يسعى الرئيس الأميركي جورج بوش جاهداً خلال جولته في أوروبا الشرقية التي تبدأ اليوم وتستمر حتى العاشر من الجاري، إلى عدم تقديم إشارات خاطئة، وعدم الظهور كمن يبارك عقوداً من سيطرة النظام التوتاليتاري على نصف القارة الأوروبية، عبر حجزه مقعداً في الساحة الحمراء قرب قبر لينين، وحضوره استعراض الجيش الروسي براً وجواً، لمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لنجاح السوفيات في الانتصار على الجيش النازي. وتمثل جولة بوش الذي جعل الديموقراطية رسالته إلى العالم، إحدى أكثر الديبلوماسيات تحدياً لولايته الثانية، بمشاركته في تكريم روسيا للتضحيات الكبيرة التي قدمتها خلال الحرب العالمية الثانية، وغضه النظر عن الاضطهاد الذي تلا ذلك. وفي محاولة لتجنب إساءة فهمه، وضع بوش إطاراً لزيارته إلى موسكو يتمثل في محطتين له في لاتفيا وجورجيا، الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين اللتين تمردتا على الكرملين. وفي وقت يبدو جورج بوش فشل في جعل نظيره الروسي فلاديمير بوتين يقرّ بالجانب الأسود للتاريخ السوفياتي، أكدت مصادر أميركية أن إدارة بوش حاولت سراً استغلال المناسبة لجعل بوتين يدين الاتفاق الذي وقع بين الديكتاتورين جوزف ستالين وأدولف هتلر الذي قسمت بموجبه بولندا، وسمح للاتحاد السوفياتي بابتلاع لاتفيا وجوارها في البلطيق. واللافت أن الاتحاد السوفياتي المحتضر الذي أقرّ في عهد الرئيس ميخائيل غورباتشوف عام 1989بإبطال اتفاق مولوتوف-ريبنتروب المبرم عام 1939، ليأتي بوتين ويصف الخطوة تلك بأنها محاولة من موسكو"لضمان مصالحها وأمنها عند الحدود الغربية"، كما أبلغ الكرملين البيت الأبيض أنه لا يرى حاجة لدحض الاتفاق. وزاد الطين بلة إطلال بوتين الاسبوع الماضي وإعلانه أن انفصال ولايات البلطيق من جورجيا وغيرها من الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي عام 1991"شكل أكبر كارثة جغرافية-سياسية في القرن الماضي". أمام ذلك، أكّد مصدر في إدارة بوش أن الرئيس الأميركي وفريقه خصصا الجولة"لمحاولة عدم الوقوع في الفخ الروسي وتأكيداً لأن الذهاب إلى الساحة الحمراء والجلوس قرب قبر لينين لا يعنيان تحرير أوروبا"، لا سيما أن كثيرين من سكان البلطيق اعتبروا ذلك"استبدالاً لديكتاتورية بأخرى". ويتوقع أن ينتهز بوش هذه الفرصة ليؤكد من جديد رغبته في مكافحة الطغيان في العالم، ومقارنة مكافحة الأنظمة الاستبدادية طوال الأعوام الستين الأخيرة ومكافحة الإرهاب اليوم. محطات وسيحرص بوش في العاصمة اللاتفية ريغا على التذكير بالدور الحاسم الذي اضطلعت به الولاياتالمتحدة في أوروبا منذ 60 عاماً، خلال لقائه مع قادة دول البلطيق الثلاث التي انتقلت من الاحتلال النازي الى الاحتلال السوفياتي، ولا تشعر بأي ذكرى لخلاصها. ودليل ذلك موافقة رئيسة لاتفيا فيرا فيك فريبرغا على التوجه إلى موسكو للاحتفال بالانتصار على النازية، بخلاف نظيريها الآستوني آرنولد روتيل والليتواني فالداس ادامكوس. ويتوجه بوش في الثامن من الجاري إلى هولندا حيث يلقي خطاباً في مقبرة"مارغراتن"التي تضم رفات أكثر من 8 آلاف جندي أميركي. كما يعقد محادثات مع رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكينندي الذي دعم قرار الحرب على العراق. وبعد ذاك، ينتقل بوش إلى موسكو للقاء بوتين والمشاركة في الاحتفال، لكن من دون أن يلقي خطاباً. ويتوقع أن يزداد حنق موسكو مع توجه بوش منها إلى جورجيا حيث سيجري محادثات مع الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي. وفي كييف، أعلن ميكولا تومينكو نائب الرئيس الاوكراني فيكتور يوتشينكو امس، ان الاخير سيعيد النظر في رفضه المشاركة في الاحتفالات الروسية المقررة الاحد المقبل في مناسبة الذكرى الستين لنهاية الحرب العالمية الثانية. ورفض الاوكرانيون قيام رئيسهم بهذه الزيارة، بإعتبار انها ستمنعه من مواكبة مسيرة لمحاربين قدامى مقررة في كييف الاثنين المقبل، علماً انه كان وعد بالمشاركة فيها وتناول وجبة في الهواء الطلق في خيام ستقام في شارع"خريشاتيك"الرئيسي في العاصمة الاوكرانية. لكن تومينكو وعد بعودة يوتشينكو من موسكو في اليوم ذاته.