أمران يجعلان الكاتب يتردد في الكتابة عن الاصلاح. الاول لقد صرف الكثير من المداد، وقل ان يكون هناك من لم يتعرض لهذا الموضوع من زاوية او اخرى، بل قل ان تشاهد برنامجاً في تلفاز، او تسمع برنامجاً في مذياع دون ان يكون لهذا الموضوع نصيب الاسد منه. الامر الثاني: هو تلك الاشكالية التي تخطر على الكاتب بجدوى ما يكتبه طالما صانع القرار ليس على استعداد للسماع. ولكن من ناحية ثالثة يجد الكاتب نفسه محاصراً بين رغبة في المساهمة في الحث على الاصلاح لانه ضرورة وطنية قومية ودينية. وكذلك مطالبة قراء الكاتب بمعرفة رأيه عن هذا الموضوع الذي لا حديث للعالم عن غيره. والواقع ان موضوع الاصلاح موضوع متشعب، والحديث عنه لا يكون بمعزل عن الحالة الراهنة للامة. والاصلاح في حد ذاته دليل على ان هناك ما يمكن اصلاحه، وان القاعدة التي ينطلق منها الاصلاح متوفرة. ومن هنا فهو نقيض التغيير الشامل الذي يعني الانطلاق من نقطة الصفر. ومجرد تبني الاصلاح هو دليل على حسن نية بما يعني ان الخلاف هو على معالجة جوانب خاطئة في الوضع تستدعي الاصلاح حتى يمكن اعادة القطار الى سكته التي تسمح له السير من دون انزلاق يؤدي الى كارثة. ونقطة الانطلاق هي تعريف الاصلاح، فالخشية ان كلاً يغني على ليلاه. وبالتالي يصبح الحديث عن الاصلاح هو حديث في المطلق ولا احد يستطيع ان يمنع أي طرف من طرح تصوره عن الاصلاح من منطلق اجندته. ولذلك تعددت المبادرات وتعددت المشاريع داخلياً وخارجياً. ان الاصلاح لا يمكن ان يتجزأ بل يجب ان يكون اصلاحاً شاملاً سياسياً بضمان حقوق الانسان رجلاً وامرأة. واقتصادياً بمحاربة الفساد وتوفر الشفافية والمحاسبة والفرص المتكافئة، واجتماعياً باصلاح التعليم وسيادة النهج الديموقراطي في الحياة اليومية للانسان. وبدت الحكومات العربية للاسف وكأنها ريشة في مهب الريح، ترفض هذا المشروع وذاك، وليس لديها مشروعها الواضح المعالم الذي تستطيع ان تدافع عنه وتتبناه. وربما الحديث عن التوقيت مشروع ايضاً. لماذا لم نتحدث عن الاصلاح في الوقت المناسب. أليس التوقيت عاملاً مهماً في انجاح الاصلاح؟ أليس تأخير التوقيت يجعل الاصلاح متعذراً ومزيد من التأخير يجعل منه مستحيلاً؟ وربما هذا العامل هو الذي يصعب من مواقف حكوماتنا في الاصلاح لانها لم تتخذ القرار في الوقت المناسب. وربما سيجعل موقفها في المستقبل اكثر تعقيداً لانها لا تزال تتردد. ان التردد عامل من عوامل اليأس لدى الأمة في الاصلاح من الداخل. وعدد اليائسين يزداد يوماً بعد آخر. ان هذا يفتح الباب على مصراعيه للمشاريع الاجنبية. اننا نصرخ رافضين المشاريع التي تأتي من الخارج لكن اكان للاجنبي ان يفعل ذلك لو اصلحنا اوضاعنا بأيدينا. اليست تلك الفجوة الشاسعة بين حكوماتنا وشعوبنا هي الباب الواسع، والذي للاسف يتسع يوما بعد آخر لدخول الاجنبي وتعزيز وجوده ونفوذه. ان الديموقراطية ليست شيئاً مخيفاً اذ هكذا ينظر اليها حكامنا ويقصرونها على صندوق الاقتراع الذي يعرض استمرارهم في الحكم للخطر. ان صناديق الاقتراع ليست الا جانباً واحداً من جوانب الديموقراطية. الديموقراطية عملية متشابكة متعددة الجوانب ذات علاقة بالحاكم والمحكوم بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني. انها منهج في المدرسة وفي البيت ايضاً. انها محاربة الفساد بجوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. انها احترام حقوق الانسان رجلاً وامرأة. انها دولة المؤسسات التي تعني استقلالية القضاء والفصل بين السلطات، وهي ايضاً حرية التعبير وما الى ذلك. وغالباً ما يكون الحديث عن القضية الفلسطينية هو الذريعة الكبرى لتأجيل الاصلاح، هكذا كان منذ ولدت هذه القضية العادلة، وهكذا هي الحال الآن. والواقع انه لم يضر بالقضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الاولى، كانت وستبقى، مثل ازدراء حقوق الانسان العربي وتهميش دوره، وتلك الفجوة التي تتسع بين الحاكم والمحكوم يوماً بعد آخر. وعلينا ان نتصور كيف سيكون وضع القضية الفلسطينية عربياً ودولياً، لو كانت حقوق الانسان مصانة، وحقه في حرية التعبير بالوسائل الديموقراطية مضموناً، والبرلمانات العربية تمثل الشعوب حقاً، والوحدة متحققة بين الحاكم والمحكوم. هل سينظر العالم الى الدولة العبرية باعتبارها واحة من الديموقراطية في صحراء الشمولية العربية؟ اذا فالقضية الفلسطينية متضررة من ازدراء الانسان العربي وتجاهل حقوقه، وغياب دولة المؤسسات وسيطرة الفساد، وغياب الحريات التي تسمح للانسان بالتعبير عن رأيه. ان الاصلاح لصالح القضية الفلسطينية وسيكون نقطة تحول في دعمها عربياً واسلامياً ودولياً. الديموقراطية ايضاً هي عملية متكاملة تقوم بها الاسرة من خلال تعاملها مع افرادها. كما تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني، وهذه المؤسسات ملامة بقدر لوم الحكومات. فالاحزاب العربية هي ايضاً شمولية في منهجها وفي سيطرتها على السلطة. ان هذه الاحزاب لن تكون احزاباً حقيقية الا اذا توفرت الحريات التي تسمح بقيام مؤسسات المجتمع المدني وليس في ظل قوانين الطوارئ. ألا يستمر قادة احزابنا العربية على رؤوس احزابهم حتى الموت. ان الاصلاح مطلوب من الافراد ومطلوب ايضاً من مؤسسات المجتمع المدني كما الحاكم. التغيير لا بد ان يأتي استجابة لظروف الداخل وليس مفروضاً من الخارج. هذا كلام جميل ولا يختلف عليه عاقلان. الامر المكمل هل ظروف الداخل في حاجة الى اصلاح؟ لماذا لا يتم هذا الاصلاح؟ واليست الوسيلة الفضلى لمنع فرضه من الخارج ان يتم من الداخل؟ طبيعي لكل بلد ظروفه. لكن هناك مبادئ عامة للاصلاح بعضها محقق في بلد عربي والبعض الآخر غير محقق، فلماذا لا يحقق ما هو ناقص منها وتلك التي تفتقد كل عوامل الاصلاح لماذا لا تفعل؟ ربما يزعج تسمية العالم العربي بالشرق الاوسط اشماله بمناطق مع اخرى بما في ذلك اسرائيل. من ينزعج من ذلك على حق. لان في ذلك تجاهل للابعاد القومية والحضارية لمنطقتنا. ولكن مواجهة هذا الامر لا تكون بالتصريحات والادانات وانما بعودة العمل العربي المشترك، وباصلاح الاوضاع العربية، وباسراع خطى التغيير في العالم العربي والعمل على تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية، وتعزيز اواصر التواصل والمصلحة، وحل المشاكل العالقة بين الدول. وقبل هذا وذاك احترام حقوق الانسان العربي بما يعيد له دوره الفعال وبما يقوي الاواصر بين الحاكم والمحكوم. ان العالم ينظر الى العالم العربي باعتباره رجلاً مريضاً. ولهذا المرض عواقب وانعكاسات على مصالحهم تحكم اهمية العالم العربي الاستراتيجية موقعاً وامكانات، وهذا المريض غير قادر على معالجة مرضه بنفسه. ونحن نتحمل مسؤولية تاريخية للتعامل مع هذه النظرة، ولا يكون ذلك بالكلام او بالتصريحات وانما بالعمل الجاد بدءاً من تشيصنا الصحيح لاوضاعنا، وانتهاء بعلاجنا لامراضنا بوصفة عربية مقنعة للشعوب وللعالم الخارجي لكي يقتنع العالم بجديتنا وبادراكنا لمصالحنا ولمصالحهم ايضاً. واذا كانتلدينا حساسية من تشخيص الآخرين لنا ومن وصفاتهم لعلاجنا، فليكن التشخيص والعلاج عربياً واسلامياً. ان مصلحينا ومثقفينا لم يتوقف قط عن المبادرات والافكار والرؤى، وكذلك فعلت الاممالمتحدة وبأيد عربية من خلال تقريري التنمية البشرية العربية لعامي 2002 2003. ومن المؤكد اننا حين نعود الى مؤسساتنا البحثية ومراكز دراساتنا وجامعاتنا، والعرائض المقدمة من مثقفينا الواحدة بعد الاخرى بتياراتهم واتجاهاتهم المختلفة سنجد ما يكفينا. ان مشكلتنا الكبرى اننا نفتقد للارادة السياسية الصادقة والجادة للاصلاح. وعندما تتوفر الارادة تتغير الامور رأسا على عقب. ان معنيي الاصلاح والباحثين عن مبرر لتفاديه يعرضون الامة للخطر، ويقدمون خدمة جليلة للتدخل الاجنبي ويعطونه المبرر لفرض اجندته ويوسعون دائرة اليأس لدى المواطن من اصلاح يأتي من الداخل. ان حكامنا يجتمعون قريباً في تونس، واننا نطالبهم بارادة سياسية صادقة في الاصلاح. وان كنا نشك في توفر ارادة جماعية. فليس من السهل ان نتوصل الى مشروع جماعي يوافق عليه الجميع، وربما هذه هي آفة العمل العربي. اذ ان الاتفاق لن يكون الا بتقديم التنازلات التي تشوه العمل الجماعي. ولذلك فإن الامل معقود بالمبادرات الفردية من الدول العربية لدى بعض القيادات التي تتمتع بوضوح الرؤية وبالارادة السياسية الصادقة للاصلاح. * سياسي قطري.