بعد صدمة الرفض الشعبي الفرنسي للدستور الأوروبي، ضعف موقع الرئيس الفرنسي جاك شيارك داخلياً وأوروبياً، فلجأ الى صيغة حكومية فاجأت الجميع لكنها عبرت عن رهان ذكي من جانب اليمين الفرنسي. فتعيين دومينيك دوفيلبان رئيساً للحكومة، وتعيين الخصم المعلن لشيراك، نيكولا ساركوزي وزير دولة ووزيراً للداخلية وبالتالي الرجل الثاني في الحكومة، شكلا حلاً توحيدياً واعتبر أفضل الصيغ بالنسبة الى اليمين الفرنسي. فلو ان شيراك عين ساركوزي رئيساً للحكومة لكان فرض على نفسه ما يشبه صيغة التعايش مع خصم لا يثق به كونه يريد تطبيق سياسات من دون استشارته والأخذ برأيه. أما تعيين دوفيلبان، وهو من المقربين والموثوق بهم، فيبقي شيراك في موقع الحكَم النهائي على صعيد النهج الحكومي. هذه الصيغة التوحيدية اوحاها دوفيلبان الذي اختبر السياسة الفرنسية، من خلال عمله الى جانب شيراك منذ العام 1995، وهو مقتنع بأنه في ظل الأزمات والمشاكل ينبغي توحيد الصف. اذ ان إشراك ساركوزي في الحكومة بهذا الشكل يحيّده ويحول دون توجيهه ضربات الى حكومة تريد وتحتاج القيام بانجازات مرضية لمستقبل فرنسا. مهمة دوفيلبان ضخمة وهو مدرك لذلك، فإما ان ينجح ويصبح خليفة شيراك على رأس اليمين وإما يفشل ويتسلم ساركوزي زعامة اليمين في اطار جهده للوصول الى الرئاسة. وقد تكون المعادلة التي اعتمدها شيراك بعد صدمة الاستفتاء على الدستور هي:"ليكن النجاح من حظ الأفضل". وتتحفظ أوساط ديبلوماسية عدة بل تشكك بإمكان نجاح دوفيلبان لأنه غير مجرّب في السياسة الفرنسية على الارض، لكنه يمتلك ميزات وقدرات قد تساعده على التقدم واجراء الاصلاح المطلوب والذي يشكل مهمة شبه مستحيلة في فرنسا. اشتهر دوفيلبان بخطابه في الأممالمتحدة عندما رفض الحرب الاميركية على العراق، ولديه الجاذبية والقدرة والذكاء للقيام بهذه المهمة الصعبة. يتهمه اعداؤه بأنه لا يحب النواب ولا يعرفهم ولا يعرف دواخل السياسة الفرنسية، لكن دوفيلبان اختبر السياسيين والنواب عندما كان أميناً عاماً للرئاسة وكان هو محاورهم الأول. أما ما تنقصه معرفته فقد خبره خلال توليه وزارة الداخلية حيث اعتبر وزيراً ناجحاً. هذا الشاعر والكاتب لسيرة نابوليون لا ينقطع عن العمل وتربطه علاقة وثيقة ووفية بشيراك لكنه لا يثق بساركوزي الذي كثيراً ما اصطدم به. دوفيلبان مدرك في هذه المرحلة لضرورة توحيد صف اليمين، ومقتنع ايضاً بأن العمل يجب ان يكون على اساس التضامن الاجتماعي والحرية، وهذه معضلة فرنسية يصعب تطبيقها بنجاح. يتمتع دوفيلبان بجاذبية كبرى قد يستخدمها وقد تساعده في التحاور الضروري مع الشركاء الاجتماعيين وهم النقابات التي تمسك بالحل والربط في ما يخص الأوضاع الاجتماعية. وأمام دوفيلبان 22 شهراً لاجراء الحوار المطلوب. يكن دوفيلبان تقدير ووفاء كبير لشيراك وهو قال عنه خلال جولة الرئيس الفرنسي في مدينة وهران الجزائرية وسط رصاص الابتهاج"هذا الذي لا يخاف السير تحت الرصاص لن يخاف استخدام حق النقض ضد الحرب في العراق". والشعب الفرنسي الذي صوت ب"لا"على الدستور الأوروبي هو جزء من اليسار واليمين المتطرف الفرنسيين، ومن المتوقع ان يكون استقبال هؤلاء للصيغة الحكومية سلبي جداً. لكنها الحل الوحيد المتاح الآن أمام رئيس يحتاج الى دعم حزبه للدفاع عن الإرادة الشعبية في القمة الأوروبية وأمام شركائه الأوروبيين. أما بالنسبة الى وزارة الخارجية فمن المرجح ان يحتفظ الوزير الحالي ميشال بارنييه بمنصبه لأنه يحظى بثقة شيراك الذي لا يزال المسؤول عن ملف السياسة الخارجية. وبقاء بارنييه من شأنه ان يطمئن الأوروبيين لأنه مناضل من أجل أوروبا.