شكلت الانتخابات البلدية الفلسطينية التي أجريت على مرحلتين، محطة مهمة على الصعيد الفلسطيني, كونها المرة الأولى التي تبرز احجام القوى على الصعيد الشعبي، غير انها في المقابل استحوذت على اهتمام لافت على الصعيدين الاسرائيلي والأميركي. وفي هذا الإطار تبرز تساؤلات عدة حول النتائج التي أفضت إليها هذه الانتخابات، ودلالاتها، ومدى انعكاسها على الانتخابات التشريعية المقبلة، وعلى الخريطة السياسية المتوقعة للمجلس التشريعي، وما يعنيه ذلك من تأثير في العملية التفاوضية، في ضوء الموقف الاسرائيلي الأميركي الذي أعلن إثر إعلان النتائج وانعكاسه على خطة الانسحاب الاسرائيلي من غزة وشمال الضفة الغربية. وعلى رغم أن اعلان الفائزين لم يتم على اساس الانتماءات السياسية واللوائح، مما أثار لغطاً حول النسبة التي حصلت عليها كل من"فتح"و"حماس"والمستقلين، إلا ان من الواضح ان نتائج المرحلتين الأولى والثانية عكست تقدماً كبيراً ل"حماس"على حساب"فتح"التي تراجعت في شكل ملموس. وإذا كانت"حماس"لم تحصل في المرحلة الثانية على نسبة تفوق تلك التي حصلت عليها"فتح"، إلا أن الاقرار بأنها نالت ما يناهز 30 في المئة، فيما هي تحدثت عن ما يقارب ال50 في المئة لكونها فازت في بلديات ذات كثافة سكانية كبيرة مثل قلقيليا والبريج ورفح، هذه النتيجة إذا ما أضيفت الى ما حصلت عليه"حماس"في المرحلة الأولى وهي نسبة بلغت عتبة 90 في المئة في غزة وحدود ال 50 في المئة في الضفة، تعني ظهور نوع من التوازن بين الحركتين. وأيا تكن النسب الفعلية، فإن نتيجة الانتخابات البلدية أبرزت الدلالات الآتية: الأولى: عكست تراجع نفوذ"فتح"التي كانت تشكل القوة الغالبة في الشارع الفلسطيني. الثانية: صعود حركة"حماس"كقوة تحظى بشعبية متنامية في الشارع الفلسطيني الى جانب دورها المتقدم في مقاومة الاحتلال. الثالثة: بروز حضور للمستقلين، فيما لم تسجل الفصائل الفلسطينية الأخرى حضوراً لافتاً، ما عدا بعضها الذي تمكن من الفوز ببلدية هنا وأخرى هناك. وستكون النسبة التي فازت فيها حماس مؤثرة وكبيرة، عندما يضاف اليها تحالفها مع حركات المقاومة الأخرى في الانتخابات التشريعية المقبلة، مما يرجح أن يحصل ائتلاف حركات المقاومة بقيادة"حماس"و"الجهاد"و"الجبهة الشعبية"على غالبية مقاعد المجلس التشريعي، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ان الانتخابات التشريعية يغلب عليها الطابع السياسي على عكس البلديات. واحتمالات حصول ائتلاف حركات المقاومة على غالبية مقاعد المجلس التشريعي لا بد من أن يحدث تغييراً جوهرياً في الخريطة السياسية، ستكون لها انعكاساتها على القرار السياسي الفلسطيني، إذ يتوقع في مثل هذه الحال أن تحظى المقاومة بقدرة تأثير كبيرة في صوغ القرارات السياسية بما يحول دون حصول أي خطوات أو اتفاقات لا تنسجم مع برنامجها الوطني، الأمر الذي يقيد حركة السلطة الفلسطينية ممثلة رئيسها والحكومة ويجعلها غير قادرة على تجاوز الواقع الجديد. ومن الطبيعي ألا تنظر اسرائيل والولايات المتحدة بإيجابية الى هذه التطورات، لذلك سارعتا الى التحذير منها، وبدأتا ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية من أجل تأجيل الانتخابات التشريعية المقبلة، وهو ما يعكس ازدواجية موقف الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالديموقراطية واحترام ارادة الشعب. * كاتب فلسطيني.