مشهدان اضفيا على مسيرة العملية الانتخابية في الدائرة الأولى لبيروت سخونة كادت تفتقدها بعدما فاز ثلاثة مرشحين بالتزكية عن مقاعد الموارنة صولانج الجميل والروم الكاثوليك ميشال فرعون والإنجيليين باسم رمزي الشاب، وبقي التنافس على مقعدين للسنّة ومقعد للروم الأرثوذكس، وانحصر هذا التنافس بين من هم على لائحة الرئيس الشهيد رفيق الحريري سعد رفيق الحريري وعمار حوري وجبران تويني وبين من اختارتهم جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الأحباش على لائحة بدت غير ثابتة مع تقدم النهار سعد الدين الحريري وأحمد دباغ وخليل برمانة. المشهد الأول تمثل بنزول سعد الحريري الى الأحياء التي تقع ضمن الدائرة التي يترشح عنها محدثاً حماسة بين مريديه والمعجبين به لا سيما من جيل الشباب للتوجه بكثافة الى صناديق الاقتراع، فيما تمثل المشهد الثاني بتحول ساحة ساسين في الأشرفية الى ساحة تجاذب بين شبان"القوات اللبنانية"الذين يؤيدون الانتخابات ويروجون للائحة الحريري وبين شبان"التيار الوطني الحر"الذين راحوا يروجون لمقاطعة الانتخابات في بيروت تطبيقاً لدعوة العماد ميشال عون. لكن اين كانت جموع الناخبين من هذا الاستقطاب العلني؟ كانت الحركة في الأحياء التي يطغى عليها الوجود السني وتحديداً في رأس النبع والمزرعة والطريق الجديدة في اتجاه مراكز الاقتراع بدأت منذ لحظة فتح الصناديق. سيارات تسرع في كل الاتجاهات تقل ناخبين، بعضها يعود لماكينة"الأحباش"الانتخابية والغالبية لماكينة الحريري. وعلى مداخل المراكز نشط المندوبون التابعون للائحتين المتنافستين في توزيع قصاصات صغيرة على الناخبين لإسقاطها في الصناديق. وكانت الساعة شارفت التاسعة والنصف صباحاً حينما بلغ عدد المقترعات السنّة في الكلية العاملية في رأس النبع 83 مقترعة من اصل 550 ناخبة في القلم الرقم 29 في حضور مندوبين عن اللائحتين الى جانب مندوب عن المرشح تويني، اما في القلم الرقم 7 فبلغ عدد المقترعات 90 من اصل 576 ناخبة وهي نسبة وصفها رئيس القلم وبحسب خبرته في هذا المجال ب"المقبولة"، فنحن لم نأخذ نفساً منذ السابعة صباحاً ونصر على الجميع استخدام"العازل"، والملاحظة الأخيرة ارفقها رئيس القلم كما غيره بتعليق ساخر على المراقبين الأجانب"فهم يطلون علينا ب"هالو"، علماً اننا نعرف شغلنا جيداً". والنساء المتحمسات للاقتراع كن بمعظمهن يجاهرن بمن اقترعن له فترد سيدة:"بدها سؤال، طبعاً للحريري". وتعلق اخرى"ولو لشو جايين طبعاً من اجل الحريري". وثمة نساء علقن على صدورهن صورة الرئيس الشهيد مرفقة بالشارة الزرقاء. وبين مركز الكلية العاملية ومركز ثانوية المقاصد للبنين - الحرج المخصص للذكور، حركة ناشطة للماكينات الانتخابية، وثمة من"فتح"على حسابه فجلس رجل عند باب دكانه يصرخ بالمارة"هيدا جبران شارون شطبوه"، ويرد شخص آخر على سؤال لمن انتخبت بالقول:"للشقورة"ويدل بيده الى صورة النائبة غنوة جلول المرشحة عن الدائرة الثالثة. امام مركز المقاصد، راح مندوبو لائحة الحريري ينبهون الناخبين الى اللائحة المنافسة بالقول"انها ملغومة". والناخبون هنا من الذكور شباناً وكهولاً. وبلغ عدد المقترعين في القلم الرقم 111 للذكور السنّة مئة ناخب من اصل 571 وذلك في الفترة الممتدة من السابعة وحتى العاشرة صباحاً، في حين بلغ في القلم الرقم 113 للفئة نفسها 90 ناخباً من اصل 567. وقصد هذا المركز وزير الداخلية حسن السبع الذي اقترع في القلم 113 فرفع عدد المقترعين الى 86 مقترعاً من اصل 558 ناخباً وذلك قرابة العاشرة والثلث صباحاً، وبعدما جال على عدد من الأقلام في هذا المركز ادلى بتصريح نفى فيه تهمة اخصام لائحة الحريري له بأنه غير محايد لانتمائه الى"تيار المستقبل"بالقول:"فكنت على المسافة نفسها من جميع المرشحين". ولمن اعطى صوته رد:"للأصلح والأنسب للبلد". والإقبال على الاقتراع في مراكز الطريق الجديدة كان يشبه ما هو جار في المقلب الآخر من كورنيش المزرعة, وزاد من حماسته وصول سعد الحريري الى ثانوية الحرج الرسمية وانتقاله بموكبه الى منطقة الجامعة العربية فالملعب البلدي حيث استقبله الناس بالزغاريد والهتاف"بالروح بالدم نفديك يا سعد". وحينما توقف موكبه في محلة حمد هتفت النساء"ابو بهاء"وهتف الشبان"الله، الحريري والطريق الجديدة". وأخرج الشبان الدربكة والطبل وارتفعت الهتافات في حي