نواقصنا كثيرة كعرب أفراداً وقيادات. والاعتراف بهذه النواقص خطوة أولى يتلوها التشخيص ثم المعالجة. ولست في وارد سرد لهذه النواقص. لكني اود تسليط الاضواء على احداها وهي غياب عامل التوقيت في صناعة القرار لدينا. وللأسف فإن قياداتنا قد ابدعت في هذا الفن. الامر الذي جر علينا الويلات تلو الويلات. وليس في الافق ما يشير الى اننا قد ادركنا هذا النقص ونسعى الى معالجته. فالتوقيت عامل مهم في صناعة القرار، عامل حيوي في حياة الافراد كما في حياة المؤسسات، وهو اكثر اهمية وخطورة في حياة الامم. والقرار بغض النظر عن صحته ان لم يتخذ في الوقت المناسب يفقد اهميته بل قد تكون نتائجه عكسية. والخطأ في التوقيت يكون قبل ان يحين الوقت المناسب كما يكون بعد ان يفوت الوقت المناسب، حين تكون الرياح تسير بما لا تشتهي السفن. وربما يكون الامر اقل خطراً حين يتعلق بقرار فرد او مؤسسة اذ بالامكان امتصاص الاخطاء وتطويقها. ولكن الأمر يكون اكثر خطورة وابلغ تأثيراً حين يتعلق بمصير امة او بقضايا حيوية تتداخل فيها العوامل الداخلية كما العوامل الخارجية، ويكون لها تأثيرها الآني والمستقبلي. اقول ذلك مستعيداًَ الكثير من القرارات المصيرية التي عايشتها عن قرب بحكم مهنتي واهتماماتي وعانيت كما عانى جيلي من آثارها السلبية لانها لم تأتِ في الوقت المناسب. ولا أحسب القارئ الحذق إلا ادرك ما اريد ان أوصل اليه من امثلة. وهو يرى الفرص الضائعة التي تمر بنا لمواجهة المخاطر والتحديات، وفي مسيرة البناء والتنمية على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. مع ما تجره تلك من اخطاء فادحة وعواقب وخيمة لا يدفع ثمنها صانع القرار بل ابناء الامة قاطبة. قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بغزوه المشؤوم للكويت عام 1990م، هو عمل احمق جر على العراق وعلى العرب وعلى المنطقة ويلات لا تزال تبعاتها واضحة للعيان. وحتى بعد هذا الغزو كان بامكانه ان يخفف خسائره. ولكن الله اعماه فاستمر في غيه حتى تم تدمير العراق، الذي لم تقم لها قائمة حتى كان الاحتلال الاميركي الاخير. بل أقيم تحالف بقيادة الولاياتالمتحدة لاخراجه. وتلا ذلك قرار تلو القرار من مجلس الامن، وهو مصمّ اذنيه مغمض عينيه. وحدد له مجلس الامن تاريخاً لينسحب او يكون الدمار، وكنت آنذاك سفيراً لبلادي في واشنطن، وكانت الامور في منتهى الوضوح، وكان العقل لمن لديه عقل والمنطق لمن يعرف المنطق يقول انه سينسحب قبل هذا التاريخ. وكان الاميركان قلقين من ان يفعل ذلك. وكانوا يطلقون على مثل هذا الاحتمال السيناريو الاسود، لانه سيعوق تنفيذ خطة مرسومة. لكنه كشأنه دائماً عاند حتى كانت الحرب المدمرة. وقبل المعركة البرية اعطي اسبوعاً ولم ينسحب. واستمرت تفاعلات هذه القرارات الحمقى حتى كان الاحتلال الاخير للعراق. وماذا عن قضيتنا المصيرية القضية الفلسطينية، أليست قضية الفرص الضائعة. وما المقصود بالفرص الضائعة، اليس اساءة التوقيت واتخاذ القرار في غير وقته، وبعد ان تكون قد مرت العوامل التي تجعل منه قراراً فاعلاً وصحيحاً. اصبح الاصلاح على لسان كل مسؤول عربي. متى بدأ هذا الامر، أليس بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لماذا؟ هل كانت اوضاعنا قبل هذا التاريخ على ما يرام، وفجأة اكتشفنا حاجتنا الى الاصلاح؟ ألم تكن اوضاعنا السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في حاجة الى اصلاح قبل هذا التاريخ بأمد طويل، وفجأة اكتشفنا ان كل اوضاعنا في حاجة الى اصلاح؟ ألم يكن الامر يتعلق باساءة التوقيت. لذلك اصبح ما يجب اصلاحه اكثر تعقيداً في قابليته للاصلاح. واصبح الكل في حيرة من اين يبدأ، وبأي جانب من جوانب. ألم يبدأ الحديث عن الاصلاح من الخارج. ولقوة هذا الخارج وتأثيره علينا وخوفنا منه اصبحنا نرفع شعار الاصلاح. هل هذا الاصلاح نابع من قناعة ذاتية، واذا كان كذلك فلماذا لم يبدأ من قبل. هل يكون الاصلاح من منطلقات ومفاهيم خاصة بنا، ام من منطلقات ومفاهيم الآخرين. يحسم ذلك هل نحن اول من رفع شعار الاصلاح أم أن تصرفنا كان ردة فعل على الآخرين، مما يفسر حيرتنا. ألا يتعلق الامر بأننا لسنا نحن الذين اخترنا التوقيت ولسنا نحن الذين اقتنعنا بضرورة الاصلاح في الوقت المناسب. ولسنا نحن الذين نحدد معنى الأصلاح. ألم نتأخر ولم نتخذ القرار في الوقت المناسب، مما فتح النوافذ بل الابواب للآخرين حجة للتدخل وفرض اجندتهم. من الذي اوصلنا الى هذه النتيجة. ورغم كل ذلك هل ادركنا اهمية الوقت؟ وهل حاولنا ان نسير بخطى واضحة او بأجندة واضحة وبإرادة سياسية صادقة نحو الاصلاح لتعوض ما فات، ولنعيد الثقة مع شعوبنا، ولنغلق الابواب في وجه الرياح العاتية الآتية من هناك. ام اننا لا نزال لا نعي اهمية الوقت، ونرفع الاصلاح كشعار لذرّ الرماد في العيون، بخطوات متواضعة وتجميلية، مقتنعين بأننا قادرين على خداع شعوبنا وخداع الآخرين وما نخدع إلا انفسنا. اننا حتى الآن لا نعرف قيمة الوقت الذي يمكن ان يكون سيفاً في يدنا كما يمكن ان يكون سيفاً على اعناقنا. أليس ما يمكن اصلاحه اليوم لا يمكن اصلاحه غداً حين يكون الفساد قد انتشر في الجسم المريض. وحيث لا تنفع إلا عملية جراحية وبيد جراح اجنبي، أليس كل ذلك لأن عامل الوقت لدينا لا قيمة له. لقد دخلت سورية الى لبنان عام 1977م، وحصلت على التغطية العربية بل الدولية. وكان لها دوراً لا ينكر في انهاء الحرب الاهلية، واعادة بناء لبنا ومؤسساته، وفي دعم المقاومة حتى حققت الانتصار المبين. وكم سيكون هذا الدور ناصع البياض ولا مجال للضبابية فيه لو احسنت سورية توقيت قرار الانسحاب. أما كان ذلك ممكناً. بلى ولكن سوء التوقيت. اليس قرار الانسحاب قراراً صائباً. بلى لكن كان يمكن ان يكون اكثر وقعاً وتأثيراً لو صدرت عن قناعة وليس لتنفيذ قرار مجلس الامن. ترى كم هي الفرص التي اتيحت منذ 1967م لكي يكون قرار انسحاب سورياً وعربياً. ولم نحسن اختيار هذه الفرص فضاعت. حتى أتى من سخره لصالحه وبطريقته. لقد تجاهلت سوري التطورات التي شهدها العالم واصرت التجديد للحود. بأساليب عفا عليها الزمن. فكانت تلك التبعات الحزينة التي تلت هذا القرار. حان الوقت للسوريين وللبنانيين ان يدركوا اهمية التغلب على السلبيات والتركيز على الايجابيات لبناء علاقات سليمة قائمة على الاحترام والمصالح وترابط المصير. لا تدعوا الامور تخرج من يدكم مرة اخرى. وتكون فرصة اخرى ضائعة للبنان ولسورية. الذي لا أمن ولا استقرار ولا تنمية لأحدهم من دون الآخر. انه الوقت المناسب لبناء علاقات سورية ولبنانية على اساس صحيح. هذه مجرد نماذج محدودة، بالامكان الاستطراد فيها وسرد العديد غيرها. ولكننا نكتفي مراعاة لوقت القارئ، واعتماداً على ذكائه الى ان يجد ادلة لسوء التوقيت في قرارات بلده مع ما جرّه ذلك من تعقيدات ومشاكل. لا اعتقد اننا في حاجة الى جهد كبير لنجد الاسباب التي تحول دون اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. انه الفرد المطلق، الذي يتخذ القرار في غياب المؤسسات وغياب المعلومات وغياب الشفافية وغياب الرأي الآخر. ان الطريق الى القرار الصحيح هو قيام دولة المؤسسات واحترام المجتمع المدني،وضمان الحريات، التي تمكن كل فرد وكل مؤسسة، ولك مسؤول ان يعبر عن رأيه المناسب بما ينير الطريق للمسؤول لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ان التوقيت عامل مهم وحاسم، ان لم نحسن التعامل معه، فهناك من يحسن ذلك، وله اعتباراته ومنطلقاته ومصالحه. ولن يتركنا نتلاعب بهذا العامل، والقرار لا يكون إلا في وقته المناسب لا قبل هذا الوقت ولا بعده. سياسي قطري.