في الذكرة الأولى لرحيل الرسام العراقي الرائد شاكر حسن آل سعيد عمد الفنان محمد زناد - صاحب ومدير"قاعة أثر"في بغداد، وأحد تلامذة الفنان الراحل - الى تقديم مجموعة من أعماله تمثّل منتخبات من مراحل مختلفة، تعكس تحولاته في الفن والرؤية الفنية، في معرض تونسي استضافه"قصر خير الدين"في متحف مدينة تونس، إلى جانب أعمال فنية أخرى لسبعة وعشرين فناناً عراقياً، بعضهم من زملاء الفنان الراحل اسماعيل فتاح، ونوري الراوي... وآخرون من تلامذته مقدمين تحية للفنان آل سعيد في ذكراه السنوية الأولى. تقف وراء هذا المعرض، بشقيه، فكرتان أساسيتان، الأولى، كما يقول الفنان محمد زناد، هي تقديم فنان متميز من المشرق لجمهور الفن التشكيلي في المغرب، خصوصاً ان هذا الفنان الذي امتاز بغنى تكوينه الفكري والفني، مثّل انعطافة جذرية في تاريخ الفن العربي المعاصر، وهو ما جعل منه فناناً تجاوز"محيطه الجغرافي"، مقدماً تجربة فذة في تاريخنا الفني المعاصر. أما الفكرة الأخرى فتتمثل في تقديم"مشهد واسع"من الفن العراقي في السياق ذاته، للتعريف بهؤلاء الفنانين الذين لا يزال بعضهم معدوداً ضمن"الفنانين الشباب"، وهم يمثلون امتداداً أصيلاً لجيل من الفنانين الرواد، وتطوراً فعلياً للتجربة التشكيلية المعاصرة في العراق. ويأتي تقديمهم في اطار هذه الذكرى تأكيداً للروحية الفنية التي تعامل بها الفنان آل سعيد، في حياته، مع الفنانين الشباب وكان دافعاً لهم ومحرضاً في اتجاهات التجديد في أساليبهم ورؤاهم. ينتمي الفنان آل سعيد 1925-2004 إلى جيل من الفنانين المجددين الرواد في الفن العراقي المعاصر، فضلاً عن كونه من المؤسسين لواحدة من أبرز وأهم الجماعات الفنية في العراق:"جماعة بغداد للفن الحديث"في انبثاقتها الأولى العام 1951 يوم التفّت حول الفنان الرائد جواد سليم، لتختط بفنانيه،ا رسامين ونحاتين، خطاً فنياً يجمع بين التراث - وبوجه خاص تراث حضارة وادي الرافدين- والنظريات والاتجاهات التجديدية المعاصرة. وكان للفنان آل سعيد دوره البارز في وجود"الجماعة"وفي حضورها الفني، سواء بأعماله المتميزة في الرسم التي عكست روح هذا التوجّه، أم بفكره الفني التجديدي الذي مثلته كتاباته ابان تلك الحقبة التجديدية بامتياز في حياة الفن التشكيلي في العراق، والذي سينعكس، بدوره، في عمله الفني، ليأخذ عمله هذا صيغة من صيغ التطور الفني المترافق مع ما هو فكري. وهو ما سينعطف به، تدريجاً، نحو صيغ جديدة كان أن اعتمدها في عمله الفني وفي تشكيل هذا العمل، وهو ما سيدعوه، ابتداء من سبعينات القرن الماضي، ب"البعد الواحد"الذي سيتبلور عنده في صيغة"نظرية فنية"قائمة بذاتها، له اطروحاته فيها، وتمثيلاته لها في عمله الفني. وهو بقي، إلى النهاية، من أكثر فناني جيله تواصلاً مع كل ما هو تجديدي، حريصاً على تحديث رؤياه الفنية واغنائها بعناصر الرؤيا الجديدة... بما أكسبه، فكراً وعملاً، حيوية دائمة. وإذا كان هذا المعرض الذي افتتح في العاصمة التونسية قدم الفنان آل سعيد، للمرة الأولى في هذا البلد، في أهم وأبرز ما له من منجز فني، فإنه، من جانب آخر، جاء تحقيقاً لذلك الحرص على أن يتحقق لقاء، ولقاء متميز، بين الفنانين وجمهور الفن في تونس وهذا الفنان بتجربته الفريدة في حياة الفن المعاصر.