أثار إعلان"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"إصابة"أميره"أحمد الخلايلة أبو مصعب الزرقاوي، وما تبع ذلك من تكهنات في شأن وفاته أو احتضاره، تساؤلات عن مستقبل هذه الجماعة وعلاقتها ببقية الجماعات التي تقود حرباً ضد القوات الأميركية والنظام العراقي الجديد. والأرجح ان يؤدي غياب الرجل - الذي تقول جماعته الآن ان صحته تتحسن - الى اعادة خلط للأوراق والتوازنات بين الجماعات المسلحة في العراق، وربما يفتح الباب أمام ظهور تحالفات بينها. وليست جماعة الزرقاوي سوى واحدة من مجموعات عديدة تقود ما تعتبره"جهاداً"في العراق. ويتجاوز عدد هذه الجماعات عشرات، وبعضها صغير جداً ينشط على نطاق ضيّق، لكن أبرزها ينحصر في ثلاث: جماعة الزرقاوي وكانت تُطلق على نفسها اسم"التوحيد والجهاد"قبل ان تتحول الى"القاعدة في بلاد الرافدين"وتنال مباركة أسامة بن لادن العام الماضي، وجماعة"أنصار السنة"، وجماعة"الجيش الاسلامي في العراق". وتقوم هذه المجموعات الثلاث بغالبية العمليات التي يشهدها العراق منذ العملية الأميركية لإطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين. وفي حين تشترك الجماعتان الأولى والثانية -"القاعدة"و"أنصار السنة"- في أسلوب تنفيذ الهجمات، وتحديداً من خلال السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، وعمليات خطف الرهائن وعرض عمليات قتلهم في أشرطة فيديو تُبث عبر الانترنت، فإن"الجيش الإسلامي"يختلف عنهما اختلافاً شبه جذري. إذ ان عملياته لا تبدو عشوائية، بل مخططة، ولا يستخدم أسلوب السيارات المفخخة، كما انه عندما يخطف رهينة أجنبية لا يلجأ الى مجرد قتل الضحية، بل يُفاوض لفترات طويلة - تصل أحياناً الى شهور - للوصول الى تحقيق مطالبه، أو حتى إثبات موقف أو توجيه"رسالة". ويُعتقد على نطاق واسع ان"الجيش الإسلامي"هو نتاج النظام العراقي السابق الذي أنشأ خلايا اسلامية منذ"حملة الايمان"في السنوات الأخيرة لحكم صدام. وفي المقابل، يُعتقد ان تشابه أسلوب جماعتي"القاعدة"و"أنصار السنة"مرده الى تبنيهما الفكر السلفي - الجهادي نفسه، كونهما نشآ في بيئة واحدة هي بيئة"أنصار الإسلام"في كردستان العراق في بداية الألفية الجديدة. لكن في حين كانت جماعة الزرقاوي"ضيفاً"عند"أنصار الإسلام"كون غالبية عناصرها من العرب الوافدين من أفغانستان أو الفارين من دول الجوار الأردن وسورية على وجه الخصوص، فإن الثانية "أنصار السنة" تعتبر نفسها"صاحبة الأرض"كونها عراقية في المقام الأول و"الوريث"ل"أنصار الإسلام"التي انشقت على نفسها بعد الضربة الأميركية لقواعدها في كردستان عام 2003. وفي حين التحق القسم الأكبر من عناصر"أنصار الإسلام"ب"أنصار السنة"بعد الانشقاق، فإن قسماً آخر التحق بالزرقاوي. لكن الاعتماد الأكبر للأخير بقي على العرب من غير العراقيين، وهو ما يظهر بوضوح من هوية"الانتحاريين"الذين نفّذوا عمليات"القاعدة في بلاد الرافدين". ويقول متابعون لشؤون الجماعات المسلحة في العراق ان بعض الإسلاميين اعتبر ان بن لادن"تسرّع"في اعلان الزرقاوي أميراً على"بلاد الرافدين"، مما ولّد حساسية لدى إسلاميين يعتقدون ان"أنصار السنة"كانت الأولى بالمبايعة كونها عراقية ولا تختلف فكرياً مع بن لادن. والأرجح ان بن لادن اتخذ قراره بعدما أرسل موفداً الى العراق لتقويم الأوضاع هناك ونجح في فتح قناة اتصال بالزرقاوي. والأخير يعرف زعيم"القاعدة"منذ أيام أفغانستان على رغم انه كان يعمل في شكل مستقل عنه في معسكرات تضم أردنيين وسوريين وفلسطينيين في المقام الأول. وساهم الدعم الذي قدّمه بن لادن للزرقاوي في تقديم مد بشري كبير من العرب الراغبين في"الجهاد"الذي تدفقوا على العراق في السنتين الماضيتين، وهو ما قوّى"القاعديين"على غيرهم من الجماعات. وهكذا، فإن غياب الزرقاوي الآن سيعيد على الأرجح خلط أوراق التوازنات بين"قاعدة بلاد الرافدين"و"أنصار السنة"، خصوصاً اذا اختار أنصار الزرقاوي عراقياً خليفة له، الأمر الذي يجعلهم حين ذاك على قدم المساواة"عراقياً"ب"أنصار السنة"التي أصدرت بياناً قبل أيام دعت فيه بالشفاء للزرقاوي. وفي حين يُرجّح بعض الأوساط بقاء الجماعتين مستقلتين عن بعضهما، فإن آخرين يقولون ان اختيار عراقي أميراً لجماعة الزرقاوي قد يزيد من التقارب مع"أنصار السنة"وربما يصل الأمر الى الوحدة بينهما في المرحلة المقبلة.