دقت الكنائس الالمانية ناقوس الخطر محذرة من أن الفقر أصبح مصيراً محتوماً لبعض الأفراد واستنتجت أن موضوع الفقر الذي يتصدر للمرة الأولى في ألمانيا جدول القضايا الاجتماعية والسياسية، لا يتناسب مع النظرة الدينية للإنسان. ما يمثل فضيحة في بلد حقق فائضاً تجارياً قياسياً في كانون الثاني يناير الماضي بلغ نحو 13 بليون يورو وجعل ألمانيا تحتفظ بمكانة أكبر اقتصاد في أوروبا. البطالة والركود ويفيد تقرير الحكومة الصادر أخيراً حول الفقر في ألمانيا أن عدد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر ارتفع بين 1998 و2003 من 12،1 الى 13،5 في المئة من السكان في الوقت الذي كانت هذه النسبة تصل في عام 1973 إلى 8،7 في المئة. وبالتالي، فإن أكثر من 11 مليون شخص يعانون من الفقر حالياً في ألمانيا لا سيما العائلات التي تضم عدداً كبيراً من الأطفال. والشخص الفقير في ألمانيا هو من يقل دخله الشهري عن نصف متوسط الدخل الوطني متوسط الدخل الوطني يساوي 1200 يورو. ويقول تقرير الحكومة إنّ الأسباب الرئيسة وراء الفقر تكمن في البطالة وركود الاقتصاد الداخلي. وإذا كانت معالم الفقر والحرمان حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي شبه معدومة في ألمانيا، فإان المتجول هذه الأيام في المدن الالمانية يلاحظ تزايد نسبة المتسولين والمشردين. ولتبيان تفاقم الأوضاع الاجتماعية في ألمانيا التي كانت تفتخر بنظامها الاجتماعي المبني على مبدأ التضامن، نشير إلى هرولة بعض السياسيين في الأسابيع الأخيرة للإعلان أنهم يتفهمون النقمة الشعبية السائدة. وصعّد زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم فرانتس مونتفرينغ حدة هجومه على أصحاب رؤوس الأموال ووصفهم بالجراد الذي يدمر مواطن العمل ويلتهم كل شيء في طريقه وتعهد بمحاربة هذا الشكل من الرأسمالية. لكن هذه التصريحات ليست إلا نتيجة للضغوط القوية التي أصبحت تثقل كاهل حكومة المستشار الألماني غيرهارد شرودر جراء اتساع شريحة الفقراء وارتفاع عدد العاطلين من العمل أكثر من 5.2 مليون في فبراير/شباط إلى مستوى قياسي للمرة الأولى منذ الثلاثينات من القرن الماضي. وأكد صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة"اليونيسف"أن عدد الأطفال الفقراء يرتفع أكثر في ألمانيا مقارنة بغالبية الدول الغنية لا سيما أنّ تربية الأولاد تتطلب مصاريف مالية عالية علماً أن إمكانات ممارسة أي وظيفة على الأقل لأحد الأبوين تظل محدودة في ظل قلة دور الحضانة التي تستقبل الأطفال طيلة فترة العمل اليومي. تحرّكات وأنشطة وأمام فشل الدوائر الحكومية في تقديم حلول ناجعة للحد من زيادة عدد الفقراء واتساع الفجوة بين الأغنياء والمحرومين، وجه فرع جمعية"التحرك العالمي لمكافحة الفقر"الدولية في ألمانيا دعوة الى بعض الممثلين والمغنيين والمشاهير مثل عارضة الأزياء الالمانية كلوديا شيفر للمشاركة في تصوير شريط دعائي مخصص لمكافحة الفقر سيبث قريباً. ومن خلال هذا التحرك، تريد الجمعية أن تحث السكان في ألمانيا على" كتابة رسائل إلى المستشار الألماني غيرهارد شرودر طالبين منه القيام بعمل ملتزم تجاه مأساة الفقر". لكن يبدو أن الحكومة الالمانية لا تفكر في التخفيف من نهجها الليبرالي في الاقتصاد، وعوض الاستثمار في القطاع الاجتماعي والتعليم، ذكرت إحدى الصحف الالمانية الواسعة الانتشار في مطلع الشهر الجاري أن وزير المال الالماني هانس أيشل يعتزم تقليص الانفاق الحكومي الى 43،5 في المئة من اجمالي الناتج القومي بحلول 2008. وتراجع الإنفاق الحكومي الألماني العام الماضي الى نحو 47،5 في المئة من اجمالي الناتج القومي وهو أقل مستوى في أكثر من عشر سنوات. وتستغل أحزاب المعارضة الالمانية هذه الأوضاع الاجتماعية السيئة لشن هجمات لاذعة على الائتلاف الحكومي القائم بين الاشتراكيين والخضر في برلين. وقال فولكر كاودر الامين العام للحزب المسيحي الديموقراطي ان سياسة الائتلاف الحكومي في برلين تؤدي الى الفقر. وتدل المؤشرات إلى أنّ الفقر والبطالة المرتفعة سيشكّلان السبب الرئيس في إقصاء حزب المستشار شرودر عن السلطة في أكبر ولاية المانية من حيث الكثافة السكانية خلال الانتخابات البرلمانية في ولاية رينانيا الشمالية ووستفاليا في 22 من أيار مايو الجاري. سكان هذه الولاية التي شكلت منذ عام 1966 المعقل التقليدي للحزب الاشتراكي الديموقراطي يعبرون عن سخطهم الكبير في ظل وجود مليون عاطل من العمل ويهددون بمنح أصواتهم لاحزاب المعارضة لالحاق الهزيمة بحزب المستشار شرودر بعد الفشل الذي مني به في انتخابات شليزفيش هولشتاين الشمالية في شباط فبراير الماضي.