يمتلك متحف الفنون الجميلة في بودابست عدداً كبيراً من الآثار المصرية الفرعونية، يعرضها في واحد من معارضه الدائمة بإسم المجموعة المصرية. ويعود أصل هذه المجموعة إلى مصادر عدة منها ما جلبته بعثات التنقيب الأثرية المجرية، علاوة على مقتنيات الأفراد خصوصاً أولئك الذين استقروا في مصر بعد القضاء على ثورة 1848-1849 التحررية. فقد جاء فشل الثورة التي قامت ضد النمسويين وهجرة قادتها الى الخارج، وبدرجة أساسية الى الدولة العثمانية، ليعزز نشاط المجريين في علم المصريات. إذ انتقل كثير منهم للعمل في مصر، وكان بينهم جورج شيبوش الذي قدم واحداً من أجمل مقتنيات المجموعة المصرية هدية الى المتاحف المجرية، وهو تمثال الأمير وولي العهد شيشنق من الأسرة الثانية والعشرين. وتمكن عالم المصريات المعروف أده مالر 1856-1945 من توحيد هذه المجموعات المصرية العامة والخاصة في جناح واحد تحت سقف متحف الفنون الجميلة في العام 1934 بعد جهود دامت سنوات طويلة، وتم افتتاح الجناح رسمياً في 1939. وتعتبر البعثة المجرية - البولندية المشتركة التي ذهبت إلى مصر سنة 1907 من أولى البعثات، وقادها عالم آثار بولندي شاب هو تاديوش سمولنسكي. كما اشتركت المجر في برنامج اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة عند بناء السد العالي، فأرسلت بعثة قادها العالم لاسلو كاستليوني. ومنذ العام 1983 تقوم بعثات تنقيب مجرية بالعمل سنوياً، وكان يقودها العالم لاسلو كاكوشي الذي توفي قبل بضعة أعوام. تتكون المجموعة من أربعة آلاف قطعة تقريباً تمثل تاريخ مصر القديمة منذ عهود ما قبل المملكة المصرية 5500-3000 ق.م. تبدأ القاعة الأولى بمرحلة ما قبل التأريخ، فتعرض أدوات بدائية مصنوعة من حجر الصوان، وفي حاوية أُخرى نجد عدداً من الأواني الخزفية. وتعرض كذلك اللقى التي عثرت عليها بعثة البروفيسور كاكوشي في الثمانينات أثناء التنقيبات قرب طيبة. ونجد هنا حيوانات محنطة مثل التماسيح والقطط والطيور. وفي هذه القاعة نجد خزانة خاصة تمثل مراحل تطور الكتابة المصرية، من الهيروغليفية الى القبطية التي اشتقت من الخط اليوناني الذي اقتبس بالكامل من الأبجدية الفينيقية الكنعانية مع الحفاظ على تأثيرات الكتابة الهيروغليفية. نجد في القاعة الثانية الرئيسية أهم المعروضات، منها أجزاء من حائط معبد من عهد بطليموس الأول سوتير 304-284 ق.م. يحوي نقوشاً بارزة تعتبر أولى علامات الأسلوب الهيليني في الفن المصري القديم، وكتابات هيروغليفية بينها خرطوش يحوي اسم الفرعون البطلمي. وقد عثرت بعثة سمولنسكي التي مولها الثري المجري فيليب باك الذي كان يقيم وقتها في القاهرة على 18 قطعة من الجدار جرى نقل سبع منها إلى بودابست، وخمس إلى فيينا، وست إلى متحف كراكوف في بولندا. أما تمثال ولي العهد شيشنق فله قصة مثيرة، إذ عثر على هذا التمثال المنحوت من الحجر الكلسي سنة 1852 في السقارة، وأصبح ملكاً للخديوي قبل أن يهديه إلى فؤاد باشا وزير السلطان العثماني، فقام هذا بإهدائه إلى بستانيه جورج شيبوش ذي الأصل المجري تقديراً لخدماته. بعدها أهدى شيبوش التمثال إلى المتحف الوطني المجري في العام 1862. ومن أجمل المعروضات مسلة من الحجر الرملي الأحمر نقشت عليها قصيدة تمجيد آمون تعود الى عصر المملكة الحديثة 1550-1075 قبل الميلاد. وهي مكونة من جزئين، نقش ونص شعري. ويعد تمثال من الفخار يمثل رمز الإلهة حاثور الذي يعود الى فترة متأخرة القرنان 5-4 ق.م.، من بين نفائس المجموعة. ومن المحتمل أن يكون هذا التمثال الصغير جزءاً من زينة إحدى الآلات الموسيقية الشائعة في ذلك الوقت. ولا تخلو مجموعة بودابست من تماثيل الحيوانات المصنوعة من البرونز، فهذه إنتشرت بشكل خاص في العصور المتأخرة، وموجودة في كل متاحف العالم التي تعرض الآثار المصرية. وتشكل القطط وأنواع الطيور أهم الحيوانات التي عثر على تماثيل لها. ولربما يعود سبب العثور على لقى كثيرة مصنوعة من الخشب ترجع الى عهود متأخرة الى تطور فن النحت على الخشب الذي أصبح مادة مفضلة لفناني الفترة الهيلينية والرومانية في مصر، حيث صنعت منه المسلات الملونة والتوابيت التي حفظت الأجساد المحنطة مثل ذلك التابوت الذي يعود الى العصر الروماني ونقش بأشكال خلابة وألوان بديعة. وينظم متحف الفنون الجميلة في هذه الأيام معرضاً موقتاً بعنوان"ما بعد الفراعنة"يقدم نفائس الفنون المصرية القبطية القديمة، نجد فيه منحوتات وأنسجة وحجارة منقوشة وأنيات تعود إلى القرون 2-4 م، وتماثيل ورسوماً وبرونزيات ومنسوجات تمثل فنون القرون الميلادية 4-6، وأخيراً فنون الأقباط المسيحيين بين القرنين الخامس والثامن ميلادية. زيارة المجموعة المصرية الدائمة وكذلك المعارض الدائمة في كل المتاحف المجرية الحكومية مجانية، أما زيارة المعارض الموسمية والوقتية مثل معرض"ما بعد الفراعنة"فمدفوعة. وتفتح المتاحف أبوابها بين العاشرة صباحاً والسادسة مساء كل يوم ما عدا أيام الإثنين.