العرب ونثرت النساء من الشرفات الرز وأزهار الغاردينيا على سعد الذي نزل من سيارته وسط خشية مرافقيه على سلامته وراح يصافح الناس ويقبلهم، وراحت الفتيات تصرخ"اهلاً بك يا حبيب بيروت"، فيما رردت المئات الدعوات ب"الله يحميك"و"يا حبيب قلبي"وسارع شبان الى تغيير مضمون هتاف رددته الجموع في ساحة الشهداء في آذار مارس الماضي من"هي ويالله وسورية تطلع برا"الى"هي ويالله وحيصيروا كلهم برا". لم تتعد جولة سعد الحريري تخوم الأشرفية، فبعدما زار مركز ثانوية خالد بن الوليد في محلة البربير انتقل الى ثانوية الإمام علي بن ابي طالب في حي بيضون حيث قوبل بالحفاوة نفسها من الناخبين وفي هذا المركز سأل عن نسب المقترعين في اقلام مخصصة لناخبين من مذاهب مختلفة فقيل له في القلم 54 للسنّة ان 160 اقترعوا من اصل 437 اما في القلم 75 للناخبات الشيعة فاقترعت 36 ناخبة من اصل 456. ودخل الحريري القلم الرقم 76 المخصص للناخبات من الشيعة والبهائيين والعلويين وتبين ان 16 ناخبة اقترعن من اصل 410 اما في القلم 91 المخصص للسريان الأرثوذكس والأشوريين والكلدان فبلغ عدد المقترعات 18 من اصل 559 ناخبة كما دخل القلم 102 المخصص للناخبات من اللاتين واليهود وتبين ان عدد المقترعات 13 من اصل 636 ناخبة. وفي هذا المركز كان مراقبان اوروبيان طلبا من الحريري التقاط صور له معهما. ووصف الحريري في تصريح له نسبة الاقتراع بأنها"جيدة"ورد الفتور في الإقبال في منطقة الأشرفية الى"ان ثمة من يقول ان المعركة محسومة وأن هناك من فاز بالتزكية"، ورأى ان ما يميز الانتخابات عن سابقتها غياب الرئيس الشهيد عن"قيادة الحملة الانتخابية في وجه الفساد الذي لا يزال بعضه موجوداً ويجب ان ننتهي منه". وحينما سئل عن عدم اقتراعه في بيروت رد بالقول:"لم اكن اعلم بأنهم سيغتالون والدي". وأكمل جولته في اتجاه ثانوية حوض الولاية ومركز اقتراع في فوج الإطفاء في المدور واستغرب مقاطعة الأرمن للانتخابات وسببها وقال:"عدم التصويت هو خطأ كبير والواجب عدم المقاطعة مهما كان الموقف". والمقاطعة التي تكلم عنها الحريري كانت متجلية في مراكز الأشرفية، لا سيما في ثانوية الأشرفية للبنين المخصصة للناخبين من الأرمن الكاثوليك حيث لم يتجاوز عدد المقترعين في القلم 31 الثمانية من اصل 429 اما في القلم 34 المخصص للإناث من الطائفة نفسها فبلغ 5 مقترعات من اصل 433، وسجلت"الحياة"ان معظم الذين اقترعوا هم من المسنين. لكن المفارقة التي لم تجد تفسيراً كانت في مركز مدرسة زهرة الإحسان وتحديداً في الأقلام المخصصة للناخبات الموارنة ولا سيما القلم الرقم 45 حيث بلغ عدد المقترعات 22 من اصل 503 وتبين ل"الحياة"ان معظم الناخبات هن من مواليد العقدين الأولين من القرن الماضي حتى ان بعضهن من مواليد الأعوام 1900 و1904 و1905 ولا يوجد سوى 42 ناخبة من مواليد السبعينات والثمانينات وينسحب الأمر نفسه ولو بأقل على القلمين 43 و44 للفئة نفسها. وإذا كان الملاحظ في شكل عام ان الإقبال على صناديق الاقتراع للكاثوليك والموارنة والأرمن في الأشرفية كان في حدود خجولة جداً لم تتعد نسبتها الخمسة في المئة وربما يعود السبب الى الفوز بالتزكية او الى المقاطعة التي دعا إليها حزب الطاشناق، فإن اقبال الروم الأرثوذكس في هذه المنطقة كان لافتاً خصوصاً ان اصوات المقترعين كانت تصب لمصلحة المرشح تويني وهو ما كان يصرح به معظم المقترعين، ما دفع بالأحباش في فترة الظهر الى شطب اسم المرشح برمانة عن لائحتهم والاستعاضة عنه بتويني لترويج اللائحة بين ناخبي الأشرفية. الناخبون من الروم الأرثوذكس بقوا في منأى عما كان يجري في ساحة ساسين حيث هتافات تطلق من اجل سمير جعجع تقابلها هتافات يطلقها انصار عون الذين وزعوا على المارة ورق العنب كرمز ل"القاطع" لكن هذه"الهمروجة"كما وصفها"ابو ايلي"من سكان المحلة لن تدفعه الى المقاطعة"فهؤلاء 99.9 في المئة ليسوا من الأشرفية"، وفي المقابل فإن المهندس ايلي فرحات الذي جلس في احد مقاهي الساحة يراقب ما يجري فيها رأى"انها تعبر عن حال المسيحيين الذين حاولوا نسيان الماضي فجاء من استعاده وحرض الناس ضدهم او اراد إلغاء دورهم في اختيار من يريدونه لتمثيلهم". ساحة ساسين جذبت إليها المرشحين والإعلاميين والمراقبين الذين وجدوا فيها"تعابير ديموقراطية"، على ان مفاعيلها تبقى رهينة ما ستفرزه صناديق الاقتراع.