي للمجموعة الذي تضرر من الحروب وعدم الاستقرار، الذي تشهده بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء. وكانت"أونا"استعادت السيطرة على"أوتبورغ"مقرها باريس في منتصف تسعينات القرن الماضي، خصوصاً مصانع معالجة الأسماك في مدغشقر. وهي تنوي الدخول في قطاع الطاقة في الغابون والكمرون وبناء أنبوب لنقل الغاز. وعزت المجموعة، تباين الأرباح في الفروع إلى التحولات الاقتصادية الدولية، وزيادة المنافسة المحلية، إضافة إلى خسائر بعض القطاعات نتيجة الجفاف وتراجع الإنتاج الزراعي، أو بسبب انخفاض أسعار صرف الدولار. وبحسب النتائج، تراجع أداء قطاع المعادن بنسبة 35 في المئة بسبب مباشرة العمل في منجم الذهب"سميرة هيل"في النيجر, وتراجع أسعار الكوبالت في السوق الدولية، من 23 دولاراً إلى إلى 14 دولاراً. وتتوقع المجموعة تسجيل أرباح في قطاع المعادن الثمينة في الربع الأخير من العام، بسبب ارتفاع أسعار الذهب. وفي القطاع الغذائي، توسعت مشاريع الشركة مع شراء 34 في المئة من شركة مصفاة الزيوت الأفريقية في تونس. وتواجه منتجات الزيوت التابعة للمجموعة مثل"لوسيور كريستال"منافسة قوية من مجموعة"صافولا"السعودية للزيوت، التي تحقق توسعاً في السوق المغربية. وقالت"أونا"، ان قطاع المنتجات الغذائية يساهم بنسبة النصف في مجموع الأرباح. ويرتبط القطاع الغذائي بقطاع التجارة والتسوق، حيث عمدت"أونا"إلى بناء سوبرماركت جديدة في عدد من المدن المغربية من سلسلة مرجان وسلسلة أسيما، ليصل المجموع إلى 29 محلاً تجارياً ممتازاً يغطي نحو 90 ألف متر مربع. الاستثمار في المصارف والاتصالات لكن أهم ما حققته"أونا"في العامين الأخيرين، كان شراء غالبية الأسهم التي كانت تمتلكها مجموعة الكتاني الثرية في مصرف بنك الوفاء، الذي أدمجته المجموعة مع مصرفها التجاري "بي ام سي"، بكلفة زادت على نصف بليون دولار. وحقق"التجاري وفا بنك"اكبر قدر من الأرباح في مجموع المصارف المغربية، وبلغ اكثر من 81 مليون دولار في النصف الاول من العام، وزاد النشاط المالي على 13 بليون دولار. وتستعد"أونا"للعودة الى قطاع الاتصالات، عبر تملكها حصصاً في شركة"ماروك كونيكت"، التي فازت الشهر الماضي بمناقصة إقامة شبكة ثالثة للهاتف الثابت، لتطوير خدمات إنترنت. وكانت"أونا"انسحبت جزئياً من قطاع الإعلام والاتصال في عام 1996، عقب الخسائر التي تكبدتها في شركة القناة الثانية، ما دفع الحكومة الى تملك حصة 70 في المئة في التلفزيون الذي يبث من الدار البيضاء, الى جانب حصص أخرى لا تزال تملكها"أونا"في إذاعة البحر الأبيض المتوسط"ميدي 1"في طنجة، التي تتقاسم رأسمالها أطراف مغربية وفرنسية. 90 سنة من الاقتصاد الخاص وتستعد الشركة للاحتفال بمرور 90 سنة على إنشائها عام 1919، من جانب مجموعة بنك ناسيونال دي باري - باريبا، الذي كان اقرض الخزانة المغربية مبالغ ضخمة لبناء ميناء الدار البيضاء على المحيط الأطلسي لاستقبال السفن الأوروبية. وكان ذلك القرض سبب فرض الحماية الفرنسية على المغرب عام 1912. وكانت"امنيوم شمال أفريقيا"في بدايتها شركة فرنسية متخصصة في النقل الدولي والتنقيب عن المعادن والنفط في مجموع منطقة المغرب العربي ومقرها في الدار البيضاء, لكنها توسعت أفريقياً في ما بعد، عندما أقامت تحالفاً مالياً مع مصرف البنك التجاري المغربي، الذي كانت تملكه عائلة يهودية مغربية في الدار البيضاء. وحتى عام 1984، ظل منصب رئيس مجلس الإدارة من نصيب شخصية فرنسية أو مغربية من اصل يهودي, ويعتبر دافيد عمار آخر أولئك الرؤساء، قبل انتقال غالبية الأسهم الى الطرف المغربي في منتصف الثمانينات. ويقول مقربون من"اونا"، ان الملك الراحل الحسن الثاني كان هو الرئيس الفعلي للمجموعة، وسخرها لحماية المغرب من التأثيرات السلبية التي طاولت الاقتصاد المغربي، جراء توقيع اتفاق الهيكلة الاقتصادية مع البنك والصندوق الدوليين، المعروف باسم"باس"، والذي كان يهدف الى تحرير الاقتصاد المحلي وتثبيت الحسابات الماكرواقتصادية عام 1983، بإطلاق سلسلة إجراءات اعتبرت غير شعبية، ونجمت عنها انتفاضات اجتماعية