تقوم إحدى وسائل الحكم على الديبلوماسيّين على تقويم ردّ فعلهم في الأزمات. فهل يعتبرون الازمات تحدّيات، أم حِملاً ثقيلاً، أم فرصةً، أم عائقاً؟ حلفت كوندوليزا رايس اليمين الدستوريّة لتصبح وزيرة خارجيّة أميركيّة وسط أكبر ثوران ديبلوماسيّ منذ قرون. وهي تتولّى الأمور بأبّهة واقتناع. كانت رايس مستشارة أمن وطنيّة في العهد الأوّل للرئيس بوش، وسيطرت على الأزمات التي نتجت من كارثة 11 أيلول سبتمبر بمهارة وعزم. واضطرّت إلى تبديل أولويّاتها لأنّها وزيرة خارجيّة. ويقوم أكبر تحدّ لها الآن على استخراج نظام سلام دوليّ جديد من تيارات متضاربة وكثيرة. وهذه التيارات المتجاذبة هي انهيار نظام القوى العالميّ الذي أنشأته أوروبّا وثورة التكنولوجيا والثورة الإيديولوجيّة في أرجاء العالم والتوق العالميّ إلى المشاركة في الحكم. وجمعت رايس فريق عمل مذهلاً في رحلاتها العاصفة إلى أوروبا وآسيا، وأرست أسس دورها كقائدة عالميّة، ووضعت في الطليعة تشديد بوش على الإصلاح الديموقراطيّ. وكوني الشخص الوحيد الذي انتقل من منصب المستشار الوطنيّ للأمن إلى منصب وزير، يمكنني أن أشهد على التعقيد الكامن في هذا التعديل. ففي نهاية المطاف، لن ينجح وزير خارجيّة ما لم يكن مقرّباً من رئيس الجمهوريّة، ولم يعامله هذا الأخير على أنّه العامل الأهمّ في تطبيق سياسته. وتربط رايس بالرئيس علاقة وطيدة جدّاً وهي أقوى من تلك التي جمعت أيّ رئيس بوزير خارجيّته في العصر الحديث. وشهد الزملاء الذين عملوا في ولاية الرئيس الاولى المدى الذي يعتمد فيه الرئيس على آرائها. ولا يمكن أيّ رئيس أجنبيّ أن يشكّك في كونها ناطقة باسم البيت الأبيض. ويمنحها هذا كلّه درجة من النفوذ لم يسبقها إليها أحد. وعلى رغم التقدّم الذي أحرزته رايس أخيراً وهي في سنّ الخمسين، فهي لا تزال على قدر كبير طالبة تاريخ. ونحن لا ندرك أنّنا أمام المشهد الأول من مسرحيّة في فصول عدّة وعلينا انتظار المشهد الأخير لنعرف الحكم النهائيّ. ولكنّ الوقت ليس مبكراً أبداً لنقرّ بمدى ذكائها، وبالمجهود الذي بذلته، ولنشيد بصفاء الذهن الذي تعالج به الأمور. هنري أ. كيسنجير، تايم، 18/4/2005