إنها الزيارة الأولى التي يقوم بها محمود عباس أبو مازن إلى واشنطن بوصفه رئيساً للسلطة الفلسطينية. وسيكون اللقاء بينه وبين الرئيس بوش يوم 28 الجاري حاسماً بالنسبة إلى الحرب أو السلام في الشرق الأوسط. وسيكون أيضاً وقبل كل شيء امتحاناً لشجاعة الرجلين السياسية. كأن يكون الرئيس بوش مستعداً لتنفيذ رؤيته لحل النزاع الفلسطيني على أساس قيام دولتين، وراغباً أو قادراً على فرض إرادته على رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون. فلقد حان موعد اتخاذ القرار. فإذا ما أخفق بوش مرة أخرى في وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية فسوف تندلع انتفاضة أخرى أشد عنفا من سابقاتها وذات نتائج أكثر كارثية على السلام في المنطقة سواء بالنسبة الى أمن إسرائيل أو بالنسبة الى المصالح الأميركية. فالرأي السائد في الدوائر اليمينية في واشنطن والذي يقول بأنه يجب عدم الضغط على شارون حتى يكمل بنجاح خطة الانسحاب من غزة في هذا الصيف، هذا الرأي هو منتهى التضليل وهو بكل بساطة إنما يمنح شارون الفرصة للاستمرار في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتوطينها. إذاً لا بد لبوش من أن يحدد بلا تأخير مبادئه للحل النهائي ويفرضها على الفريقين. فلقد طال ما تحداه شارون وحان الوقت كي يقبل التحدي. وأما الامتحان بالنسبة الى أبو مازن فهو أن يثبت ما إذا كان يستطيع أو يجرؤ على استخدام ورقة الضغط التي في يده للتأثير على السياسة الأميركية. عليه أن يبين للرئيس الأميركي بكل وضوح بأن في يد الفلسطينيين ما يمكن أن يقرر مصير أميركا في العالمين العربي والإسلامي. فلا يمكن لأميركا أن تأمل باستعادة سمعتها التي تأثرت بالحرب الكارثية على العراق وبانحيازها الأعمى لإسرائيل إلا إذا أقدمت على حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على أسس من العدل والإنصاف. ولقد أثارت الأخبار - سواء كانت صحيحة أم لا - بأن المسؤولين عن التحقيق مع السجناء المسلمين في غوانتانامو قد ألقوا بالمصحف الشريف في المرحاض، أثارت نيران الحقد، وانتشر الغضب من الولاياتالمتحدة كالحريق المستعر في سائر العالم الإسلامي وأدى إلى موت 17 متظاهراً في أفغانستان. فعلى واشنطن أن تأخذ مثل هذه الإشارات بكل الجدية، وأن تتخذ موقفاً حازماً في القضية الفلسطينية من شأنه أن يهدئ الوضع. ما الذي يمكن أن يطلبه أبو مازن ؟ على أبو مازن أن يضع قائمة بمطالب محددة ليقدمها للرئيس بوش: أولاً، إن موضوع الاستيطان يكتسي بالطبع أهمية قصوى في الوقت الذي يشق الجدار الأمني الأراضي الفلسطينية. فإذا ما استمر بناء المستوطنات كما وعد شارون بذلك، وإذا تم فصل القدسالشرقية عن الضفة الغربية فلن يبقى هنالك شيء يجري التفاوض بشأنه، وسوف تموت عملية السلام ويعود أنصار العنف من الطرفين إلى قلب الساحة. فالجدار الأمني يلحق بالفلسطينيين أذى كبيرا إذ يعزل عشرات الآلاف عن أراضيهم ومستشفياتهم ومدارسهم. ومدينة قلقيليا التي يبلغ سكانها خمسين ألفاً محاصرة بالجدار في حين تمت تجزئة بيت لحم إلى نصفين. فلا بد إذا من وقف هذه الأعمال التي لا يمكن التسامح بشأنها ولا بد من إلغاء أثارها. فعلى أبو مازن أن يصطحب الخرائط والمصورات كي يطلع بوش على ما يجري ميدانياً. ثانياً، في ما خلا بعض الاستثناءات احترم الفلسطينيون اتفاق وقف إطلاق النار في حين لم تحترمه إسرائيل. فهي ما زالت مستمرة في الإغارة على المدن والقرى الفلسطينية وفي قتل الناشطين الفلسطينيين. ولا بد من وقف ذلك فوراً. ثالثاً، يجب أن تتخذ التدابير لتوفير كل الحماية الممكنة للمسجد الأقصى. فأي هجوم عليه من قبل المتعصبين اليهود من شأنه أن يؤدي إلى انفجار عنيف في العالم العربي، الأمر الذي سيهدم أبو مازن وحكومته وربما سواه من الأنظمة العربية. رابعاً، على إسرائيل أن تضع حداً فوراً وبصورة نهائية لسياستها الجائرة في اغتيال خصومها من السياسيين الفلسطينيين. فهنالك الكثيرون من العرب الذين يعتقدون بأن ياسر عرفات قد مات مسموماً لأنه وقف في وجه إسرائيل وأمريكا. فإذا ما أريد لعملية السلام أن تستمر فلا بد من ضمان أمن أبو مازن الشخصي وأمن سواه من الزعماء الفلسطينيين حتى لو كانوا عاجزين عن تجاوز التنازلات التي عرضها ياسر عرفات بشأن القضايا الحيوية كالحدود والقدس واللاجئين. فقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربيةوغزة وعاصمتها القدس، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين هو الحد الأدنى للمطلب الذي لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يتخلى عنه. هل أبو مازن بمستوى المهمة؟ خامساً، لا بد لأبو مازن أن ينشد دعم بوش لسياسته تجاه حركة حماس الإسلامية المتشددة. فإسرائيل تطالبه بمواجهة حماس ونزع سلاحها والقضاء على جناحها العسكري حتى ولو أدى ذلك إلى اندلاع حرب أهلية فلسطينية.وهي لا تفتأ تردد عبارة"على أبو مازن أن يقضي على البنية التحتية للإرهاب". إن ذلك هو طلب المستحيل لأن حماس التي ظهرت على المسرح خلال الانتفاضة الأولى 1978 - 1993 تحولت إلى قوة سياسية رئيسية تهدد مركز فتح حركة المقاومة الفلسطينية القديمة، في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 17 تموز يوليو المقبل. ففي الانتخابات البلدية الأخيرة حصلت حماس على عدد أقل من المقاعد ولكنها حصلت على 60 في المئة من الأصوات. ذلك لأن الدوائر التي فازت فيها فتح تقع في المناطق الريفية التي ليس لها قاعدة واسعة من الناخبين في حين أن حماس فازت في مناطق المدن واحتلت مقاعد ثلاث مدن هي رفح وقلقيليا وبيت لاهيا. وبدلا من مواجهة حماس وما لذلك من عواقب كارثية، يحاول أبو مازن أن يجذبها نحو العملية السياسية اعتقاداً منه بأنها قد تقتنع بالتخلي عن العنف ضد الإسرائيليين وتدمج مقاتليها في أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. كذلك فإن حماس نفسها تواجه امتحاناً في الحنكة وحسن التصرف، فإما أن تصبح حزباً سياسياً وتدخل اللعبة الديمقراطية أو أن تبقى متمسكة بالعنف. ولا بد لها في أي حال أن تترك فتح لتولي القيادة في الانتخابات وتمنح أبو مازن الفرصة. ذلك لأن انتصار حماس قد تكون له عواقب ليست في الحسبان وقد يؤدي إلى عودة حلقة جديدة من العنف. وقد يعول شارون على انتصار حماس ليتخذ من ذلك ذريعة للتخلي عن عملية السلام، لأنه سوف يقول أن الحوار مع حماس سيجعل السلام أمراً ميئوساً منه. فكيف يمكن التفاوض مع من يريد قتلك؟ هذا هو نمط المغالطات لدي اليمين الإسرائيلي. وفي محاولة لقطع رأس الحركة قام شارون بقتل زعيميها الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي. ترى من ستكون الضحية القادمة؟ قد لا يستطيع الرئيس بوش إقناع شارون بالتخلي عن هذا التكتيك الفج لأنه سيفعل المستحيل لتخريب عملية السلام التي يكرهها. ولكي يكون لأبو مازن حظ في النجاح في صراع القوة القادم مع بوش وشارون فإن عليه أن يحيط نفسه بشخصيات وطنية فلسطينية لا تشوبها اتهامات الفساد. عليه أن يجمع تحت راية واحدة كل القوى الفلسطينية المتفرقة بما في ذلك الفصائل المختلفة ضمن حركة فتح، والفصائل المقاتلة كحماس والجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى والكوادر العسكرية التابعة للسلطة الفلسطينية. وعليه أيضا أن يحصل على دعم حزب الله في لبنان ودعم سورية وباقي العالم العربي. قد لا يتمتع أبو مازن بمكانه القائد التاريخي القادر على تعبئة كل هذه الإمكانات المتوفرة. ولكن لا يزال الوقت مبكراً للحكم له أو عليه. فرحلته إلى واشنطن ستكون موضع متابعة دقيقة كي نرى كيف يطرح القضية الفلسطينية وما إذا كان سيستطيع التغلب على الأحكام السلبية الجاهزة والراسخة لدى الرئيس بوش ومستشاريه. وهو قد جعل نفسه حتى الآن منهمكاً في معارك جانبية داخل فتح نفسها ولا سيما أن خلافاته مع زملائه القدامى كرئيس الحكومة أحمد قريع والمناضل القديم فاروق القدومي المقيم في تونس لم تسهم في رفع سمعته. ولقد حان الآن الوقت كي يثبت ما إذا كان هو رجل الدولة الذي لا يزال الفلسطينيون أحوج ما يكونون إليه. كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.