بسبب غلاء الأسعار وانخفاض الأجور وتراجع التوظيف في القطاع العام والخدمات الطبية. ولعبت"أونا"دوراً كبيراً في تحصين الاقتصاد المحلي والفئات الفقيرة، عبر طريق انتاج المواد الأساسية مثل الزيوت والسكر والقمح والحليب والألبان والمعلبات والمشروبات وصناعة السيارات والتجهيزات المنزلية والملابس وغيرها. وفي عام 1989 دخلت"أونا"قطاع الإعلام عبر إنشاء القناة الثانية في الدار البيضاء بكلفة 50 مليون دولار، وكانت في البداية قناة مشفرة. ويذكر مقربون من المجموعة، ان المستثمر اليهودي مردوخ صاحب مجموعة"سكاي"البريطانية منح القناة المغربية الأفلام التي بثتها ليلة انطلاقها، في الرابع من آذار مارس. وفي نهاية الثمانينات، فتحت"أونا"رأسمالها للاكتتاب أمام الجمهور المغربي، لشراء حصص أجنبية في الشركة كانت مملوكة لشخصيات دولية نافذة, وتبعها فتح رأس المال أمام المستثمرين العرب، خصوصاً الليبيين والخليجيين. وسمحت"أونا"عبر الفرع الليبي لافيكو، بنقل أموال ليبية الى مصارف في بعض الدول المحايدة مثل سويسرا، ما اغضب الأميركيين. وتوسعت مشاريع"أونا"مع لافيكو في التسعينات ببناء ناطحتي سحاب في الدار البيضاء بكلفة تزيد على 120 مليون دولار. وكان المستثمر الأميركي جورج سوروس، أحد الذين كسروا الحصار على ليبيا عندما تملك 2 في المئة في أونا عبر بورصة الدار البيضاء. لكن اكبر دور عربي لعبته"أونا"في التسعينات كان في اتجاه القضية الفلسطينية, فقد ساهمت في إنشاء صندوق استثمار للمناطق الفلسطينية المحررة لبناء مطار دولي وبنى تحتية ومنازل ومدارس ومستشفيات للفلسطينيين بقيمة 200 مليون دولار، لدعم سلطة الرئيس الراحل ياسر عرفات، في إطار دعم خطة السلام في الشرق الأوسط عقب القمة الاقتصادية الأولى في الدار البيضاء في خريف عام 1994. وشكل التعاون مع مصرف"بانيستو"الإسباني، ومصرف"بوعليم"الإسرائيلي ومجموعة"الغصين"الفلسطينية ومؤسسة سليمان بروذرز الأميركية اليهودية، قاعدة مالية مهمة لدعم خطوات السلام في الشرق الأوسط، التي سرعان ما انهارت بعد صعود بنيامين نتنياهو للحكم في تل أبيب, وأعقبه إفلاس مصرف بانيستو الإسباني، والفضائح المالية التي طاولت الحكومة في مدريد. الاستثمارات العربية وفي منتصف التسعينات توجهت"أونا"بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني نحو مزيد من الشراكة العربية، خصوصاً مع مستثمرين سعوديين وإماراتيين, وأنشأت صناديق استثمار مسجلة في جزر كايمان في خليج المكسيك وجزر جيرزي في المحيط الأطلسي، لجلب مزيد من الاستثمارات العربية، في وقت كان الاتجاه نحو إشراك اكبر نسبة ممكنة من الاستثمارات العربية في برامج الخصخصة، التي كانت انطلقت في نهاية عام 1993. وأدى التعاون بين"أونا"وبعض المستثمرين العرب الى توسيع الوجود المالي العربي في الولاياتالمتحدة الأميركية، عبر أطراف ثالثة. كما سمح هذا التعاون بشراء جزء من الديون الخارجية المغربية في السوق الثانوية في لندن في نهاية التسعينات، لتعزيز رتبة تصنيف المغرب في المؤسسات الدولية لجهة مخاطر الاستثمار وقدرة التسديد السيادية. وفي مطلع الألفية الثالثة، انتقلت"أونا"الى رقابة غير مباشرة من الملك محمد السادس، الذي عمد الى تقليص مساهمة شركة ساجير التي تدير أصول العائلة المالكة في المجموعة، وتحديث طاقمها بعناصر مغربية شابة. وجرت اعادة توزيع الرأسمال بين المجموعة وفرعها الصناعي، كما تعزز حضورها في القطاع المالي، بالسيطرة على بنك الوفاء وشراء الحصص الفرنسية التي كان يملكها كريدي اغريكول والحصص الاسبانية التي كان يملكها بنك"بي بي في". ويعتقد المحللون بأن"أونا"لعبت عبر تاريخها الطويل دوراً رائداً في تطوير الاقتصاد الخاص المغربي، وتحصينه من الهزات الدولية, أو في سعي الشركات الأجنبية الى اعادة السيطرة على بعض جوانب الاقتصاد المحلي, إدراكاً منها ان الحماية الأوروبية على المغرب، فُرضت قبل 100 سنة في غياب قطاع خاص قادر على المواجهة الدولية, وهذا ما لا يسمح الجيل الجديد بتكراره في الألفية الثالثة، على رغم اختلاف الأحداث والأسباب والأهداف.