اذا كان لوكينو فسكونتي 1906 - 1976 هو الذي اطلق تيار الواقعية الجديدة، بمشروع تأخر تحقيقه، وفيلم على الطريقة الاميركية حققه باكراً، فان روبرتو روسليني 1906- 1977 كان هو واضع الحجر الصحيح في صرح بناء هذا التيار، لكن روسليني، الذي سينصرف آخر حياته الى العمل للتلفزة والى المزج بين السينما والتاريخ والفلسفة، لم يتمكن - على رغم كل نياته المعلنة - من مواصلة نهجه، بعد"روما مدينة مفتوحة"، الا في فيلمين كبيرين آخرين هما"باييزا"1946 و"المانيا العام صفر"1947. الاول يضم ست حكايات عن المقاومة الايطالية، ودخول الجيش الاميركي لتحرير ايطاليا، والثاني تحقيق شاعري عن المانيا نفسها. والحال ان الفيلمين لم يحققا نجاحاً تجارياً، وان كان ساهما في وضع الاسس الحقيقية للسينما التي كان روسليني يريدها. من ناحية تلقف كاتب السيناريو تشيزار زافاتيني الكرة... ليقترن اسمه، بعد ذلك، اكثر من أي اسم آخر ب"الواقعية الجديدة"، طوال سنوات وجودها. وخصوصاً من خلال اعمال كتبها هو، ليحققها فيتوريو دي سيكا، مقدمين من خلالها صورة مدهشة للواقع الايطالي. ومن هذه الافلام ثلاثة اساسية هي"شوشيا"و"اومبرتو د.".. وبخاصة"سارق الدراجة"الذي يظل الاشهر وربما الاقوى والاجمل من بين كل افلام"الواقعية الجديدة". واذا كان دي سيكا قدم دائماً كمخرج متميز لهذه الافلام، فان الانصاف يدفع الى القول ان قامة زافاتيني هي التي تطل شامخة منها. اذ انه هو الذي وضع أسس ذلك الاسلوب الذي يقوم على تحقيق سينمائي يرتكز على عقدة روائية، منادياً ب"سينما مفيدة للانسان"يمكن الشخص العادي ان يفهمها ويستوعبها. غير ان زافاتيني، ومنذ"معجزة في ميلانو"و"ذهب نابولي"1955 راح يتخلى عن توجهاته ليركز على العقدة الروائية اكثر من تركيزه على البيئة الشعبية. واذا كان اسم دي سيكا ارتبط باسم زافاتيني الذي كتب له معظم سيناريوات افلامه، فان زافاتيني كتب لآخرين ايضاً، ومنهم بلازيتي ورينيه كليمان وفسكونتي ودي سانتيس. اما دي سيكا، فانه يعتبر بدوره من اقطاب الواقعية الجديدة، وان غلب على شهرته الشعبية كونه ممثلاً كوميدياً. لوكينو فسكونتي، اذاً، كان هو المؤسس، كما سيكون لاحقاً متعهد الدفن لذلك التيار.. ومع هذا فإن اسهام فسكونتي الكبير في"الواقعية الجديدة"لم يكن في"وسواس"- فيلمها الاول - بل في"الارض تهتز"الذي حققه في جزيرة صقلية في العام 1948، ورسم فيه - من وجهة نظر ماركسية معينة - صورة لصراع صيادي السمك البائسين، علماً أن ثورة الصيادين تنتهي هنا الى الفشل، مع ان فسكونتي طبق فيه كل الأسس القديمة للواقعية الجديدة، بما في ذلك استخدام اللهجة المحلية للسكان. مهما يكن فإن فسكونتي سيدنو من هذه الواقعية الجديدة، مرة اخرى في واحد من افضل افلامه لتلك المرحلة وهو"الاجمل"عن سيناريو لزافاتيني نفسه... لكنه لاحقاًُ سيسير في طرق اكثر تشعباً وعمقاً وارتباطاً بمفاهيم الجمال المطلق... وهذه حكاية اخرى. لقد اشرنا في سياق هذه الملف الى ان بدايات فلليني وانطونيوني كانت بدورها"واقعية جديدة"لكنها كانت ذات خصوصية ستتضح لاحقاً. اما المخرج الذي يمكننا ان نضيفه حقاً الى ذلك التيار فهو المنسي الى حد كبير اليوم جوزيبي دي سانتيس، الذي كان الاكثر وضوحاً في تقسيمه الطبقي للعالم، وفي تناوله لمواضيعه... فكان بالتالي مفهوماً اكثر، من جانب المتفرجين، ما ابقى لفيلمه الاجمل"الرز المرّ"مكانة كبرى في تاريخ السينما الايطالية، حتى وان كان كثر يرون ان افلاماً اخرى لدي سانتيس، مثل"المطاردة المأسوية"و"دقت الساعة"، تفوقه جمالاً. روسليني وفسكونتي ودي سيكا وزافاتيني ودي سانتيس، كانوا البناة الحقيقيين للواقعية الجديدة، وكانوا نجومها ايضاً... كانوا هم الذين اقاموا صرحها اذ نهلوا من سقوط الفاشية ومن الواقع الاجتماعي، ومن جان رينوار والمدرسة الروسية والادب الايطالي الكبير... اضافة الى رغبتهم العارمة في التحديث. غير ان هؤلاء، لم يكونوا وحدهم، بل كان هناك آخرون ايضاً، وان كانوا اعتبروا دائماً اقل قيمة ونفوذاً. ومن هؤلاء البرتو لاتوادا من اهم افلامه"اللص"- 1946، و"بدون رحمة"- 1948 الذي سيعود بسرعة الى السينما التجارية التي بدأ بها، ليقدم في فترة لاحقة افلاماً لا بأس بها وليشترك مع فلليني في أول افلام هذا الاخير"اضواء المسرح"1951. وهناك ايضاً لويجي زامبا الذي ساهم في الواقعية الجديدة بافلام بدت ملتبسة، بل"مترددة في التعبير عن موقف اجتماعي واضح"بحسب تعبير اريستوركو من افلامه"العيش بسلام"- 1946 - الذي اتى اقرب الى الحس الوجودي، و"النائب انجلينا"و"السنوات الصعبة"- 1947. اما الدو فارغانو، فانه قدم فيلماً واحداً فقط ينتمي الى الواقعية الجديدة، وهو"الشمس تشرق من جديد"1946 كان همه فيه ان يلقي اضواء ماركسية واضحة على مسألة الصراع الطبقي في ايطاليا ما بعد الحرب، وذلك في مناخ مستعار من جان رينوار، ومن كبار المخرجين الروس في آن معاً. ومات فرغانو في العام 1957 من دون ان يتمكن من تقديم فيلم ثان جيد. وفي النهاية يمكننا ايضاً ان نضيف اسم ريناتو كاستيلاني "تحت شمس روما"- 1947 -، و"حل الربيع"- 1949-، و"أمل زهيد الثمن"- 1951. كما يمكننا ان نضيف بيترو جيرمي، الذي سيصبح لاحقاً احد كبار اقطاب الكوميديا الايطالية الجديدة، لكنه بدأ منتمياً الى الواقعية الجديدة بفيلمه الاول"باسم القانون"1948. وطبعاً لا يمكننا اخيراً ان نختم هذا الكلام من دون ان نشير الى انه اذا كانت الواقعية الجديدة الايطالية قد نعيت في بداية خمسينات القرن الفائت، فان ملامح اساسية منها بقيت حية وفاعلة في كل السينما الايطالية الكبيرة، لاحقاً ولدى كل السينمائيين، ما يقول لنا ان النعي ربما جاء قسرياً... حتى في ايطاليا.